استمعت، كغيري من المواطنين، بكلّ انتباه لكلمة الوزير الأوّل، وكنت أترقّب، بفارغ الصّبر، الحلول المدروسة الّتي سيطرحها لحلّ مشاكلنا، وقد نفذ صبرنا، وهوى مستوى عيشنا، وتدهورت عزائمنا، ونحن ناسف لمواصلة اقتصادنا نزوله الى الاسفل، ولا أدلّ على ذلك من القيمة الحالية لدينارنا الذي هو المرآة الحقيقية للاقتصاد، ينعكس عليها نموّه، ويراهن عليه مستقبله القريب والبعيد، ولقائل ان يتساءل، و يبحث، بكلّ تجرّد، عن الأسباب والمسبّبات الّتي أدّت بنا الى هذا الوضع المزرى، لإيجاد ما يقتضيه العقل، والرّجوع الى ما فيه الصّواب، لبعث روح الأمل من جديد، والمضيّ قدما، في العمل والإنجاز، للالتحاق بركب الامم المتحضّرة، وحتّى لا يفوتنا قطار السرعة، نهائيّا، ونعود بخفي حنين، الى الوراء، والى ما ارد الرجعيون، بأصنافهم، جرّنا اليه، وقد فشلت في ذلك الى حد ما "الترويكا"، لاغتنام غبطتنا بثورة ارادها الشعب، بكل اطيافه، وآمل أن تكون ملبّية لرغباته، في الشّغل والصّحة والحرّية والعيش الكريم، وكان حكم "التريكا " الكارثة الاولى حيث ظهرت للوجود، مجموعة أفكار ونظريات وعقائد ضبابية، يدين بها مجموعات، ادّعت أنها أحزاب سياسية، لها ثقلها في المجتمع، رغم ان الشّعب، كلّما دعي الى الانتخاب، رفضها جملة وتفصيلا، ولازالت تناور، وتأمل في الرّجوع الى الرّكح من جديد، تدعمها في ذلك، أموالا تأتي من حيث لا ندري، وتعمل على مرمى ومسمع الحكومة، في وضح النهار، بدون احترام لقانونها الداخلي، و بدون اعلان تمويلها، وذكر مصادره كما يمليه القانون، ولم تتخذ الحكومات المتعاقبة، أيّ اجراء ردع، أو رقابة، رغم العديد من المؤسّسات الّتي بعثت لمكافحة الفساد، بدون جدوى يذكر، أثقلت موازينها كاهل المواطن بارتفاع الضّرائب من ناحية ، منذ انبعاث الثّورة ، وازدياد حجم دين الدّولة الى أبعد الحدود، من ناحية اخرى. ولو عدنا لخطاب الوزير الأوّل، ومضامينه، لشعرنا بخيبة أمل، ناتجة عن أداء فريق، لم يكن في المستوى المطلوب، تنقصه الخبرة في ادارة الشّأن العام، وما تحتاجه من عمق وتجربة و كفاءة و مصداقية، ولو عدنا الى كيفية اختيار هذا الطّاقم، لوجدناه ناتج عن تحالفات، رموزها أضداد، سلبياتها تفوق ايجابياتها، ليس لها خارطة طريق بل هي تمثّل احزاب تبحث على الوجود في الحكم، والانتفاع بمزاياه وتوالت الكوارث ومنها اخيرا خطاب الوزير الأوّل الذي ينبئ بأزمة سياسية على الأبواب، والّتي ستكون لها، بدون شك، تأثير على الوضع العام، وان لم يهتمّ بها الشّباب و التّونسيين عامة، لأنّ الشّأن السّياسي لم يبق له محتوى يذكر، والدّليل القاطع هو العزوف على الانتخابات البلديّة الأخيرة، ولا فائدة إذا في الرّجوع الى سبر اراء، مشكوك في مصداقيته لأنه غير منظم قانونيا، للشعور بأن البلاد تسير في طريق الخطأ، واليوم يظهر من جديد، أن كلّ التونسيين يطمحون الى العيش في أمن، والى طمأنينة في النفوس، و لا يمكن أن يكون ذلك الا بسلم اجتماعية طويلة المدى، تسمح بمراجعة النفس، وتقييم الموجود لتصحيح الأخطاء التي ارتكبت، و دفع عجلة الدورة الاقتصادية على مدارها الطبيعي، ولا يمكن ذلك الا بتوافق واجماع القوى الحية في البلاد، والتخلي عن حكومة الاحزاب، التي اودت بنا في خضم لا ندرك قاعه، وأصبحت سفينتنا سائرة الى الاخفاق، تبحث عن منقض، زد على ذلك الشعبوية الّتي تروّج في البلاد، وتغري المتنافسين الجدد ، الذين يعرفون مساراتهم الفوضوية ، وليس لهم تاريخ نضالي يذكر، وهم لا زالوا