القيروان.. 7 مصابين في حادث مرور    أمين عام الأمم المتحدة.. العالم يجب ألاّ يخشى ردود أفعال إسرائيل    أخبار مستقبل قابس...عزم على ايقاف نزيف النقاط    صفاقس شاطئ الشفار بالمحرس..موسم صيفي ناجح بين التنظيم والخدمات والأمان!    نفذته عصابة في ولاية اريانة ... هجوم بأسلحة بيضاء على مكتب لصرف العملة    استراحة «الويكاند»    28 ألف طالب يستفيدوا من وجبات، منح وسكن: شوف كل ما يوفره ديوان الشمال!    ميناء جرجيس يختتم موسمه الصيفي بآخر رحلة نحو مرسيليا... التفاصيل    توقّف مؤقت للخدمات    محرز الغنوشي:''الليلة القادمة عنوانها النسمات الشرقية المنعشة''    مع الشروق : العربدة الصهيونية تحت جناح الحماية الأمريكية    رئيس "الفيفا" يستقبل وفدا من الجامعة التونسية لكرة القدم    عاجل/ عقوبة ثقيلة ضد ماهر الكنزاري    هذا ما قرره القضاء في حق رجل الأعمال رضا شرف الدين    الاتحاد الدولي للنقل الجوي يؤكد استعداده لدعم تونس في تنفيذ مشاريعها ذات الصلة    بنزرت: مداهمة ورشة عشوائية لصنع "السلامي" وحجز كميات من اللحوم    عاجل/ المغرب تفرض التأشيرة على التونسيين.. وتكشف السبب    عفاف الهمامي: أكثر من 100 ألف شخص يعانون من الزهايمر بشكل مباشر في تونس    الترجي الجرجيسي ينتدب الظهير الأيمن جاسر العيفي والمدافع المحوري محمد سيسوكو    رابطة أبطال إفريقيا: الترجي يتجه إلى النيجر لمواجهة القوات المسلحة بغياب البلايلي    عاجل/ غزّة: جيش الاحتلال يهدّد باستخدام "قوة غير مسبوقة" ويدعو إلى إخلاء المدينة    قريبا: الأوكسجين المضغوط في سوسة ومدنين... كيف يساعد في حالات الاختناق والغوص والسكري؟ إليك ما يجب معرفته    البنك التونسي للتضامن يقر اجراءات جديدة لفائدة صغار مزارعي الحبوب    عائدات زيت الزيتون المصدّر تتراجع ب29،5 بالمائة إلى موفى أوت 2025    أريانة: عملية سطو مسلح على مكتب لصرف العملة ببرج الوزير    سطو على فرع بنكي ببرج الوزير اريانة    أكثر من 400 فنان عالمي يطالبون بإزالة أغانيهم من المنصات في إسرائيل    عاجل: تونس تنجو من كارثة جراد كادت تلتهم 20 ألف هكتار!    دعوة للترشح لصالون "سي فود إكسبو 2026" المبرمج من 21 إلى 23 أفريل 2026 ببرشلونة    بعد 20 عاماً.. رجل يستعيد بصره بعملية "زرع سن في العين"    توزر: حملة جهوية للتحسيس وتقصي سرطان القولون في عدد من المؤسسات الصحية    10 أسرار غريبة على ''العطسة'' ما كنتش تعرفهم!    عاجل- قريبا : تركيز اختصاص العلاج بالأوكسيجين المضغوط بولايتي مدنين وسوسة    عاجل/ مقتل أكثر من 75 مدنيا في قصف لمسجد بهذه المنطقة..    مهذّب الرميلي يشارك في السباق الرمضاني من خلال هذا العمل..    قريبا القمح والشعير يركبوا في ''train''؟ تعرف على خطة النقل الجديدة    شنية حكاية النظارات الذكية الجديدة الى تعمل بالذكاء الاصطناعي...؟    بلاغ مهم لمستعملي طريق المدخل الجنوبي للعاصمة – قسط 03    نقابة الصيدليات الخاصة تدعو الحكومة إلى تدخل عاجل لإنقاذ المنظومة    مجلس الأمن يصوّت اليوم على احتمال إعادة فرض العقوبات على إيران    أغنية محمد الجبالي "إلا وأنا معاكو" تثير عاصفة من ردود الأفعال بين التنويه والسخرية    البطولة العربية لكرة الطاولة - تونس تنهي مشاركتها بحصيلة 6 ميداليات منها ذهبيتان    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    حملة تلقيح مجانية للقطط والكلاب يوم الاحد المقبل بحديقة النافورة ببلدية الزهراء    المعهد الوطني للتراث يصدر العدد 28 من المجلة العلمية "افريقية"    افتتاح شهر السينما الوثائقية بالعرض ما قبل الأول لفيلم "خرافة / تصويرة"    جريمة مروعة/ رجل يقتل أطفاله الثلاثة ويطعن زوجته..