مع الشروق .. يرومون الدفء العائلي.. لكن !    الطبوبي: نواصل دورنا النضالي    تيسير ولوج ذوي الإعاقة الى المعارض    مع الشروق .. يرومون الدفء العائلي.. لكن !    قريبا شركة اللحوم تشرع في بيع الأضاحي    النظر في مبادرة حماية الأراضي الفلاحية    سريلانكا.. فيضانات وانهيارات طينية تخلف 10 قتلى ومفقودين    الهند: موجة حر تخلف عشرات القتلى و25 ألف اصابة بضربة شمس    أولا وأخيرا...إلى الوراء در    إما صفقة جيوسياسية تاريخية كبرى أو مواصلة الحرب الخاسرة...نتنياهو في ورطة!    اليوم: درجات الحرارة تصل إلى 44 درجة    الكاف: 3457 مترشحا لامتحان الباكالوريا    ردّا على حملة في «الفايسبوك»...وزارة التربية تمنع حمل الكوفية الفلسطينية خلال امتحانات الباكالوريا    كيف سيكون طقس اليوم الإثنين ؟    لأول مرة في الكويت: نجوم مصريون يحيون 'ليلة النكد'    نقابة الصحفيين الفلسطينيين تستنكر اعتقال الاحتلال الصهيوني لصحفية من وكالة الانباء الفلسطينية    رئيس الحكومة يؤدي زيارة عمل الى كوريا من 3 إلى 6 جوان الجاري للمشاركة في أول قمة كورية – أفريقية    وزير الرياضة يشرف على نهائي كأس تونس لكرة اليد أواسط    الترجي يفوز على الافريقي 2-1 ويصبح على بعد نقطة من التتويج..    عاجل/ جريمة قتل شاب بعد رميه من طابق علوي..وهذه حصيلة الايقافات..    هذه أسعار الأضاحي بهذه الولاية..    الترجي يفوز بالدربي منذ الشوط الاوّل وشوط ثان للنسيان    مكتب منظمة الصحة العالمية بتونس: معدّل عمر متعاطي أول سيجارة في تونس يناهز 7 سنوات    دربي العاصمة.. الترجي يتقدم على الافريقي في الشوط الاول    التشكيلة الاساسية لمباراة النادي الإفريقي والترجي    الطبوبي: الاتّحاد كان مع 'لحظة 25 جويلية'.. لكنّه لا يعطي صكا على بياض    أنس جابر في ربع نهائي رولان غاروس للتنس    المراقبة الاقتصادية بولاية تونس تضبط برنامج عمل خصوصي خلال فصل الصيف    القلعة الصغرى: الاحتفاظ ب3 عناصر إجرامية مفتش عنها    سيدي بوزيد: تراجع عدد الأضاحي إلى 110 آلاف رأس    وفاة المخرج الشاب محمد أمين الزيادي    الترجي يُحيل أصيل النملي على لجنة التأديب    وفاة المخرج محمد أمين الزيادي..#خبر_عاجل    رياح قوية الليلة وغدا بهذه المناطق..    المخرج التونسي الشاب محمد أمين الزيادي في ذمة الله    ولاية تونس في المرتبة الأولى من حيث عدد حوادث المرور    شركة اللحوم تشرع في بيع أضاحي العيد بداية من 8 جوان الجاري    كوريا الشمالية تُهدي جارتها الجنوبية 600 بالون نفايات    متى تبدأ ليلة وقفة عرفة؟...وموعد صيام العشر الأوائل من ذي الحجة    بنزرت: وفاة اب غرقا في شاطئ سيدي سالم وإنقاذ طفليه الصغيرين    هذه الدولة تعتمد أول لقاح للسرطان في العالم    بعد زيارة الصين: رئيس الدولة يعود الى تونس..    أفضل الخطوط الجوية لسنة 2024    في الصين: قيس سعيد يزور المقرّ الرسمي لشركة ''هواوي''    هزّة أرضية في المغرب    النادي الصفاقسي يطلق منتدى للتشاور مع احبائه ومسؤوليه السابقين    مدير عام منظمة الصحة العالمية.. الجائحة التالية ليست سوى مسألة وقت    عادل خضر نائب لأمين اتحاد الأدباء العرب    محرزية الطويل تكشف أسباب إعتزالها الفنّ    تجربة أول لقاح للسرطان في العالم    وزير الصحة : ضرورة دعم العمل المشترك لمكافحة آفة التدخين    قتلى في موجة حر شديدة تضرب الهند    من الواقع .. حكاية زوجة عذراء !    غمزة فنية ..الفنان التونسي مغلوب على أمره !    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 2 جوان    من أبرز سمات المجتمع المسلم .. التكافل الاجتماعي في الأعياد والمناسبات    مواطن التيسير في أداء مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تحقّ الدعوة إلى اللائكية في هذا الظرف؟ بقلم أحمد الفهري
نشر في الحوار نت يوم 13 - 04 - 2011

إذا عرفّنا اللائكية بأنّها نوع من التفريق بين الدولة و الدين أو ضمان لعدم إعتبار الدين كمصدر مادّي أساسي للتشريع فذلك أمر محسوم حتى في المنظور الإسلامي فالدولة في الثقافة العربية الإسلامية مدنية بطبعها.
