لا شك ان لكل واحد منا في ذاكرته وربما في خزانته دفاتر من الذكريات في مختلف المجالات ولكن القليلون منا من يريدون ومن يرغبون ان يفيدوا بها الناس فتذهب هذه الدفاتر مع الريح ولا يبقى منها مع الاسف كاذب ولا مكذوب ولاصادق ولا صحيح ولقد رايت من هذا المنطلق وعلى هذا الأساس ان اذكر بعض ما جاء في دفاتري و أوراقي المحفوظة في راسي وليس في كراسي تتعلق بعيد الشغل وتحديدا في علاقة بورقيبة باتحاد الشغل وبمطالب الشغالين بعد ان رايت كثيرا من اصحاب القلم المعروفين قبل المغمورين معرضين عن كتابة بعض ما عندهم في دفاترهم ولست ارى الا انهم من المقصرين في حق توعية شعبهم وامتهم وانهم سيسالون يوما بلا شك عن هذا التقصير الخطير عند الوقوف غدا للحساب بين يدي رب عليم خبير بصير كبير واول ما اذكره من اوراق دفاتري ان بورقيبة رحمه الله كان يرى ان اتحاد الشغل يجب ان يكون في خدمة سياسته في هذه البلاد منذ عهد الكفاح فهو يعتبره نوعا من انواع السلاح التي يجب ان توجه ضد المستعمر في المساء وفي الصباح وقد خطب يوما في احد الأعياد فقال وهو يتحدث عن المرحوم النقابي فرحات حشاد انه طلب منه في يوم من ايام الكفاح ان يشغل فرنسا عند غيابه ورفاقه من المناضلين في منافي وسجون الفرنسيين باحداث شيء من التشويش وشيء مثله من الاضرابات حتى تعرف فرنسا ان التونسيين دائما من المستعدين لمنازلة فرنسا والوقوف في وجه سياستها في اي وقت وفي كل حين كما ذكر بورقيبة في احدى خطبه التاريخية انه تعرض لسوء تفاهم مع فرنسا في احد المواقف السياسية ولكنه استطاع ان يخرج من هذا الموقف كعادته وعوائده بفضل ذكائه وحنكته وكان فرحات حشاد على ذلك من الشاهدين وقال له بالحرف الواحد اعانك الله يا بورقيبة ومن عليك بالنصر المبين وخلاصة القول ان بورقيبة كان يرى نفسه اولا ويرى حزبه السياسي ثانيا اقوى من اتحاد الشغالين وما عليهم الا ان يطيعوه والا يكونوا في وجه سياسته وفي وجه حزبه من المعارضين ولا من الخارجين ولا من المتنطعين ولقد سمعناه يقول يوما للزعيم النقابي الحبيب عاشور وقد اخرجه من قضاء عقوبة سجنية ( يجب ان تعلم وان تتذكر انني انا الذي اخرجتك من السجن) فسكت الحبيب عاشور رحمه الله ويبدو ان السجن اتعبه واضناه واضعف حدته وانهك قواه) كما جاء في اوراق دفاتري التاريخية ان بورقيبة كان من الرافضين ومن المعارضين لسياسة ومبدأ الزيادة في الأجور الذي يطالب به الشغالون في كل العصور والمعقب دوما بالزيادة في الاسعار بقوله واستشهاده بالمثل المشهور الدقيق( زيد الماء وزيد الدقيق) وكان لا يرى ما يراه اتحاد الشغل والشغالين من ان هذه الزيادة ستحقق فعلا وحقا لهذه البلاد المناعة والرخاء والاستقرار كما جاء في اوراق دفاتري ان بورقيبة كان يرى ان احسن حل لاخراج البلاد من المشكلة التاريخية الا وهي ضعف الطاقة الشرائية لا يكون ابدا بالزيادات النقدية المالية السنوية وانما يكون ويتحقق في اتباع سياسة التقشف في حياة الشغالين الشخصية اليومية وذلك بالحد من شراء واستهلاك لحم العلوش والدجاج والعجل والاكتفاء بأكل سلاطة الفلفل والطماطم والبصل وقد قال يوما في عيد من اعياد الشغل وهو يرى نفسه قدوة لهذا الشعب لقد نصحني الأطباء بتجنب اكل اللحوم وبالإكثار من اكل السلاطة النيئة في الزيت وتجنب كثرة الطعام المطبوخ وهي عادة التونسيين في كل بيت هذا شيء ثابت تاريخي مما كان يقوله بورقيبة وما كان يفعله مع اتحاد الشغل ومع الشغالين ذكرناه بمناسبة احتفالهم بهذا العيد ولا شك ان لغيري اشياء اخرى من الذكريات فليتهم يكتبونها حتى لا تظل نائمة في الصدور او في القبور كما ينام الموتى والأموات اوليس بهذه الكتابة التاريخية فقط تحفظ كما يقولون الذاكرة الوطنية التي اصبحت في هذه الأيام عملة مطلوبة ومرغوبا فيها بصفة كبيرة قوية والتي كثر حولها الخلاف والشقاق ؟ و انني اظن ان هذا الاخفاء وهذا التغييب المؤسف الغريب العجيب لهذه الذكريات سيظل متواصلا في غياب الارادة القوية والعزيمة الصادقة في فتح وتصفح اوراق الدفاتر او دفاتر الأوراق