تشكو الحكومة دائما من كون منظومة الدعم باتت عبئا عليها وهي سبب رئيسي في الاختلال في الميزانية .هذا الموقف صحيح نسبيا لكن هذا لا يعني أن المشكل مرتبط بالدعم الموجه للمواطن لأن المشكل الحقيقي غير هذا تماما حيث أن نسبة هامة من قيمة الدعم تتوجه نحو غير مستحقيه وهنا لا نقصد الميسورين بل ما نعنيه هو أن موادا أساسية مدعومة من الدولة تستفيد منها شركات صناعية ونزل ومطاعم ومقاهي سياحية على غرار السكر والشاي والقهوة والزيت النباتي وغير ذلك. بمعنى أن تقليص مصاريف الدعم لا تتم عبر رفع الدعم ان كان كليا أو جزئيا بل بتوجيهه نحو المواطن حصرا لا أن يأخذ منه المصنعون جزءا هاما.
المنظومة هي المشكل
اولا علينا أن نشير كون المشكل لا يتمثل ولا يرتبط بالدعم في حد ذاته لأنه سياسة اجتماعية اختارتها الدولة للحفاظ على المقدرة الشرائية للمواطن وبالتالي الحفاظ على توازن المجتمع اي تسهيل حياة اغلب مكوناته وهم الطبقة الوسطى ثم الطبقة محدودة الدخل . هذا الخيار لم تتخذه بلادنا في سبعينات القرن الماضي عبثا بل بعد دراسة وتأن. من حينها نجح هذا الخيار في تحقيق أهدافه لكن بعد ذلك وخاصة في فترة النظام السابق بدأ الفساد ينخر المجتمع ومن صوره توجيه المنتجات المدعومة من الدولة والتي تخصص للاستهلاك الاسري حصرا الى مجالات اخرى وهي استثمارية ربحية. أبرز مثال على ذلك مادة السكر وهي مادة أساسية عند الأسر التونسية لكن للأسف فإنها صارت تذهب بكميات كبيرة نحو الشركات الصناعية التي تستخدم السكر كمادة رئيسية في منتوجها. هذا الأمر وفق خبراء يكلف ميزانية الدولة 150مليارا سنويا يتحملها صندوق الدعم لكن عوض معالجة هذه المشكلة وهذا الخلل نرى ان التوجه يسير نحو تقليص قيمة ونسبة الدعم في هذه المادة ما يعني الرفع في سعرها للعموم. هذه المعضلة لا يعاني منها الدعم المخصص لهذا المنتوج فقط بل هي تمتد الى مواد استهلاكية ضرورية اخرى مثل الزيت النباتي والقهوة والشاي والدقيق وغيرها. بالتالي علينا أن نتصور مقدار ما يتحمله صندوق الدعم من تكلفة بسبب الخلل في منظومة الدعم لا في الدعم ذاته. الوجه الثاني لإهدار الموارد بسبب ضعف منظومة المراقبة والتحكم في مسالك التوزيع هو قطاع المحروقات حيث يستهلك اسطول السيارات التي على ملك الدولة المليارات سنويا من دون قدرة على تفعيل سياسة ترشيدية صارمة .
شركات وهمية
المجال الآخر للإهدار الموارد هو جزء لا يستهان به من الشركات الوهمية وجلها اما أنها أجنبية أو أنها مصنفة كونها مصدرة لكنها في الحقيقة هي شركات وهمية ولا وجود لها الا على الورق لكنها تحصل على امتيازات باسم التشجيع على الاستثمار