وقد تمّ التأكيد على إثارة مسألة "لائكية الدولة"، في هذه الآونة الأخيرة رغم أن الوقت غير مناسب للخوض في نقاشات فكرية وسياسية حولها نظرا لوجود إشكاليّات أوّليّة التي يتعين أخذها بعين الإعتبار عند ما نريد أن نحسم في هذه المسألة.
1- لماذا الدعوة إلى اللائكيّة؟
إن مناصري اللائكية في مجتمعنا لا ينظرون إلى المسألة من منطلق تاريخ تونس و ثقافتها وإنما تأثرا بالثقافات الغربيّة فهم يقيمون التجربة السياسية التونسيّة بوعي فرنسي و هذا في اعتقادنا خطأ منهجي ليس من شأنه أن يخدم القضيّة بقدر ما يفتح المجال لنقاشات جانبية تحوم حول عمليّة إسقاط الفكرة التي لن تنتج حداثة حقيقيّة تكون مصدرها الإرادة الكليّة للشعب.
إضافة إلى ذلك فإنّنا نلاحظ تناقضا في خطاب الذين ينتصرون للائكية في بلدنا، فهم يرحبون بالديمقراطية والحرية إذا أوصلتهم هم إلى مواقع الفعل والقرار السياسي والثقافي في تونس أما إذا أوصلت من يخالفهم، فإنهم سرعان ما ينقلبون على الديمقراطية لأنها لم تكن خادمة لمصالحهم وقناعاتهم
و إذا كانت المجتمعاتُ ذات الأصول المسيحية تدعو "لللائكية" باعتبارها ضمانا لحق الاختلاف ورعاية للحريات الدينية، فإنّ ما لاحظناه في خطاب كثيرين من دعاة اللائكية في بلدنا من يمارسون اللائكية كوسيلة لإقصاء الدين كمرحلة أولى و لإعدامه كمرحلة ثانية و هو ما لا يتماشى مع مفهوم اللائكيّة و لا مع مفهوم الدولة الحديثة التقدّميّة التي نصّ عليها الفصل الأوّل من دستور 1 جوان 1959.
فإذا كان هذا الدستور لم يقرّ اللائكيّة و لاحظنا كيف ضيّقت السلطة على الناس حقهم في التعبير الديني وفي أدائهم لعباداتهم و شعائرهم فما من شكّ في أن يكون التضييق أكبر إذا ما أضحت اللائكية مكفولة بنص دستوري أو قانوني، لأن الذين ينادون بدسترة اللائكية، إنما يريدون بذلك أداة قانونية للتضييق على الدين بدرجة أكبر.

2- لماذا تأجيل دسترة اللائكيّة اليوم؟
قد يحق لدعاة اللائكيّة لدسترة هذا المبدأ في تونس إذا تبيّن أنّ المجتمع التونسي له مشكل مع المساجد أو الجوامع على غرار ما حصل في القرون الوسطى حينما كان للكنيسة تاريخ تسلطي يسند الملوك في ظلمهم، بل ويضفي عليهم وعلى أحكامهم هالة القدسيّة و الربّانيّة . لقد كانت التيوقراطية واقعا قائما ودائما وصريحا على مدى العصر الوسيط للحضارة الأوروبية، ولذلك كان لا بد من الثورة على الكنيسة وعلى السلطة الدينية.
غير أن وعي المجتمع التونسي ليس له مشكلة مع الدين فيما يتعلق بالمسألة السياسية لأن تجربته مع المسجد في الغالب لم تكن قط سلبية في هذا الشأن لأنه لم يعرف التاريخ الإسلامي تسلطا سياسيا يخرج من المسجد أو ينظَّر له داخل المسجد بل على العكس تماما، إذ كان المسجد غالبا منبرا للحوار و التسامح و الدعوة إلى العدل الاجتماعي والتحرر على مدى التاريخ الإسلامي.
