حول نقاش المجلس القومي التأسيسي لمضامين الفصل الأوّل من الدستور التكاري:" أنا لا أشاطر رأي من يعتبر أنّ الدستور التونسي يؤسس لنظام لائكي " استعرض السيّد البشير التكاري وزير العدل وحقوق الإنسان في محاضرته بمناسبة الندوة الوطنيّة الّتي انتظمت احتفاء بخمسينيّة إعلان الدستور النقاش المستفيض الّذي جرى داخل المجلس القومي التأسيس حول مضامين عدد من الفصول وكان من أهم تلك النقاشات ما جرى حول الفصل الأوّل" تونس دولة حرّة، مستقلّة، ذات سيادة، الإسلام دينها، والعربيّة لغتها، والجمهورية نظامها " ، وأشار المحاضر إلى أنّ النقاش تركّز حول صياغتين بالنسبة للتنصيص على الإسلام وعلى العروبة موردا مختلف الصياغات المقترحة وقدّم قراءة لها:
صياغة أولى ساندها الشيخ الشاذلي النيفر ثمّ تراجع عنها عند التصويت ترمي إلى التنصيص على أنّ تونس دولة عربية إسلامية ، وصياغة ثانية ساندها كلّ من الزعيم الحبيب بورقيبة والمرحوم الباهي الأدغم تبرز الدولة والحرية والاستقلال أوّلا ثمّ تنصّ على أنّ الإسلام دين للدولة وعلى أنّ العربية لغة لها وهي الصياغة التي تمّ إقرارها في النهاية "تونس دولة حرّة مستقلة ذات سيادة الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها". يُواصل التكاري:" بالنسبة للتأويلات فإنها لم تطرح أبدا في المجلس القومي التأسيسي بل كانت نتيجة تفسيرات لاحقة للفصل الأول من الدستور من طرف بعض المفكّرين وبعض رجال القانون ومن هذه التفسيرات أن الفصل الأول يؤسّس لنظام لائكي، وأنا لا أشاطر رأي من يعتبر أن الدستور التونسي يؤسس لنظام لائكي، لكن ذلك لا يعني أن الدستور لا يقر حرية المعتقد في إطار تأسيسه لنظام سياسي تحديثي."، ثمّ يوضّح المحاضر: أبدأ باستبعاد التأسيس لنظام لائكي وأقدّم لذلك ثلاثة براهين: 1- إن نظام الحكم اللاّئكي يقتضي الفصل الصريح والتام بين الحكم المدني والمنظومة الدينية، والدساتير التي تقرّ اللائكية تقرّها صراحة. 2- إن تبرير الصياغة الحالية الذي ورد على لسان أعضاء المجلس القومي التأسيسي لم يكن متصلا من قريب أو من بعيد باللائكية فقد بينوا أن إبعاد وصف "إسلامية" أو "عربية" عن الدولة إنما مأتاه عدم وجود نظام دولة إسلامي أو عربي (من وجهة نظر قانونية دستورية). 3- الإسلام دين دولة أو العربية لغة الدولة لم يعد خاصية من خاصيات الدستور التونسي وحده إذ نجد هذه العبارة في المادة 2 من الدستور المصري وفي المادة 2 من الدستور الأردني وفي المادتين 2 و3 من الدستور الكويتي." وينتهي السيّد التكاري إلى القول:"أبين الآن أن استبعاد النظام اللائكي لا يعني عدم احترام حرية المعتقد وحرية التدين وأقدم لذلك المعطيات الثلاثة التالية: 1- لقد اقترنت منذ البداية مناقشة الفصل الأول من الدستور بمناقشة الفصل 3 منه المتعلّق بحرية المعتقد " الدولة التونسية تضمن حرية المعتقد وتحمي حرية القيام بالشعائر الدينية ما لم تخلّ بالنظام وتنافي الآداب" فمن هذه الناحية تكون حرية المعتقد وحرية القيام بالشعائر الدينية في وضعية تلازم وتكامل مع الإسلام دين الدولة. 2- عندما اقترح النائب نصر المرزوقي الاستغناء عن كلمة المعتقد " خشية أن تتيح المجال لتسرّب المبادئ الشيوعية الهدّامة "(والعبارة للمرحوم النائب نصر المرزوقي) أجابه رئيس الحكومة آنذاك " الدولة التونسية تحمي حاليا الحزب الشيوعي وعندما يصبح المعتقد الشيوعي مخالفا للقانون يصبح من المعقول عدم السماح بانتشاره". 3- إن مبررات هذا التلازم بين الفصلين 1 و 3 من الصياغة الأولى لمشروع الدستور مزدوجة فهي حرص على حماية حرية المعتقد وهي أيضا حرص على اعتبار لخاصيّة من خاصيّات الشعب التونسي الذي وإن كان في أغلبيته مسلم وعربي فإن به أيضا مواطنون تونسيون يهود حسبما صرّح بذلك رئيس الحكومة عند مناقشة هذه المسألة.