مندوب روسيا لدى الامم المتحدة يدعو إلى التحقيق في مسألة المقابر الجماعية بغزة    طيران الكيان الصهيوني يشن غارات على جنوب لبنان    بعد اتفاق اتحاد جدة مع ريال مدريد.. بنزيما يسافر إلى إسبانيا    المرسى.. الاطاحة بمنحرفين يروّجان الأقراص المخدّرة    حالة الطقس يوم الخميس 2 ماي 2024    مدرب بيارن : أهدرنا الفوز والريال «عَاقبنا»    أخبار الاتحاد المنستيري...رهان على «الدربي» وفريق كرة السلة يرفع التحدي    صفاقس...حالة استنفار بسبب سقوط جزء من عمارة بقلب المدينة ... غلق الشارع الرئيسي... وإخلاء «أكشاك» في انتظار التعويضات!    في خطإ على الوطنية الأولى: دكتور وكاتب يتحول إلى خبير اقتصادي    في أقل من أسبوع.. أعاصير مدمرة وفيضانات اجتاحت هذه الدول    وفاة الفنانة الجزائرية حسنة البشارية    بنزرت ..أسفر عن وفاة امرأة ... حادث اصطدام بين 3سيارات بالطريق السيارة    سعيد يعود احد مصابي وعائلة احد ضحايا حادثة انفجار ميناء رادس ويسند لهما الصنف الأول من وسام الشغل    وزارة الشباب والرياضة تصدر بلاغ هام..    اتفاقية تمويل    غدا الخميس: وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الأساسي يوقعان اتفاقا ينهي توتر العلاقة بينهما..    وزارة السياحة تقرّر احداث فريق عمل مشترك لمعاينة اسطول النقل السياحي    المؤتمر الإفريقي الأول حول "آفاق تنمية الدواجن بإفريقيا" على هامش الدورة 20 للصالون المتوسطي للتغذية الحيوانية وتربية الماشية    المجلس الوطني للجهات والاقاليم ...لجنة صياغة النظام الداخلي تنطلق الخميس في النظر في الاحكام العامة والعضوية والحصانة (الناطق باسم اللجنة)    عقوبات مكتب الرابطة - ايقاف سيف غزال بمقابلتين وخطايا مالية ضد النجم الساحلي والملعب التونسي ونجم المتلوي    النادي الافريقي- جلسة عامة عادية واخرى انتخابية يوم 7 جوان القادم    روبليف يقصي ألكاراز ويتقدم لقبل نهائي بطولة مدريد المفتوحة للتنس    عيد العمال العالمي: تجمع نقابي لاتحاد عمال تونس وسط استمرار احتجاج الباعة المتجولين    عيد العمال العالمي: تدشين المقر التاريخي للمنظمة الشغيلة بعد أشغال ترميم دامت ثلاث سنوات    الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه من اجل الانتماء الى تنظيم ارهابي    تونس تعرب عن أسفها العميق لعدم قبول عضوية فلسطين في المنظمة الأممية    الاحتفاظ بتلميذ تهجم على استاذته بكرسي في احد معاهد جبل جلود    القصرين: وفاة معتمد القصرين الشمالية عصام خذر متأثرا بإصاباته البليغة على اثر تعرضه لحادث مرور الشهر الفارط    جندوبة: فلاحون يعتبرون أن مديونية مياه الري لا تتناسب مع حجم استهلاكهم ويطالبون بالتدقيق فيها    الكاف: اليوم انطلاق فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان سيكا جاز    ندوات ومعارض وبرامج تنشيطية حول الموروث التراثي الغزير بولاية بنزرت    بعد تتويجه بعديد الجوائز العالمية : الفيلم السوداني "وداعا جوليا " في القاعات التونسية    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    القيروان: إطلاق مشروع "رايت آب" لرفع الوعي لدى الشباب بشأن صحتهم الجنسية والانجابية    اعتراف "أسترازينيكا" بأن لقاحها المضاد لفيروس كورونا قد يسبب آثارا جانبية خطيرة.. ما القصة؟    الفنانة درصاف الحمداني تطلق أغنيتها الجديدة "طمني عليك"    تفاصيل الاطاحة بمروجي مخدرات..    