و قد شهد المجتمع التونسي تسييسا للمساجد في فترة معيّنة من تاريخ تونس الحديث من قبل مجموعات و نقصد بذلك الأحزاب " الإسلاميّة" إذ كانت هذه المواقع بالفعل مصدرا للدعوة إلى الجهاد في سبيل الله و نرجّح استعمال المساجد لهذه الأغراض في ظلّ غياب التحصّل على ترخيص من قبل السلطات التونسيّة للممارسة السياسيّة فكانت بالتالي المساجد المقرّ اليومي للقاء و الإجتماع. و لكن المسألة تغيّرت اليوم فقد تحصّلت هذه الأحزاب على تراخيص للتحرّك في إطار الأهداف التي رسمها الحزب لنفسه فأصبحت بالتالي الدعوة إلى عدم تسييس المساجد تفرض نفسها في ظلّ ما نشاهده من تحرّكات.

و يستفاد من هذا إنّنا دائما نحتاج إلى تطوير دستورنا إنطلاقا من تجاربنا الخاصّة و لا أن نسقط حلولا خارجة عن ذواتنا فالتصوّر السنّي يقرّ الدولة المدنيّة و الفصل الأوّل من دستور 1959 لم يجعل من الشريعة الإسلاميّة المصدر المادّي الأوّل للتشريع و إنّما فتح المجال للاستلهام منه ذلك أنّ الدين في مجتمعنا التونسي يضمن الوحدة الإجتماعيّة و الثقافيّة بين كلّ التونسيين بل بين كل العرب والمسلمين و هو من شأنه أن يضمن البعد القيمي و الأخلاقي و الإنساني المميّز لنا عن غيرنا. فما نريده هو أن يكون الدين ( مهما كان) مرجعا قيميا وأخلاقيا لنظام سياسي ديمقراطي تحرري يؤمن بالفرد و بضرورة بناء دولة تقدميّة ديمقراطيّة دولة القانون و المؤسّسات.
إن الظرف الذي تعيشه تونس اليوم لا يسمح بالتظاهر لإثارة مسألة اللائكيّة لأن الواقع السياسي الحالي مازال هشا و أنّ الواقع الإقتصادي اليوم لم يعد يستحملّ رجّات إصافيّة و خاصّة و أنّنا لم نضمن بعد الوصول إلى الدولة الديمقراطية التي نهدف إلى تحقيقها في مجتمعنا فعلينا أن نحقّق مكسب بناء دولة الديمقراطيّة و المواطنة اليوم .

إذا عرفّنا اللائكية بأنّها نوع من التفريق بين الدولة و الدين أو ضمان لعدم إعتبار الدين كمصدر مادّي أساسي للتشريع فذلك أمر محسوم حتى في المنظور الإسلامي فالدولة في الثقافة العربية الإسلامية مدنية بطبعها.
وقد تمّ التأكيد على إثارة مسألة "لائكية الدولة"، في هذه الآونة الأخيرة رغم أن الوقت غير مناسب للخوض في نقاشات فكرية وسياسية حولها نظرا لوجود إشكاليّات أوّليّة التي يتعين أخذها بعين الإعتبار عند ما نريد أن نحسم في هذه المسألة.
1- لماذا الدعوة إلى اللائكيّة؟
إن مناصري اللائكية في مجتمعنا لا ينظرون إلى المسألة من منطلق تاريخ تونس و ثقافتها وإنما تأثرا بالثقافات الغربيّة فهم يقيمون التجربة السياسية التونسيّة بوعي فرنسي و هذا في اعتقادنا خطأ منهجي ليس من شأنه أن يخدم القضيّة بقدر ما يفتح المجال لنقاشات جانبية تحوم حول عمليّة إسقاط الفكرة التي لن تنتج حداثة حقيقيّة تكون مصدرها الإرادة الكليّة للشعب.
إضافة إلى ذلك فإنّنا نلاحظ تناقضا في خطاب الذين ينتصرون للائكية في بلدنا، فهم يرحبون بالديمقراطية والحرية إذا أوصلتهم هم إلى مواقع الفعل والقرار السياسي والثقافي في تونس أما إذا أوصلت من يخالفهم، فإنهم سرعان ما ينقلبون على الديمقراطية لأنها لم تكن خادمة لمصالحهم وقناعاتهم
و إذا كانت المجتمعاتُ ذات الأصول المسيحية تدعو "لللائكية" باعتبارها ضمانا لحق الاختلاف ورعاية للحريات الدينية، فإنّ ما لاحظناه في خطاب كثيرين من دعاة اللائكية في بلدنا من يمارسون اللائكية كوسيلة لإقصاء الدين كمرحلة أولى و لإعدامه كمرحلة ثانية و هو ما لا يتماشى مع مفهوم اللائكيّة و لا مع مفهوم الدولة الحديثة التقدّميّة التي نصّ عليها الفصل الأوّل من دستور 1 جوان 1959.