ثم ينتحر..!    بطولة العالم للكرة الطائرة رجال الفلبين: تونس تواجه منتخب التشيك في هذا الموعد    شهداء وجرحى بينهم أطفال في قصف الاحتلال عدة مناطق في قطاع غزة..# خبر_عاجل    هذه الشركة تفتح مناظرة هامة لانتداب 60 عونا..#خبر_عاجل    في أحدث ظهور له: هكذا بدا الزعيم عادل إمام    تصدرت محركات البحث : من هي المخرجة العربية المعروفة التي ستحتفل بزفافها في السبعين؟    عاجل : شيرين عبد الوهاب تواجه أزمة جديدة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    سعيد: "لم يعد مقبولا إدارة شؤون الدولة بردود الفعل وانتظار الأزمات للتحرّك"    خطبة الجمعة .. أخطار النميمة    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جدل في تونس حول إصلاحات في منظومة التعليم العالي
نشر في السياسية يوم 01 - 06 - 2009

مجموعة من أساتذة علم الاجتماع بالجامعة التونسية يُوجّهون رسالة مفتوحة إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي و التكنولوجيا:
حجب الإجازة الأساسية يوشك أن يحرم الجامعة التونسية من طلبة يواصلون مساراتهم التعليمية في مستوى شهائد الماجستير والدكتوراه، وهو ما يعني أيضا "انقراضا" تدريجيا للأساتذة الباحثين المؤهلين لتأطير أطروحات الدكتورا والبحوث عامة
الأستاذ عدنان منصر(أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة سوسة) لصحيفة"مواطنون":
هل صرنا فعلا من غير حاجة لتدريس العلوم الإنسانية في جامعاتنا؟
على خلفية الجدل والنقاش الدائر هذه الأيام بخصوص تنفيذ حزمة أخرى من الإصلاحات المتعلّقة بنظام إمد وبعد أن سبق ل"السياسية" أن نشرت بيانا لنقابة الأساتذة الجامعيين ونقلت وسائل إعلام محليّة آراء لعدد من الجامعيين وتوضيحات مهمّة من وزارة الإشراف ، تنشر "السياسية" اليوم نص رسالة توجّه بها عدد من أساتذة علم الاجتماع بالجامعة التونسيّة إلى السيّد الأزهر بوعوني وزير التعليم العالي والبحث العلمي والتكنولوجيا تعرّضوا فيها إلى مسائل مهمّة على علاقة بالتحويرات المزمع إدخالها خلال الفترة المقبلة على أنظمة التدريس بالجامعة في ما يتعلّق بمادة الاختصاص، وللرسالة أهميّة خاصة باعتبار تواجد أسماء مهمّة من الإطار التدريسي بالجامعة التونسيّة ممن أمضها من بينهم الدكاترة عبد اللطيف الهرماسي ومنصف ونّاس ومهدي مبروك، وباعثو الرسالة هم السادة عبد اللطيف الهرماسي المنصف وناس عبد الستار السحباني المولدي الاحمر احمد خواجة مهدي مبروك.وبالنظر إلى قيمة الرسالة وأهميّة مضامينها في ما يلي نصّها كاملا:

"سيادة وزير التعليم العالي و البحث العلمي و التكنولوجيا:
تحية طيبة و بعد
من الجلي أن نظام امد قد شكل بمبادئه والأسس التي نهض عليها منعرجا مهما في تاريخ الجامعة التونسية، فهو يطمح إلى تطوير الجامعة التونسية وجعلها في مصاف الجامعات المتقدمة تحصيلا للمعرفة وتعميقا للبحث العلمي. وقد حضي هذا الإصلاح باهتمام الجامعيين الذين حرصوا على انجاحه لتواكب جامعاتهم تطورات العصر ومتطلباته.
