رغم شح الموارد أو على الأقل نقصها فان الحكومة وضمن سياسة التحكم في الانفاقات والتي تنسجم مع شروط صندوق النقد الدولي تتجه مباشرة نحو المصاريف الضرورية للحد منها على غرار كتلة الأجور .مع العلم هنا فان الأجور لا تعتبر مرتفعة بمقياس موضوعي أي ان قيس بقيمة المنتوج الداخلي الخام بالتالي فالمشكلة في قلة المنتوج والتضخم لا في قيمة الأجور. من هنا فان الحكومة وضمن برنامجها الاصلاحي الذي أعلنت عنه في وثيقة قرطاج1 ثم أكده رئيس الحكومة في قرطاج 2 فإنها تتجه الى تفعيل ما تعتبره اصلاحات ضرورية لكن أهمها التقشف على حساب المواطن ان كان بمس منظومة الدعم أ تقليص كتلة الأجور اأو رفع سن التقاعد ومزيد رفع مساهمات المنخرطين في الصناديق الاجتماعية. في مقابل هذا فان الحكومة تجعل من الامتيازات التي تمنح للمسؤولين بما فيهم أعضاء الحكومة والموظفين السامين تعتبر من المحرمات التي لا تمس. المالية العمومية رغم ان الحكومة تشتكي دائما في نقص وقلة الموارد المالية وترفع شعار نقص التمويل فإنها في مقابل هذا لا تنفك ترفع الانفاقات في مجالات لا علاقة لها بالتنمية او الاستثمار بل هي انفاقات على "بريستيج" المسؤولين. عمليا يمكن ان نعتبر أن هذهى الانفاقات والامتيازات تتجه الى ثلاث وجهات وهي الحكومة الرسمية بالنسبة للقصبة ثم جيش المستشارين في رئاسة الحكومة ومختلف الوزارات فكل وزير يأتي ليصحب معه مستشارين يتم منحهم امتيازات مجزية. الحكومة الثالثة او الفريق الثالث بقصر قرطاج حيث جيش آخر من المستشارين. كل هؤلاء يمنحون السيارات الفارهة ومنح البنزين وامتيازات ما أنزل الله بها من سلطان. باب آخر للانفاقات هو المؤسسات والهيئات والتي يتمتع اعضاؤها هم ايضا بامتيازات كبيرة توازي امتيازات وزير وكاتب دولة. ولو اضفنا إلى هذا حوالي84الف سيارة إدارية ووظيفية تنفق عليها الدولة صيانة وقودا وغيره فان الحاصل من كل هذا مليارات تقتطع من الموارد وتتفق دون ان تمس بل انها كل سنة تزداد وترفع. السؤال هنا: أليس هذا باب كبير جدا لإهدار الموارد؟! ام ان الحكومة لا ترى الانفاقات الكبيرة الا في الدعم والأجور؟
آن الأوان للحكومة حتى تدرك أن المواطن لم يعد يحتمل أكثر من هذا فمن ناحية ضربت مقدرته الشرائية في مقتل ومن ناحية اخرى فان موجة الغلاء تزداد ومن ناحية ثالثة فهو يرى المسؤولين يتمتعون بامتيازات كبيرة تدفع لهم من الضرائب التي تقتطع منهم والنتيجة حالة غليان كبيرة فالمجتمع على صفيح ساخن كما يقال ولعل اي شرارة قد تكون كافية لانفجار الوضع.