التونسية (تونس) تخرج أنيس بن جبرة من كلية الآداب بسوسة سنة 1996 أستاذا في الجغرافيا، ولأنه في تلك الأيام لم يكن هناك لا «كاباس» ولا كوابيس الانتظار الطويل لحاملي الشهائد العليا، فقد باشر عمله يوم 18 سبتمبر 1996 في معهد الفحص من ولاية زغوان طيلة خمس سنوات. كان أنيس يخطط للاقتراب من مسقط رأسه «الساحلين» ليكون بجانب أمه فهو الوحيد الذي ظل معها في بيت العائلة بعد زواج أشقائه الأكبر منه سنّا وانشغال كلّ بعالمه ولذلك لم يفوت فرصة الانضمام إلى سلك النظّار ليعيّن في سبتمبر 2001 ناظرا بالمعهد الثانوي بالوردانين الذي كان يحمل في تلك الأيام اسم «7 نوفمبر» كسائر المؤسسات التي شيّدت بعد ارتقاء بن علي إلى سدّة الحكم. ونظرا إلى دماثة أخلاقه وحسن سيرته والتزامه في أداء عمله بالقانون وما يحظى به من تقدير من طرف الأولياء فقد ترشح لخطة مدير وخضع لاختبار نفسي-تقني ليكلف بإدارة ذات المعهد في سبتمبر 2002. بعد سنتين من العمل وتحديدا يوم 18 سبتمبر 2004 تم تثبيته في خطة مدير بعد ما أبداه من جدية ونجاح في عمله رغم الظروف الصعبة التي كانت تحف به، ففي تلك الفترة عمد النظام إلى التشدد في ما يتعلق بمقاومة الزي الطائفي كما ينص عليه المنشور 108 والمقصود به ارتداء الحجاب أو الخمار بالعبارة الرائجة آنذاك. ولئن اكتفت مصالح وزارة التربية بتذكير سائر المديرين بالمنشور 108 فإن التعليمات كانت لا تتوقف ومن طرف أكثر من جهة لا صلة لها بالتربية ولا بالمعرفة. فهذا إقليم الحرس بالمنستير وهذه فرقة الإرشاد تطلب بعض البيانات مقابل مساعدة قد يحتاجها أنيس في المستقبل «كي تخدمنا توة ، وقت تحتاجنا تلقانا» ولكن المدير الشاب لم يفهم –أو لم يشأ أن يفهم- المطلوب على وجه التحديد وكان يرفض أن يمدّ اي جهة بقائمات المحجبات في المعهد الذي يديره. كان أنيس يحاول إقناع التلميذات المحجبات بأن يتحايلن بإرتداء قبعات أو تجنب وضع غطاء الرأس بشكل لافت للانتباه ، وذات صباح فاجأه المدير الجهوي للتعليم الذي زار أحد الأقسام فوجد تلميذتين محجبتين فقال لهما الله يهديكم. حين إنفرد أنيس بن جبرة برئيسه في العمل أخبره بأنه لم يستلطف تعليقه على التلميذتين المحجبتين لأن «ربي هاديهم فعلا». غادر المدير الجهوي المعهد ليأتي بعد أيام قليلة متفقد إداري ومالي من الوزارة رأسا، كان ذلك في شهر ديسمبر 2004 ومن سوء حظ المدير انه لم يكن في المكتب بسبب تنقله إلى المنستير لتسوية شؤون تتعلق بالمعهد.
من الغد عاد المتفقد ليقضي اليوم كله في المعهد مبديا ملاحظات عن جداول العملة وجداول الأساتذة والقيمين ثم ختم ملاحظاته بأن لام على المدير تقاعسه في تطبيق المنشور 108 فردّ عليه المدير بكل أدب وبثقة زائدة عن اللزوم بأنه لا يوجد قانون يمنع ارتداء الحجاب وانه لا يسعه ان يمنع تلميذة أو أستاذة من ممارسة حقها في إرتداء ما تريد ما لم يكن في لباسها ما يسيء للعملية التربوية خاصة أن المعهد يوجد في مدينة محافظة لا يقبل فيها ان يتدخل غريب مهما كان في شؤون بناتهم ونسائهم. كان المدير غافلا في تلك الأيام عن السعي الحثيث لبعض العاملين معه لافتكاك المنصب منه مهما كانت الوسائل، ولكنه إنتبه لاحقا إلى أن خليفته لم يكن سوى ناظر المعهد الذي إرتقى بعد ذلك من خطة مدير إلى خطة كاتب عام مساعد للجنة تنسيق «التجمع» غير أن 14 جانفي 2011 أفسد على صاحبنا سعيه لمزيد الترقي ...
في شهر فيفري 2005 تم إعلام السيد أنيس بن جبرة بقرار إعفائه من خطة مدير تلاه في شهر مارس إنذار بسبب عدم التواجد بالمؤسسة(؟) وعدم توفر جداول القيمين والعملة(؟) وبسبب عدم العمل على الحد من الزي الطائفي في المعهد... لم يكن امام انيس حلول كثيرة، كان عليه ان يجمع أدباشه سريعا ويغادر المعهد ليباشر عمله استاذا بالمدرسة الإعدادية بزاوية قنطش بمعتمدية جمّال . كان عليه أن يتجاهل اسئلة الزملاء وأحاديث الشامتين «زعمة علاش تنحى؟» ولأن كثيرا منّا يذوبون في حكايات الآخرين فقد رويت أقاصيص حول سبب إعفاء أنيس بن جبرة من إدارة المعهد الثانوي بالوردانين بين أسباب أخلاقية أو مالية أو بتهمة أنه «خوانجي» مندسّ صلب الإدارة النقية. لم يقو المربي على تحمل المحنة التي خرج منها في النهاية سليما معافى إلا من مرض يلازم صاحبه هو السكري... انتظر انيس بن جبرة طويلا والغصّة في قلبه حتى سقط النظام فبادر بمراسلة وزارة التربية زمن الطيب البكوش طالبا رفع المظلمة المسلطة عليه ولكن سي الطيب لم يردّ على شكوى أنيس بن جبرة ، فكتب إليه ثانية دون ردّ ، فكاتب رئيس الحكومة آنذاك الباجي قائد السبسي دون أي صدى فإتجه إلى قصر قرطاج بشكواه مرتين ولكن السيد الرئيس لم يردّ، فراسل وزارة حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية فلم يرد منها إلا إبلاغ الاستلام... سألت أنيس، ماذا تريد؟ أجاب بلا تردد «ببساطة لا اطلب سوى رفع المظلمة ورد الإعتبار، أنا ظلمت وصبرت على الظلم ولكني أريد أن أزيل أيّة بقعة سوداء في حياتي المهنية، أريد لابنتي «ملكة» أن تعرف بوضوح أن أباها كان دائما إنسانا ملتزما بالقانون مهما كانت الضغوطات». سألته:لماذا لم تراسل الوزير سالم الأبيض أو رئيس الحكومة علي العريض؟ إبتسم وردّ: اخترت ألاّ أزعجهما بفتح الرسالة وتخصيص وقت لقراءتها ... طريقكم أيسر لأنكم ستبلغون صوتي دون أن أتسبب في أي إرهاق لمسؤولينا...