هام/ إصدار 42 ملحقا تعديليا من جملة 54 ملحقا لاتفاقيات مشتركة قطاعية للزيادة في أجور العاملين في القطاع الخاص    التشكيلة الاساسية للنادي الصفاقسي والترجي التونسي    تحذير من برمجية ''خبيثة'' تستهدف الحسابات المصرفية لمستخدمي هواتف ''أندرويد''..#خبر_عاجل    هام/ وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية دعما لتلاميذ البكالوريا..    وزارة التجارة: لن نُورّد أضاحي العيد هذه السنة    غرفة القصابين: معدّل علّوش العيد مليون ونص    تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    الطبوبي في غرة ماي 2024 : عيد العمّال هذه السنة جاء مضرّجا بدماء آلاف الفلسطينين    سامي الطاهري يُجدد المطالبة بضرورة تجريم التطبيع    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    اليوم.. تونس تحتفل بعيد الشغل    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    غدا.. الدخول مجاني الى المتاحف والمواقع الاثرية    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"قيس سعيد" في حوار شامل ل «التونسية»:الحوار الوطني هدنة والعودة الى المربّع الأول واردة
نشر في التونسية يوم 10 - 10 - 2013

إذا ابتليت بمنصب رئاسة الحكومة فلن أنحاز الاّ لإرادة الشعب
تشكيل حكومة موازية يعني انقسام البلاد
لو كلّفت بكتابة الدستور لأعددته في أسبوع
حاورته: سنيا البرينصي
«الصراع السياسي الدائر بالبلاد هو صراع وجود واقتسام لغنائم وكعكة السلطة.. التعيينات الحزبية الموالية بمفاصل الدولة موجودة بالفعل.. عرض علي منصب رئاسة الحكومة وهو ابتلاء قد أقبل به.. ولن أدخل في أية تحالفات او اجندات سياسية لخدمة اي طرف .. لو سلمت لي مهمة كتابة الدستور لأنهيت كتابته في اسبوع ومعضلة الدستور الجديد هي عدم توفر فكر دستوري يقطع مع المنظومة السابقة... الحوار الوطني مجرد هدنة وتهدئة و قد يعود بالبلاد الى المربع الأول والصراع قد يتأجج مجددا بين «النهضة» والمعارضة.. الدولة التونسية لن تتفكك لأنها صلبة وقوية وضاربة في عمق التاريخ والبلاد لن تفلس مهما نهبها اصحاب الثروات الكبرى..». هذا بعض مما قاله استاذ القانون الدستوري قيس سعيد في حوار مطول مع «التونسية» تطرق فيه الى تجليات المشهد السياسي العام وعديد القضايا الحارقة والمصيرية التي تتعلق بحاضر ومستقبل البلاد.
أخيرا انطلق الحوار الوطني بعد مسار تعثرات بالجملة بين «الترويكا» بزعامة «النهضة» والرباعي فكيف تقيمون حدث الأسبوع أي امضاء «النهضة» على خارطة الطريق؟
الإشكال الأساسي منذ البداية هو ان المشاورات التي انطلقت منذ أكثر من شهرين تعثرت في اكثر من مناسبة لا نتيجة للمواقف المتباعدة بين الأحزاب والقوى السياسية فقط بل بالأساس نتيجة للصراع بين هذه القوى الذي تحول الى صراع وجود. ويكفي في هذا الإطار الانتباه جيدا الى الشعارات المرفوعة واللافتات المكتوبة لنتبيّن ان القضية تنحصر بين طرفين هما الطرف الأغلبي أو جزء منه على الأقل من جهة والمعارضة من جهة أخرى ولنتبين ايضا ان الصراع الدائر بين الطرفين لا يتصل بالمواعيد القادمة ولكن يتصل بتشبث كل طرف ببقائه في السلطة أو حلمه بالوصول اليها. ولا يمكن على الإطلاق بأية حال من الأحوال بناء نظام ديمقراطي حقيقي يقوم على التنافس وعلى التداول السلمي على السلطة عندما لا يقبل كل طرف بوجود الطرف الآخر. وللأسف كل الاطراف السياسية تحافظ على نفس مواقفها وخطاباتها التي تعود الى أكثر من أربعين سنة عندما كانت تتم داخل المؤسسات الجامعية كالمركب الجامعي وللأسف أيضا أن الشعب التونسي يتطلع الى المستقبل ولكن هم عندما اقترحوا قضاياه على هذا النحو عادوا بهذا الشعب الى الوراء.
