بعد سبع حكومات توالت بعد الثورة وكتابة دستور جديد جاءنا بحرية الضمير وبثلاث رئاسات تجاذبت السلطة وعطلت الامور انتهى بنا الحال الى تحويل الفشل من المركز الى جهات الجمهورية لتعويمه الى حين. جاءت الانتخابات البلدية بعد تردد طويل وحتى قبل ان ينتهي مجلس نواب الشعب من النظر والمصادقة على مجلة الحكم المحلي التي أقرها الباب السابع الدستور. كنت كتبت سابقا في هذا الموضوع وانتقدت طريقة الانتخاب المعتمدة وهي نفسها التي أتت لنا بذلك المجلس التشريعي المعطل لسن اهم القوانين، واكدت بان تلك الطريقة المعتمدة على التصويت بالقائمات والاخذ باكبر البقايا بدون مزج او تشطيب سوف تنقل الخصومة من المركز للجهات وتتعطل شؤون المواطنين بعدما نالهم شر ما نال كل التونسيين. اعلم ان كلامي هذا لن يفيد ولن يكون له وقعا على هؤلاء الحاكمين الذين تسلطوا علينا وهم من العجز والعاجزين. وصلوا للحكم بالصدفة وبالتدجيل، بعد ثورة نظيفة لم تكن مثل غيرها من الثورات الدموية التي وقعت في العالم العربي. انطلقت ثورتنا صدفة من سيدي بوزيد بعدما أشعل النار في جسده احد الباعة المتجولين اليائسين، فاشتعلت بسببه تونس كلها وثارت على الحكم القديم الذي أفرط في الفساد وتجاوز كل الخطوط الحمر المتعارف عليها في أنظمة الحكم الرشيد. واعترف بثورتنا تلك كل العالم تقريبا وسماها بثورة الربيع العربي وراينا أعضاء مجلس النواب الامريكي يقفون تحية للشعب التونسي وتهنئته بثورته تلك التي أفسدها علينا بعض المغامرين. جاءت بعدنا مصر الحبيبة ولكن ثورتها لم تصمد طويلا وانتصرت عليها الثورة المضادة واعاد العسكر قبضته على الحكم من جديد، وأعانته النخبة التي لم تقدر المصير. اما في ليبيا ذلك القطر الشقيق فمازال يتخبط في متناقضاته وبعودته الى عقلية القبائل والعروش،اما في اليمن السعيد وبعد شطحات رئيسه الذي انفرد بالحكم لثلاثة عقود وانتهى حاله اخيرا الى موته باغتيال مريب وباتت بلده هدفا لتحالف مريب معاد للثورات العربية كلها بقيادة المملكة العربية السعودية ومشاركة الإمارات ومصر العسكر وبعض البلدان الاخرى، دخلوا جميعا في قتل ذلك الشعب المسكين. وتوقفت الثورات العربية في سوريا وتحولت فيها الى حرب ضروس تدخلت فيها القوى الخارجية الكبرى والصغرى وما زالت الحرب فيها تدور. لم افهم تلك الأسباب ولا لمن يعمل هؤلاء ويتدخلون في الشان الداخلي لدول مستقلة تجمع بينهم جامعة الدول العربية التي نصح بها الانقليز في القرن الماضي وبالتحديد في22 مارس 1945. واعود الى تونس التي نظمنا فيها انتخابات تشريعية حرة شفافة ومباشرة في نهاية سنة 2011 وأشهدنا العالم عليها وفاز فيها بنصيب الأسد الاسلاميون لكنهم لم يحصوا على الأغلبية في المجلس بسبب النظام الانتخابي الذي احكمت كتابته نخبة من المؤدلجين وتفننت بوضع العقبات فيه امام الفائزين، فكان من نتائجه قسمة الغنيمة بين الثلاثة احزاب وهي النهضة والمؤتمر والتكتل وتشكل ذلك الثلاثي واستأثرت النهضة بنصيب الأسد فيه وتولى أمينها العام رئاسة الحكومة التي باتت محور النفوذ، كما اقره النظام المؤقت للسلط، لكنه لم تقدر تلك الأحزاب الثلاثة على تصريف الامور، فاغتنمت الثورة المضادة الفرصة وبدات في التشويش عليهم بكل الطرق وسااندها في ذلك اتحاد الشغالين الذي كانت مقراته المحلية ملجأ للثورة وسندا لها للهروب من رصاص البوليس، كما انضمت لذلك العمل بعض الأحزاب المهمشة المنتمية لليسار التونسي بسبب كرهها للإسلام السياسي كما كانوا يقولون. لم تكمل تلك التركيبة مدتها المحددة بكتابة الدستور واجبرت على مغادرة الحكم بعدما تشكلت مجوعة بدون اَي سند تشريعي وترأسها اتحاد الشغل وأطلقت على نفسها هيئة للحوار الوطني وافتكت سلطة المجلس التأسيسي المنتخب والحكومة وتصرفت في تقرير المصير واختارت حكومة غير متحزبة للتسيير وتنظيم انتخابات تشريعية، فاز فيها حزب النداء بالمرتبة الاولى وبعده جاءت النهضة في المرتبة الثانية، وتحالفا بعد عداء مستفحل شديد وتواصل تحالفهما ذلك الى يوم التاريخ، وتقاسما الحكم بينهما ضيزى ومن وقتها باتت الامور تسير من سيّء الى أسوأ والقارب يغرق كل يوم ويزيد الى ان اصبح البعض يتمنى يوما من ايّام ابن علي الطريد. وفِي هذه الأجواء نزلت كل المؤشرات الى الاحمر وشل عمل الحكومة بعدما أفرطت المنظمات الدولة في تصنيفها ضمن قائماتها السوداء ولم نعد نعرف المصير. وآخرا وبعد بدعة الوفاق الوطني راينا اساتذة التعليم الثانوي يمسكون عن مد إدارتهم بتقييم التلاميذ ثم يعلنون الاضرب عن التدريس والحكومة بقيت تراهن على الوقت الذي يمر وتونس تغرق في ديونها وتعجز عن دفع اجور الموظفين ومستحقات المتقاعدين. قلت وانا أفكر هذا الصباح واتابع ما يجري في الانتخابات البلدية التي ستزيد الوضع تعقيدا وتنقل الأزمة من المركز الى القاعدة التي حرمت من بلدياتها المنحلة منذ سبع سنين وتحملت سوء تدبير اللجان الخصوصية على أمل حسن تطبيق الباب السابع من الدستور الجديد واتمنى ان لا يصاب بخبة في التقدير.