بموجب أمر علي مؤرخ في 18 جويلية 1957 (20 ذو الحجة 1376) يتعلق بإلغاء نظام الأحباس الخاصة والمشتركة. (الرائد الرسمي عدد 58 بتاريخ 19 جويلية 1957 تم تحجير الوقف بكل أنواعه واشكاله في تونس وذلك لأسباب لا اريد الدخول فيها. لكنني بقيت متعجبا من تعني السلطة الإفراط في غلق ذلك الباب فِي كل اشكاله ومقاصده وبتنا نبحث عن طرق أخرى ولا نتحرج من الاستفادة من المؤسسات الخيرية المشابهة حجرناها نحن. وانقل لكم الفصل الاول من الامر المذكور لتعلموا مقاصد المشرع : (الفصل الأول يمنع التحبيس الخاص والتحبيس المشترك ويعتبر لاغيا كل تحبيس من هذا القبيل.) وإمعانا في التحجير والتفسير يمكننا قراءة الفصل الرابع من الامر نفسه والذي جاء قاطعا باتا وانقله لكم حرفيا : (الفصل الرابع يقصد بالتحبيس العام ما كان مصرفه لفائدة الإسعاف أو الصحة العمومية أو التعليم أو الشعائر الدينية). وهكذا جدت نفسي في وقت ما رئيسا للجنة تصفية الأحباس بصفتي وال مسؤولا عن اعمال المصفين المعينين قبلي ممن سبقوني للتصرف في الأوقاف االخاصة والمشتركة المنحلة نيابة عن المستحقين الجدد وتمكينهم من أنصبائهم وادخال النساء فيها حسب الفريضة الشرعية خلافا لارادة المحبسين رحمة الله عليهم. كان ذلك في سنة 1971 لما اكتشفت تمطيط التصفية وعدم اجراء الحساب مع هؤلاء المصفين أكثرهم كان يقيم بالعاصمة تونس. قررت تنظم لقاء بهؤلاء المصفين في يوم معلوم بالولاية واستعددت له بعدما تكاثرت علي الشكاوى وقدرت انه امر يستحق مني العناية، ولكن هؤلاء لم يستجيبوا لدعوتي ولم يعتذروا ولو بطريقة مهذبة. كان ذلك في اخر أيامي بالكاف وانتقلت بعدها الى ولاية قفصة ولم اتابع الموضوع ولكنني أخذت فكرة عن مصلحة هؤلاء المصفين في الاطالة لانهم يعتبرون أنفسهم في حل مما يفعلون. نسيت ذلك وأوليت اهتمامي لولاية قفصة التي تحملت آعباءها وكانت اكبر اذ كانت تغطي توزر وسيدي بوزيد قبل ان تبعث في كل واحدة منها ولاية خاصة. وانتهت مسؤولياتي الحكومية في الجهات وانخرطت بعدها في المحاماة التي كانت اختصاصي الاول وجمعت بينها وبين النيابة بمجلس الأمة وأصبحت اهتم بالتشريع وبقضايا الناس التي لها علاقة بالمحاكم وغاب عني ذلك الامر حتى طلب مني الدكتور عبد الجليل التميمي مده باستشارة في أحسن طريقة يمكنه ان يتوخاها لتسيير مؤسسته البحثية، وعندها تعمقت في دراسة الامر المتعلق بحل الأحباس وقراءة القوانين المنظمة للمؤسسات المشابه، فاكتشفت من جديد ما جاء بذلك الامر من احتياط مبالغ فيه وغلق كل الأبواب أمام الخيرين وإعاقة الباحثين وكل من يريد ان يفعل خيرا. وتكرر ذلك مع دكنور العيون رضا المبروك الذي بعد تقاعده أقام مصحة للعيون من ماله الخاص واراد ان يترك لها ريعا من عقارات وزياتين زائدة عن حاجته وحاجة ورثته وتكفي للتعهد بذلك المستوصف بعد حياته ولكنني لم اجد له ولا لصديقي عبد الجليل التميمي بابا ادخل منه. قلت وانا اكتب هذه الخواطر وبدون ان ابحث في الأسباب التي دفعت لاتخاذ ذلك الامر العلي بتلك الحدة ما ضر لو نفخنا القانون واكتفينا بتحجير السيء منه وخاصة التمييز بين الابناء والبنات التي كان يعتمدها بعض المحبسين او تحسين التصرف الذي كانت تقوم به جمعية الأوقاف التي أدركتها وكان مقرها بنهج الكنيسة الذي اصبح الان يسمى بنهج جامع الزيتونة. اما وقد قضي الامر فهل كان في الإمكان اعادة النظر في التوقيف والسماح به في الميادين المفيدة كالتعليم والثقافة والصحة والبحث العلمي. وللذكر والتذكير فان المؤسسات الوقفية أصبحت منتشرة في كامل أنحاء الدنيا وتحضى بالدعم اللازم من الحكومات الديمقراطية باعفاء أصحابها من الجباية، ولكننا نحن في تونس أخذناها من جوانبها السلبية وحرمنا الخيرين بالتبرع بما زاد عليهم وعلى ورثتهم صدقة جارية تستفيد منه المجموعة. لقد اكتشفت اخيرا صدفة ان جامعة هارفارد الأمريكية الشهيرة ممولة كليا من طرف مؤسسات وقفية وبلغت ميزانيتها السنوية 20 مليار دولار في حين كانت فرنسا تخصص لتعليمها العالي كله 10مليار دولار. اما عندنا في تونس فقد أصبحت احضر من حين لآخر ملتقيات علمية وثقافية واكتشفت ان بعضها ممول من طرف مؤسسات وقفية اجنبية ومنها مؤسسة كنراد ايدنهاور الألمانية، بينما يبقى صاحب مؤسسة التميمي يبحث عن طريقة تحمي مؤسساته التي أفنى عمره فيها من التلاشي بعده وبعد ورثته المقربين ويمنع من تركها وقفا وصدقة جارية تستفيد منها المجموعة الوطنية. وهكذا ابقي الجواب للمسؤولين ولمن بات يشوه من يفكر في إرجاع الأوقاف في تونس وخاصة ما يتعلق منها بالميادين الاجتماعية والثقافية والعلمية واذكر بما قاله الاولون: (الفقر لا يظلم أصحابه) وكل عام وانتم بخبر ونعمة.