ولكن «النهضة» والمعارضة اتفقتا أخيرا وتم التوقيع على خارطة الطريق فهل ترون ان الاتفاق الحاصل ليس سوى نوع من التهدئة أو الهدنة و لن ينهي الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد؟
قد تتفق جميع الأطراف كما حصل يوم السبت المنقضي ولكن الاتفاقات التي تعقد بينها لا يمكنها حلحلة الصراع بصفة نهائية. قد يكون الاتفاق الحاصل هو مجرد تهدئة فقط لأن الصراع سيتأجج مرة أخرى بالتأكيد ودليل ذلك المواقف والتصريحات المتضاربة والتأويلات المختلفة بعد حفل التوقيع. فكل هذا يدل على أن هذا الاتفاق لا يعدو أن يكون سوى مجرد هدنة أو شكل من أشكال التهدئة المؤقتة بين «الترويكا» او «النهضة» من جهة وبين المعارضة من جهة اخرى..
وفي الحقيقة نتحدث دائما عن خرائط متعددة وطرق كثيرة في حين أن الخريطة الحقيقية هي التي وضعها الشعب خلال حراكه والحقيقة ان الطريق الآمنة الوحيدة هي التي فتحها وعبّدها الشعب ولكن للأسف رجال السياسة وعلى اختلاف انتماءاتهم فتحوا طريقا أخرى مغايرة وانحرفوا بالمسار الثوري وبعد ذلك اصبحوا يبحثون عن خرائط لهذه الطرق.
تقصدون ان كل الساسة من سلطة ومعارضة انحرفوا عن المسار الثوري وخذلوا المطالب المرفوعة من قبل الشعب الذي قام بالحراك؟
التونسي حدد شعاراته ومطالبه عندما قام بحراكه وهي مطالب واضحة تتمثل في الحرية والكرامة الوطنية والتشغيل لكن السياسيين تركوا هذه المطالب ورفعوا شعاراتهم ومطالبهم وكل طرف منهم يضع مطالبه وشعاراته لمواجهة الطرف الآخر فكيف اذن يمكن التوصل الى اتفاقات؟ وهل ستستجيب هذه الإتفاقات للمطالب الحقيقية وهي اقتصادية واجتماعية بالخصوص أم أنها ستنحرف بها الى مطالب أخرى؟
من وجهة نظر قانونية هل يمكن القول إن «النهضة» أمضت على استقالة الحكومة؟ بمعنى هل الحكومة ملزمة بالاستقالة خلال المدة المحددة لها وفق خارطة الطريق؟
رئيس حركة «النهضة» قال «أقبل بالخارطة على قاعدتها» وهذا القول يدل على عدم الوضوح والتحفظ و ماذا تعني كلمة قاعدة؟ ثم في ما سيبحثون إثر التوقيع خاصة ان الوثيقة التي تم توقيعها تتعرض الى المواعيد القادمة بكل دقة وتفصيل.. هم وقعوا ويتحاورون؟ فيم سيتحاورون؟ كان من المفروض أن يبدأ الحوار بعد الإعداد الجيد له ليأتي التوقيع تتويجا وتجسيدا لما تم الإتفاق عليه.