يحنون لنظريات شبابهم، يحلمون بتطبيقها في خيالهم، وقد اصبحت غير ملائمة لعصر السرعة وللعصر الرّقميّ الذي هو على الأبواب. ومما يلفت النظر، أن السياسة هي مسألة نتائج، وليس تسوية حسابات كما فعل بعضهم لما أسعفهم الحض، عند الانقلاب الطبي، واصبحوا يعتقدون انهم اسيادا، بيدهم الحلّ والعقد، وهم في الواقع بيادق لتطبيق أوامر بمقابل، فتصرفوا في الحكم بدون روية، وأدى بهم الكذب الى الخيبة. وظلت شهاداتهم وتخميناتهم، في جلّها من صنع مخيّلتهم، وقد عرفوا بولاءاتهم الى أصحاب النّفوذ، يخدمون ركابهم، ويهتفون لتصرّفاتهم، الّتي أدّت بالبلاد الى ما هي عليه اليوم من تقهقر اقتصادي، واجتماعي، وحتى بيئي. ان السياسي هو الذي يحلل التوقعات ،و يقترح الحلول، ويقرر المصير، فلو سألنا جل الّذين مارسوا الحكم على خريطة طريقهم، و جملة مشاريعهم، وكيفيّة تمويل وعودهم، لكان الدليل واضح على عجزهم على قيادة السّفينة الى شاطئ الامان، وخطاب الشاهد الأخير يؤكد هذه المنهج، فهو خطير في مضمونه إذ لا توجد فيه حلولا للمشاكل الحياتية للمواطن، تبعث فيه الطمأنينة والامل في المستقبل، فلا يهمه من المخطئ، ولا يقيم وزنا للخلاف العائلي، مهما كان مأتاه، فالحكم للشّعب الّذي يرجع له الفصل بين فرقاء السياسة، وكأن الساعة دقت للرجوع اليه، حتى يختار من جديد الاتّجاه القويم، ويقول كلمته في من يريد ان يحكمه عن طواعية، وبنكران الذات، ويجعل مصلحته فوق كل اعتبار، انهك المسار "السياسوي" المتبع قواه، لأنه بدون رصيد، فترك السياسة واهلها، الذين هم ليسوا جديرين بممارستها، إذ ليست لهم الكفاءة المطلوبة، ولا هم قديرون على تصورها، خربوا الموجود، ورهنوا الدولة، وسلموا الحكم الحقيقي للمؤسسات الدولية المالية، تتصرف في شعبنا كالبضاعة، وما أدهى وأمر ما صرح به مسؤول سام في الاتحاد الاوروبي، لما اختار الشعب الايطالي نوابه، في الانتخابات الاخيرة، اعلنها مدوية يوم 29 ماي "ستقوم الاسواق بتعليم الايطاليين التصويت بشكل جيد" ثم أعيد صياغة التصريح، نظرا لما أحدثه من بلبلة في شبكات الاتصال، ليصبح كما يلي "أنا قلق وأتوقع أن تكون التطورات في الاقتصاد الإيطالي في الأسابيع القادمة شديدة للغاية، بحيث يمكن أن تكون إشارة محتملة للناخبين بعدم اختيار الشعبويين من اليسار ومن اليمين". تلك هو الوضع العالمي وبلادنا تعتزم اللجوء الى الاسواق المالية العالمية للاقتراض، فما سيكون سعر الصرف فيها، والحالة الداخلية على ما عليها من تأزم نتيجة البحث على كرسي السلطة او العمل على الفوز به في الانتخابات المقبلة التي هي على الابواب، ويعتبر الشيخ راشد الغنوشي (20 مارس 2013) " ان المحاصصة الحزبية ليست عيبا أو جريمة وهي من طبيعة الحكم الائتلافي" هذا الحكم الذي ادى ببلادنا الى ما عليها اليوم من تقهقر اجتماعي، وركود اقتصادي، وتلوث بيئي، ومن تصدع لوحدة قومية بنتها اجيال شهداء، عند ربهم يرزقون، على مر السنين، واختلط الحابل بالنابل.. فلا فائدة اذا في المماطلة والتسويف، والرجوع الى الجادة، حتى كما يوصي به دائما الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة طاب ثراه " نسير الى الامام في جميع الميادين سياسية كانت او اقتصادية او اجتماعية عاملين بقاعدة العمل المشترك في جو يسوده الحماس ويحف به الانسجام والمحبة والاخلاص عملا بالآية الكريمة "وقل اعملوا سير الله عملكم ورسوله والمؤمنون". ذلك هو الطريق المؤدي الى حكومة انقاذ وطني من اجل تونس لا غير.