غير أن ما حفّ بهذا النظام خلال السنوات الثلاث المنقضية من عمر هذه التجربة لم يخل أحيانا من بعض الممارسات التي تبدو لنا غير منسجمة مع مبادئ تلك المنظومة وفلسفتها وأهدافها الإستراتيجية. وتتأكد مخاوفنا حين ننظر إلى ما لحق بالعلوم الإنسانية عموما والعلوم الاجتماعية على وجه الخصوص من تراجع على مستوى الإيمان بجدواها وبقدرتها الفاعلة على مساندة مجتمعنا في تلمس طريقه نحو التنمية والنهضة الشاملة. فلقد تقرر في نهاية السنة الجامعية الحالية وبطريقة فجئية "حجب" الإجازة الأساسية في علم الاجتماع بالمؤسسات الجامعية الثلاث : كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس ، المعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس، وظل إلى حد الآن الاختصاص الوحيد الذي لا يتمتع بهذا النوع من الإجازة بعد أن حظيت في السنة الماضية بقبول اللجان القطاعيّة وحصلت على موافقة سلطة الإشراف والغريب أن الحجب هذا قد تزامن مع بعث ذات الاختصاص في عدة مؤسسات جامعية خاصة، مما يجعل حجة التشغيل التي تأسست عليها هذه العملية غير مقنعة.
يحدث هذا ومجتمعنا التونسي يشهد جملة من التحولات العميقة التي تجري في سياقات معولمة على غاية من التعقيد تنتج في كل أنحاء العالم وفي بلادنا بالذات جملة من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تحتاج إلى الدرس والمعالجة، كتلك المتعلقة بالتنمية وبالبطالة وبالهجرة السرية وبالتفكك الأسري وبكافة المشاكل الاجتماعية الناجمة عن توسع دوائر العنف والانحراف. وتشهد الدراسات المنجزة من قبل الهيئات العلمية الوطنية أو الدولية على صحة ملاحظاتنا هذه.
لكل تلك الأسباب فان هذا الإجراء إلى جانب مجافاته للمبادئ التي تقوم عليها منظومة أمد، كتلك التي تنص على ضرورة تخصيص الثلث للإجازة الأساسية والثلثين المتبقيين للإجازات التطبيقية ، بدا لنا مجحفا في حق اختصاص علمي قدمّ لتونس عديد الكفاءات وساعد الدولة من خلال مركز الدراسات الاقتصاديّة والاجتماعيّة وغيره على صياغة سياساتها التنمويةّ وهو الاختصاص الذي تتعاظم مكانته في المجتمعات المتقدمة باعتباره علما شريكا يساهم من موقعه الخاص و بمناهجه و أدواته في تحليل القضايا الاجتماعية ومعالجتها.
سيدي الوزير، لا أحد ينكر أن تشغيل خريجي الجامعة التونسية بما في ذلك خريجي علم الاجتماع يمثل معضلة حقيقية علينا جميعا أن نساهم في استبصار حلول لها، ومع ذلك اسمحوا لنا بتذكيركم بما يلي :
- لقد بادرت أقسام علم الاجتماع في المؤسسات الجامعية الثلاث حتى قبل إقرار نظام امد إلى عقد ندوات وطنية و دولية لتدارس معضلة تشغيلية الخريجين والاستئناس ببعض التجارب الأجنبية.
-ان الإبقاء على الإجازة الأساسية لا يتعارض مع توجهات الحكومة القاضي بمهننة الاختصاصات ودعم تشغيليتها خصوصا وأن أقسام علم الاجتماع بالمؤسسات الجامعية الثلاث قد بادرت منذ أكثر من عقد على إحداث تعديلات عميقة في محتوى البرامج والمناهج حتى يكون التكوين أكثر موائمة مع متطلبات سوق الشغل، لذلك تم تفريع اختصاصات متنوعة بداية من المرحلة الثانية : علم اجتماع الشغل وعلم اجتماع التنمية وعلم اجتماع التربية والثقافة، هذا إلى جانب سن تربص وجوبي يقوم به الطالب لدى إحدى المؤسسات دعما لمعارفه التطبيقية بدرجة أولى وتعريفا بالاختصاص في مستوى ثان.