هل حفل التوقيع إذا لا يعدو أن يكون الاّ مناورة من مناورات الحزب الحاكم خصوصا أن «كلمة وجوبا» تم حذفها؟
العد التنازلي لاستقالة الحكومة يبدأ منذ التوقيع ولكن الملاحظ ان جلسة يوم الاثنين الفارط لا تعتبر جلسة بداية الحوار بعد ان وقع اعلانها كجلسة تمهيدية لتحديد الإجراءات التي سيقع اتباعها ولكن يبدو أن المسائل الإجرائية لم تكن المحور للقضايا الجوهرية التي مازال الخلاف بشأنها قائما وخاصة مسألة استقالة الحكومة. ففي حين تصرّ عديد الأطراف على ضرورة استقالة الحكومة بعد ثلاثة أسابيع من بداية الحوار تعتبر حركة «النهضة» أن الاستقالة لن تقدم الا بعد الانتهاء من الدستور فكأن الاتفاق الذي تم الاعلان عنه لم يغير من المواقف شيئا وذلك لان القضية في الحقيقة ليست قضية مواعيد ولكن قضية سلطة وقضية وجود وكذلك ما يقال ويصرح به أقل بكثير مما لا يقال ولا يقع الاعلان عنه.
وهل هذا الأمر برأيكم هو مرد تضارب المواقف والتصريحات من طرف قيادات «النهضة» وكذلك حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»؟
كلهم يناورون لأن الصراع حول السلطة.
هل تقصدون اقتسام الكعكة والغنائم لا أكثر ولا أقل؟
منذ 15 جانفي 2011 قلت ذلك وقلت إن البلاد فريسة وإن الأحزاب اعتبرت الوصول الى الحكم فرصة تاريخية لا يجب ان تهدر وهذا الأمر ينسحب على الجميع في حين أن الحراك الذي حصل آنذاك لم يكن تحت عباءة أي حزب أو أي تنظيم فالشعب وحده هو من قام بهذا الحراك.
ولكن المعارضة لم تطلب الحكم بل طالبت بتشكيل حكومة انقاذ وطني مستقلة تماما عن كل انتماءات سياسية؟
هي مسائل تقنية بالأساس ومن القضايا التي ستطرح بالتأكيد هي ضرورة تنقيح النظام الداخلي للمجلس والتنظيم المؤقت للسلط العمومية والسؤال المطروح: هل ستقبل الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس التأسيسي بإدخال تنقيحات على هذين النصين حتى يصيرا متناغمين مع الاتفاق الحاصل في الحوار الوطني؟ لا سيما أن من بين التنقيحات التي يجب أن تدخل على التنظيم المؤقت للسلط هي لائحة اللوم التي يمكن أن توجه للحكومة والتي يجب أن تكون بطلب من الأغلبية المطلقة ولا يجب ان تتم المصادقة عليها الا بأغلبية الثلثين ثم انه في كل الأحوال ستبقى الحكومة تحت رقابة التأسيسي وستؤثر فيها بالتأكيد التوزانات الموجودة وهنا هل ستكون هذه الحكومة بالفعل مستقلة؟ فأية حكومة في حاجة الى تشريعات لتنفيذ برامجها. وبناء على ذلك هل ستحصل هذه الحكومة على القوانين التي ترغب هي فيها؟ يعني أن كل الأمر يقتضي مراجعة قانون التنظيم المؤقت للسلط العمومية حتى يمكن تطبيق الاتفاق الحاصل بين «الترويكا» والمعارضة.
ألهذه الأسباب تمسك الحزب الحاكم ببقاء التأسيسي واعتبره خطا أحمر؟
في كل الحالات الحكومة الجديدة يجب أن تحظى بثقة المجلس التأسيسي لأن التأسيسي سيبقى يحكم في كل هذه التوازنات والحكومة الجديدة حتى وإن كانت مستقلة لن تستطيع العمل إلا إذا فعّلها المجلس ومارس الرقابة عليها وأنا سبق أن قدمت مقترحا يتمثل في ضرورة الدخول في مرحلة انتقالية ثالثة نظرا لفشل المرحلة الانتقالية الثانية التي هي بدورها نتيجة لفشل المرحلة الانتقالية الأولى لان أسباب وجذور الفشل المباشرة اليوم هي نتيجة للاختيارات السياسية والقانونية التي وقعت سنة 2011.
