تبدو تونس على أعتاب مرحلة الحسم تجاه الاستحقاق البلدي المزمع إجراؤه في 6 ماي المقبل، بما قد يحمله من مفاجآت، قد تغير اتجاه العملية السياسية التي سيقودها الشباب حسب ما تشير اليه نسبة مشاركته في القائمات الانتخابية. ويؤكد مراقبون للشأن الانتخابي أن الشباب الذي تراجعت مساهمته في الحياة السياسية في السنوات الاخيرة، سيقود المرحلة المقبلة، ويتوقعون أن يشكلوا مشهدا جديدا يقطع مع ما شهدته تونس مؤخرا من تصحر سياسي، استثناهم من سلطة القرار. هذا وأكدت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، لدى اعلانها نتائج قبول القائمات الانتخابية، أنّ نسبة كبيرة من عدد المترشحين للانتخابات البلدية هم من فئة الشباب، وتجاوزت مشاركتهم نصف العدد الجملي للمشاركين، وهو ما يعتبر تغيراً مهماً في المشهد السياسي. وفي خضم هذا الشأن، قال رئيس الهيئة العليا للانتخابات محمد التليلي المنصري، إنّ "الهيئة فوجئت بالمشاركة المهمة للشباب، التي فاقت 50 بالمائة، وهو ما يعتبر تغيراً مهماً في المشهد السياسي، كما أن مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة فاقت 1800 شخص، وهو تقريباً ما يميّز الانتخابات البلدية التي تختلف في هيكلتها وطبيعة ترشحاتها عن بقية الانتخابات". وبحسب المعطيات الصادرة عن الهيئة فإن 4866 مترشح اقل من 23 سنة تقدموا بترشحهم ضمن قائمات مختلفة بين حزبية وائتلافية ومستقلة، كما تقدم 24774 شاب يتراوح أعمارهم بين 24 و 35 سنة بترشحهم. يأتي ذلك في وقت، يثبت فيه الواقع السياسي للأحزاب التونسية مفارقة عجيبة تتمثل في مناداة جميعها بضم الشباب إلى صفوفها، في حين لا تقدم لهم خطابا فكريا مؤثرا، ولا تخصص لهم أي منصب داخل المكاتب التنفيذية وسلطة القرار المتفرعة عنه، مما يوحي أن الأحزاب تريد الشباب فقط من أجل رفع عدد المنخرطين ليس إلا. كما تشير كل التحليلات السياسية والاجتماعية الى أن حالة الاحباط التي يعيشها الشباب من الطبقة السياسية قد تكون الحافز الذي دفع الشباب الى الاقبال على ممارسة حقه السياسي وتولي زمام الأمور في الانتخابات المحلية، لأن الكثير من الفئات انتظرت حدوث تغيير فعلي بعد الثورة، لكن ذلك لم يحدث، بل ازدادات الامور سوء، بالنظر الى الازمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد. وعاش الشباب طيلة السنوات الست تلت الثورة على وقع أزمة غموض المستقبل، كان للاحزاب السياسية الدور الأساسي فيها، بعد ان أغدقت وعودا على الشعب لم تستطع الايفاء بها. وكانت كل السنوات تحمل اسم كذبة "سنة الشباب" منذ تاريخ حكم المخلوع بن علي الى اليوم بغض النظر عن الاطراف الحاكمة او الارث الاقتصادي والديون الثقيلة، فكان الشباب يحتل المراتب الاولى في سلم البرامج الانتخابية و في ذيل الترتيب من حيث تطبيق تلك الوعود. وأكد المحلل السياسي جمعي القاسمي في تصريح ل"الشاهد"، أن "النخب السياسية فقدت جزء كبيرا من مصداقيتها لدى عموم الشعب وخاصة فئة الشباب التي تشكل أكثر من نصف السكان لأسباب متعددة". من بين الاسباب ذكر القاسمي، تلك المتعلقة "بالخطاب السياسي لهذه الاحزاب التي أخفقت في الاقتراب من هموم الشباب والتعبير عن جزء من تطلعاته وانتظاراته في هذه الفترة بالتحديد، التي تبدو فيها الأفق مسدودة في مسألة التشغيل مثلا والخروج من الوضع الاجتماعي السيء". وأضاف أن الصراعات الهامشية بين الأحزاب كان لها تأثيرا مباشرا في تعميق الهوة بين الطرفين، ليس فقط على مستوى المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بل في إمكانية استقطابهم ليكونوا فاعلين ومؤثرين في هذه الاحزاب. في المقابل، حملت التحضيرات التي رافقت العملية الانتخابية، حالة من التفاؤل رغم الأجواء الاقتصادية الصعبة التي تحيط بالتونسيين، أكدتها نسبة مشاركة الشباب في القائمات الانتخابية، فضلا عن ما ذهب له محللون سياسيون يرون في تونس البلد العربي الأقرب للتطوير بعد إندماج مكوناته وحرصهم على عدم الإستئثار بالسلطة، على عكس بلدان أخرى ك"المغرب والجزائر ومصر والأردن وسوريا وقطر والسعودية والإمارات"، التي لازالت تعيش تحت سلطة الحزب الواحد أو العائلة الواحدة ! وبانتهاء الانتخابات البلدية ومن بعدها انتخابات المجالس المحلية، فإن البلد سيشهد إنتهاء المرحلة التأسيسية للديمقراطية الناشئة وسط ركود اقتصادي ومطالب اجتماعية صعبة.