- أن أزمة تشغيل خريجي هذا الاختصاص لا تعود إلى افتقاد هؤلاء المهارات التطبيقية بل تعود في جزء كبير منها إلى افتقادهم وذلك على خلاف بقية زملائهم، القانون الأساسي الذي يحدد هويتهم ومهنتهم وهو الأمر الذي سعت أجيال كاملة إلى تحقيقه لكن دون جدوى علاوة أيضا على عدم معرفة المؤسسات الاقتصادية أو غيرها به أصلا . كما أن الأقسام الثلاث قد استجابت إلى دعوة الوزارة الحاثة على بعث إجازات تطبيقية فصاغت مقترحات حظي البعض منها بموافقة اللجان القطاعية غير ان سلطة الإشراف لم تأذن إلى حد الآن بفتحها ولم تقدم أي تبرير لذلك.
- إن حجب الإجازة الأساسية يوشك أن يحرم الجامعة التونسية من طلبة يواصلون مساراتهم التعليمية - التي اختاروها- في مستوى شهائد الماجستير والدكتوراه، وهو ما يعني أيضا "انقراضا" تدريجيا للأساتذة الباحثين المؤهلين لتأطير أطروحات الدكتورا والبحوث عامة، وذلك هو الشرط الموضوعي لتخريج الكفاءات العلمية المدعوة لاحقا إلى تدريس الإجازات التطبيقية ذاتها.
- إن علم الاجتماع كما أسسه ابن خلدون، الذي احتفت به بلادنا في السنة الماضية على نطاق واسع، وكما تطور لاحقا على هيئة نظريات ومناهج لا يمكن أن ينمو أو تكون له جدوى إلا بالبحث في أساسياته المعرفية والمنهجية. ولا سبيل لجامعاتنا أن تجاري نظيراتها العالمية في هذا المجال إلا بالمحافظة على هذا المبدأ، وبخلافه نكون قد اخترنا تكريس التخلف عن الركب.
لكل تلك الأسباب فإننا ندعوكم إلى مراجعة هذا القرار والإبقاء على الإجازة الأساسية في علم الاجتماع حتى يتمكن هذا الاختصاص من المساهمة العلمية المسؤولة في مسارات التنمية الاجتماعية والبشرية التي يحتاجها مجتمعنا، خصوصا في بلد يطمح إلى التميز التنموي. إن مجتمع المعرفة لا يمكن أن يتحقق إذا ما تمت التضحية فيه بالمعرفة الإنسانية والاجتماعية.
سيدي الوزير إن الإبقاء على الإجازة الأساسية ، عنوان هذا الاختصاص، هو دعم لمكاسب جامعة فتية تحتفل بخمسينيتها وعرفان لاختصاص أسسته شخصيات معرفية عظيمة في تاريخ بلادنا وكان شاهدا بل ومؤسسا لميلاد هذه الجامعة."
------------------------------------------------------------------------
إقرأ أيضا على صلة بنفس الموضوع:
حوار مع الأستاذ عدنان منصر(أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة سوسة) في جريدة "مواطنون" (لسان حال التكتّل من أجل العمل والحريات):
هل صرنا فعلا من غير حاجة لتدريس العلوم الإنسانية في جامعاتنا؟
إنّ إقدام الوزارة على دمج شعبتي التاريخ والجغرافيا حسب ما ورد في دليل التوجيه الجامعي الجديد إضافة إلى الضوارب الضعيفة المسندة لهذا الاختصاص الحساس في التعليم الثانوي وفضلا عن التوجه الواضح لوزارة التعليم العالي نحو التراجع،عوامل تخفي ولا شك عديد المسائل الهامّة تتجاوز الإجراءات التقنية إلى مسائل استراتيجية خطيرة وفي هذا الصدد تفضل الأستاذ عدنان منصر أحد المختصين في الميدان بالإجابة عن أسئلة جريدة "مواطنون".