فإذا كان هذا الدستور لم يقرّ اللائكيّة و لاحظنا كيف ضيّقت السلطة على الناس حقهم في التعبير الديني وفي أدائهم لعباداتهم و شعائرهم فما من شكّ في أن يكون التضييق أكبر إذا ما أضحت اللائكية مكفولة بنص دستوري أو قانوني، لأن الذين ينادون بدسترة اللائكية، إنما يريدون بذلك أداة قانونية للتضييق على الدين بدرجة أكبر.

2- لماذا تأجيل دسترة اللائكيّة اليوم؟
قد يحق لدعاة اللائكيّة لدسترة هذا المبدأ في تونس إذا تبيّن أنّ المجتمع التونسي له مشكل مع المساجد أو الجوامع على غرار ما حصل في القرون الوسطى حينما كان للكنيسة تاريخ تسلطي يسند الملوك في ظلمهم، بل ويضفي عليهم وعلى أحكامهم هالة القدسيّة و الربّانيّة . لقد كانت التيوقراطية واقعا قائما ودائما وصريحا على مدى العصر الوسيط للحضارة الأوروبية، ولذلك كان لا بد من الثورة على الكنيسة وعلى السلطة الدينية.
غير أن وعي المجتمع التونسي ليس له مشكلة مع الدين فيما يتعلق بالمسألة السياسية لأن تجربته مع المسجد في الغالب لم تكن قط سلبية في هذا الشأن لأنه لم يعرف التاريخ الإسلامي تسلطا سياسيا يخرج من المسجد أو ينظَّر له داخل المسجد بل على العكس تماما، إذ كان المسجد غالبا منبرا للحوار و التسامح و الدعوة إلى العدل الاجتماعي والتحرر على مدى التاريخ الإسلامي.
و قد شهد المجتمع التونسي تسييسا للمساجد في فترة معيّنة من تاريخ تونس الحديث من قبل مجموعات و نقصد بذلك الأحزاب " الإسلاميّة" إذ كانت هذه المواقع بالفعل مصدرا للدعوة إلى الجهاد في سبيل الله و نرجّح استعمال المساجد لهذه الأغراض في ظلّ غياب التحصّل على ترخيص من قبل السلطات التونسيّة للممارسة السياسيّة فكانت بالتالي المساجد المقرّ اليومي للقاء و الإجتماع. و لكن المسألة تغيّرت اليوم فقد تحصّلت هذه الأحزاب على تراخيص للتحرّك في إطار الأهداف التي رسمها الحزب لنفسه فأصبحت بالتالي الدعوة إلى عدم تسييس المساجد تفرض نفسها في ظلّ ما نشاهده من تحرّكات.

و يستفاد من هذا إنّنا دائما نحتاج إلى تطوير دستورنا إنطلاقا من تجاربنا الخاصّة و لا أن نسقط حلولا خارجة عن ذواتنا فالتصوّر السنّي يقرّ الدولة المدنيّة و الفصل الأوّل من دستور 1959 لم يجعل من الشريعة الإسلاميّة المصدر المادّي الأوّل للتشريع و إنّما فتح المجال للاستلهام منه ذلك أنّ الدين في مجتمعنا التونسي يضمن الوحدة الإجتماعيّة و الثقافيّة بين كلّ التونسيين بل بين كل العرب والمسلمين و هو من شأنه أن يضمن البعد القيمي و الأخلاقي و الإنساني المميّز لنا عن غيرنا. فما نريده هو أن يكون الدين ( مهما كان) مرجعا قيميا وأخلاقيا لنظام سياسي ديمقراطي تحرري يؤمن بالفرد و بضرورة بناء دولة تقدميّة ديمقراطيّة دولة القانون و المؤسّسات.
إن الظرف الذي تعيشه تونس اليوم لا يسمح بالتظاهر لإثارة مسألة اللائكيّة لأن الواقع السياسي الحالي مازال هشا و أنّ الواقع الإقتصادي اليوم لم يعد يستحملّ رجّات إصافيّة و خاصّة و أنّنا لم نضمن بعد الوصول إلى الدولة الديمقراطية التي نهدف إلى تحقيقها في مجتمعنا فعلينا أن نحقّق مكسب بناء دولة الديمقراطيّة و المواطنة اليوم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.