اقيم صباح أمس بمقبرة الرقبة بتطاوين موكب دفن عبد المجيد المؤدب وهو أحد ضحايا غرق مركب يقل اكثر من 180 مهاجرا غير شرعي بسواحل قرقنة.. في هذا السياق نشير إلى أن الأحداث المؤلمة المرتبطة بالهجرة غير الشرعية كثيرة ومؤلمة ومن بينها ما حدث في أكتوبر 2013 حيث شب حريق في قارب صيد كان يقل نحو 500 مهاجر غير شرعي, مما أدى إلى غرق 366 منهم بينهم نساء وأطفال بعد أن علقوا داخل القارب. وبات تنظيم رحلات الهجرة السرية أو ما يصطلح عليه في تونس ب"الحَرقة" أشبه ببزنس تنظيم الرحلات الترفيهية، حيث تنشط في هذا المجال شبكات تشرف على جميع المراحل، بداية من اختيار العملاء وصولا إلى نقلهم نحو الشواطئ بعد التعاقد مع السفن التي ستقلهم إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط. وحسب سماسرة، يبلغ معدّل كلفة الرحلة للفرد الواحد ما بين 1500 و3000 دينار، تنطلق في قوارب صيد متوسطة الأحجام، حيث يعمد بعض من أصحاب مراكب الصيد البحري إلى تأجير مراكبهم إلى منظمي رحلات الهجرة السرية نظرا للمردود السهل والسريع لهذه الرحلات. وتوضح دراسة نشرتها وكالة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الحدود الخارجية،أن مردود مركب يحمل 450 شخصاً يصل إلى حوالي مليون يورو، معتبرة أن عددا كبيرا من بحارة المتوسط منخرطون في تنظيم رحلات الهجرة السرية التي تنطلق على الأغلب من السواحل التونسية والليبية في غفلة من السلطات البحرية. كما يؤكد التقرير أن مافيا تهريب المهاجرين صارت تنشط بشكل مكشوف وفي وضح النهار خصوصاً في المناطق التي تقل فيها المراقبة، بل إنها تشتغل بحرية كأنها وكالات أسفار عادية· وأظهرت نتائج دراسة حول "الشباب والهجرة غير النظامية في تونس"، أن 45% من الشباب التونسي لديه استعداد للهجرة حتى ولو كانت غير شرعية. وكشفت الدراسة التي أعدها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالتعاون مع مؤسسة "روزا لكسمبورغ"، أن 81% من الشباب المستجوبين لديهم استعداد لتمويل الهجرة غير النظامية. ويعتبر المدير التنفيذي للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مسعود الرمضاني، في حديثه سابقا لمندوب الصريح بتطاوين،أن فشل سياسة التنمية في تونس قبل الثورة وبعدها من الأسباب الرئيسية لانتشار الهجرة السرية، معتبرا أن إقبال الشباب على هذا النوع من الرحلات أنتج شبكات سفر مختصة في رحلات الموت. ويؤكد الرمضاني أن غياب أجهزة رقابة عصرية لمتابعة نشاط مراكب الصيد البحري يسهل بشكل كبير تنظيم رحلات "الحَرقة"، ولا سيما أن منظميها يدرسون جيدا المسالك الآمنة لعبور قواربهم، ما أدى إلى بروز تجارة مربحة أشبه ما يكون بتجارة الرقيق، حسب تعبيره. وينتقد الرمضاني عقم الاتفاقات التي تم إبرامها مع الاتحاد الأوروبي أو الاتفاقيات الثنائية، خاصة مع إيطاليا وفرنسا، حول الهجرة السرية. وحسب بيانات نشرها موقع "الاكسبرس" البريطاني، شهد البحر المتوسط مرور 153.946 شخصاً في 2015، وأغلب المهاجرين من إثيوبيا وإريتريا ونيجيريا وتونس، في حين أكدت المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أنه منذ 2014 قضى أو فقد أكثر من 10 آلاف مهاجر أثناء محاولتهم الوصول بحراً إلى أوروبا معظمهم في البحر المتوسط. ويظل سؤال لجوج ينخر شفيف الروح: إلى متى سيظل شبابنا وليمة لأعشاب البحر..؟! (مع الإعتذار للكاتب والروائي السوري حيدر حيدر على هذا الإقتباس من إحدى روائعه الروائية:وليمة لأعشاب البحر)