1 -ما هي الرسالة التي أرادت الوزارة تبليغها من خلال هذا الإجراء وهل استشارت أهل الاختصاص وممثلي الأساتذة؟
هذا الإجراء يأتي في الحقيقة تواصلا لإعادة هيكلة التعليم العالي بما يتلاءم مع نظرة معينة لوظيفة الجامعة في الإطار الاقتصادي والاجتماعي الجديد الذي فرضه نسق العولمة على البلدان النامية، وهو ذات الإطار الذي يقلص من تدخل الدولة وتمويلها للقطاعات الاستراتيجية والإنفاق الاجتماعي لترك المجال أمام القطاع الخاص. ما أرادت الوزارة تبليغه هو أن الخريطة الجامعية يجب أن تخضع لاعتبارات تتجاوز وظيفة الجامعة الأساسية وإقحامها في منطق العرض والطلب في سوق الشغل والاستثمار. والفكرة في حد ذاتها مقبولة من ناحية المبدإ ولكن الجامعة ليست ذلك فقط. لا يمكن في نظري أن يُطلب من الجامعة أن تقدم تكوينا مهنيا فقط ، فهناك وظيفة أساسية يجب أن تواصل الجامعة الاضطلاع بها وهي الحفاظ على نسق التطور الفكري وتنشئة نخبة واعية بمحيطها ومرسخة لقيم التفكير الحر والنقدي. لا يمكن أن يُطلب من الجامعة مهما كانت حدة الضغوطات أن تخرّج تقنيين فقط، فهذا يعبر عن نظرة تجزيئية لوظيفتها تنقلها تماما إلى لعب دور تحدد كلياته وتفاصيله خارج المنطق الذي أنشئت من أجله. أما عن الطريقة التي اتبعتها الوزارة فإنها مُحبطة للجامعيين إلا أننا لم نستغربها مطلقا، ذلك أنها أصبحت منذ عدة سنوات طريقة التعامل الأساسية لسلطة الإشراف مع الجامعات، حيث عوضت الاستشارة بمجرد الإعلام ثم بالبحث بعد ذلك عن مجرد تزكية من المجالس التمثيلية التي كلما تحفظت على شيء من ذلك إلا ووقع تذكيرها بأن وظيفتها استشارية لا غير. ما يريده الجامعيون هو الحوار حول هذه الخيارات وهذه التوجهات، وهم لا يتوانون عن تقديم رؤيتهم والتعامل بإيجابية مع كل المقترحات، شريطة أن تراعي سلطة الإشراف مبدأ التشاور وأن تحافظ على المكاسب الأساسية للتعليم الجامعي في بلادنا، فالجامعيون لا يرفضون لمجرد الرفض، ولا يتحفظون لمجرد التحفظ.
2- هل فعلا لم تعد هناك حاجة لتدريس هذا الاختصاص؟
إذا نظرنا إلى المسالة بطريقة تجزيئية، وقدمنا معلومات مجزأة، نعم، ربما لم تعد هناك من حاجة للإنسانيات. أما إذا أخذنا بعين الاعتبار المنطلقات الأساسية التي من أجلها أنشئت الجامعة وهدف المحافظة على نشر الفكر العقلاني والنقدي وحماية الأجيال من خطر الإنبتات أو التطرف والمحافظة على نسق تطور فكري مميز للتونسيين، فإن الحاجة للإنسانيات أمر أكيد وراسخ. عادة ما يقدَّم المشكل على المنوال التالي: ضعف تشغيلية الشعب الإنسانية، تشبع سوق الشغل، عدم قدرة الدولة على الالتزام إلى ما لانهاية له بسياسة اجتماعية أضحت مكلفة، ثم ضرورة التعامل مع المتغيرات في سوق الشغل العالمي التي تحتاج إلى تقنيين بالأساس. ونحن نطرح المسألة بالشكل التالي: ما هي الشعب ذات التشغيلية العالية؟ كم عدد خريجي الشعب التقنية الذين وقع إدماجهم في سوق الشغل فعليا؟ ما هي الحاجة إلى الدولة إذا ما تخلت عن التزاماتها الاجتماعية وتعاملت مع الإنفاق على التعليم كنشاط تكميلي؟ ما هو حجم التشغيل الذي وفره الاستثمار الأجنبي بالفعل؟ وأخيرا ما مدى قدرة القطاع الخاص على استيعاب الخريجين، حتى من الشعب التقنية؟

3 - يرى البعض أن دراسة اختصاص التاريخ بما هو إلمام بتطور الأشياء في الماضي من قِبَل كل المتعلمين شرط ضروري للتمكن من السيطرة على الحاضر، ليس لدارسي الآداب فقط بل لكافة الاختصاصات بما فيها الطب والهندسة ،هل تشاطرون هذا الرأي ؟ إن كان نعم، فكيف ذلك؟
الأمر لا يتعلق بالتاريخ فقط بل بالإنسانيات ككل. هناك أشياء عميقة ترسخها الإنسانيات في الضمير والفكر، وهي أشياء عادة ما تحكم التطورات العميقة في المجتمع لأنها تمكّن من فهمها. وأول هذه الأشياء تقديم منهج عقلاني ومتفتح وحداثي للتعامل مع المشكلات التي يطرحها التطور الاجتماعي. لذلك أنشأت الإنسانيات في الجامعة التونسية أصلا، ذلك أن الهدف كان معاضدة مجهود الدولة في التحديث وتطوير العقليات. كل ذلك مهدد اليوم بتراجع جديد، كل ذلك النمط الثقافي الذي ميز التونسيين وقدم نموذجا رائعا بالنسبة لكثير من بلدان العالم النامية مهدد بأن يُفّرط فيه. ومما يزيد الأمر خطورة هو أن ذلك يتم في إطار مزدوج يشكّل تحدي العولمة الجارفة وانتشار الفكر الوهابي المتطرّف سمتيه الرئيسيتان. نحن نحتاج الإنسانيات اليوم ومنهجها النقدي والعقلاني لتنشئة أجيال قادرة على الصمود والبقاء والحفاظ على نسق التطور الفكري، ونحتاج ذلك اليوم أكثر من أي وقت مضى.

