لطالما كان هناك شخصٌ ما داخل الملاهي الليلية وصالات القُمار، يتجسد دوره الأكبر، ويكاد يكون الأوحد، في إقراض أولئك المفلسين الخاسرين من أمواله، مقابل حصوله على ضماناتٍ منهم، يمليلها عليهم، يضع شروطه، ويطالب بوعود مُوثَّقة، ويفرض قيودًا مشروطةً، وغيرها من الامتيازات التي يحصل عليها إلى جانب أمواله في وقتٍ لاحق، في الوقت الذي يكون فيه الشخص المفلس ذو الحال الضيق مستعدًا للتضحية بأي شيء، والموافقة على أي شروطٍ تُملى عليه، في سبيل حصوله على القرض الذي سيُمكِّنه من جديد من استعادة زمام الأمور؛ هذا تحديدًا هو الدور الذي يقوم به صندوق النقد الدولي مع دول العالم. تصر الحكومات العربية التي انصاعت لمطالب وسياسات صندوق النقد الدولي مقابل الحصول على قروض مشروطة على أن مطالب الصندوق التي تصفها بالإصلاحية من شأنها تحقيق نمو اقتصادي، وذلك عبر زيادة الاستثمار، وخلق فرص عمل، إلا أن المؤشرات المحققة على أرض الواقع في العديد من الدول، وعلى رأسها مصر وتونس والأردن والمغرب وغيرها، تظهر أن الفقراء هم من يدفعون فاتورة إملاءات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي؛ حيث يزداد الغلاء، والفقر، وديون الدول التي تمتد تداعياتها إلى الأجيال المقبلة. وبالرغم من ذلك استمرت تداعيات القروض التي يقرضها صندوق النقد الدولي إلى الدول العربية المختلفة. ربما فهمت الشعوب العربية مقصد الصندوق الحقيقي بدايةً من الانتفاضات في مصر عام 1977 وحتى لحظتنا هذه، إلا أن الحكومات العربية ما زالت تنصاع لما يُقره الصندوق من مطالب؛ يعتبر أبرزها رفع الأسعار، ووقف الدعم الحكومي على السلع الأساسية، وفرض المزيد من الضرائب والرسوم، في مقابل مبلغ من الدولارات يعاني بسببه الملايين من مواطني الشعوب العربية لسنوات، فضلًا عن وجود إملاءات أخرى قد لا تتعلق بالسياسات الاقتصادية فحسب، وإنما تمتد إلى كافة مناحي الحياة الاجتماعية