4-بما أن الحملة على تدريس التاريخ تأتي في إطار حملة على العلوم الإنسانية هل يمكن أن نفسر ذلك - إذا ما تجاوزنا الأسباب الداخلية الخاصة بنا في تونس – برغبة الجهات التي تقف وراء هذه المشاريع الكبرى في العالم من قَبِيل مشروع "إمد" في نحت مشروع إنسان لا يفكر بل يعرف كيف يسيّر آلة فقط لان من يفكر هو الذي يحدد مسارات العالم وبالطبع هو ليس من الدول التي تسمى بالدول السائرة في طريق النمو؟
نعم. وهنا يكمن الرابط بين الأهداف الكبرى من هذه الإصلاحات، وهي أهداف تحددها الأطراف الممولة الأجنبية، وبين ما يجري من إصلاحات على التعليم الجامعي. هل أصبحت وظيفة الجامعة تقتصر على مد المستثمرين الأجانب بتقنيين يشغلون آلاتهم؟ هل أصبح عدم التفكير والتخلي عن المنهج النقدي والمضمون العقلاني شرطا لجلب الاستثمار؟ هل أصبح بقاء الجسد رهنا بموت الفكر؟ تلك هي المعادلة التي أصبحنا نخشى الوقوع فيها لأن انعكاساتها وخيمة جدا على المستويين المتوسط والبعيد ومدمرة لنموذجنا الاجتماعي الذي بذلت من أجل ترسيخه تضحيات مؤلمة على مدى عقود من الزمن.
5-كيف تتصورون التعامل مع مثل هذه المشاريع ؟
ينبغي أولا أن تقتنع سلطة الإشراف بأننا إيجابيون، وبأن حرصها على مصلحة الجامعة واندماجها في محيطها الاقتصادي والاجتماعي لا يقل عن حرص الجامعيين، وأنها من أجل ذلك يجب أن تشاورهم في الأمر وتأخذ بقراءتهم للأشياء في إطار مسار واضح وشفاف وبالتخلي عن كل السلوك الاستشاري الشكلي. هناك حاجة أكيدة لجعل هذه المسألة تتجاوز منطق التجاذب السلبي لتصبح ترسيخا لمبدأ التشاور الإيجابي. الجامعيون يحذرون من مساوئ هذا المسار، وربما قاموا بذلك بصوت مرتفع لأن الأمر جلل، ولأنهم بحكم تكوينهم النظري يرون نتائجه الخطيرة على المستوى البعيد. غير أن هذه المسألة لا تهمّهم وحدهم، هي مسألة تتجاوزهم إلى كل الأطراف الحريصة على الحفاظ على النمط الثقافي العصري وعلى المنطق العقلاني، وهذا أمر لا يجب أن يقاس فقط بعدد من يقع إدماجهم في سوق الشغل أو بالمبالغ التي تنفق على التعليم الجامعي. يجب نشر الوعي بخطورة المعادلة الجديدة داخل كل الفئات المهتمة والمعنية بالأمر لأنّ المسألة ليست مجرد إجراء تقني أو قرار إداري محدود النتائج.
مواطنون، العدد 114 الصادر بتاريخ 15 جويلية 2009
حاوره عادل الثابتي

علما وأنّ "السياسية" تنوّه بما أشارت إليه سابقا في سياق متابعتها لهذا الجدل أنّ باب إبداء الرأي يبقى دوما مفتوحا للراغبين في ذلك من منطلق تقديم الإضافة وإفادة المسارات التعليميّة والتدريسيّة بالجامعة التونسيّة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.