لذلك فان الوقت حان اليوم بالفعل للمرور الى مرحلة انتقالية ثالثة وعلى «التأسيسي» طبعا ان توفرت الإرادة الصادقة أن يضع تنظيما مؤقتا للسلط وان يستكمل تشكيل هيئة الانتخابات ثم يضع حدا لوجوده القانوني اي يحل نفسه بنفسه وبذلك يتم تسيير الدولة وفق هذا التنظيم الجديد لغاية الاعداد لانتخابات جديدة مختلفة عن نظيرتها الفارطة بانتخاب مجالس محلية عن كل معتمدية عن طريق الاقتراع على الأفراد في دورتين وعن هذه المجالس المحلية تنبثق مجالس جهوية في كل ولاية لتشكيل مجلس وطني يتكون من 264 عضوا بحساب نائب عن كل معتمدية بقطع النظر عن الكثافة السكانية الى جانب نواب ممثلين عن التونسيين بالخارج ويختار هذا المجلس من بين اعضائه لجنة تتولى وضع مشروع دستور في أجل لا يتجاوز 60 يوما يعرض اثر ذلك على الجلسة العامة للمجلس الوطني المذكور للمصادقة عليه ثم يتم انتخاب رئيس الجمهورية.
وهل يمكن تجسيد هذا المقترح على الواقع خصوصا في ظل الظروف التي تمر بها البلاد؟
لا يمكن تجسيد ذلك لان مستقبل الديمقراطية في العالم كله هي الديمقراطية المحلية ولأن الحراك الذي حصل بتونس لم يأت من المركز بل من الأطراف كما ان من يريد أن ينظر في الأسباب الحقيقية التي أدت الى هذا الوضع الذي شهدته البلاد على مدى نصف قرن سيجد ان السبب الرئيسي هو ان المسؤول في تونس سواء كان منتخبا أو غير منتخب لا يشعر انه مسؤول امام المواطنين بل مسؤول امام الجهة التي رشحته أو عينته ولو تمت الانتخابات القادمة على مستوى محلي او على مستوى الأفراد كما قلت لك لشعر النائب المنتخب بمسؤوليته امام ناخبيه وهؤلاء يمكنهم سحب الثقة منه ان فشل في تحقيق المطلوب منه اثناء مدته النيابية.
وكأنكم تقرّون بفشل حتمي للحوار الوطني والعودة الى المربع الأول وبالتالي تواصل الأزمة السياسية ان لم نقل استفحالها؟
رغم التوقيع ورغم المشاورات مازلنا نسمع تصريحات متضاربة كما ذكرت لك وهذا يدل على انهم مازالوا في المربع الأول.
إذا هو الهدوء الذي يسبق «العاصفة»؟
أرجو ألّا يكون كذلك لكن قد يكون هدوء لفترة معينة وقد يتأجج الصراع بعد ذلك بين «الترويكا» والمعارضة .. أكثر ما يهدد الدول في وجودها هو انفجارها من الداخل أرجو أن يفرق الجميع بين النظام السياسي من جهة وبين الدولة من جهة أخرى لأن الدولة التونسية يجب أن تستمر وأن تتواصل.
وهل كيان الدولة مهدّد؟
يجب أن تستمر الدولة... الدولة ثابتة والأحزاب تتغير... الدولة ليست لعبة في يد أي طرف ولا يجب أن يفكر اي كان حتى مجرد التفكير في الإطاحة بالدولة او في كل ما يساهم بالإطاحة بها.. ايضا الدولة التونسية صلبة وقوية وليس من السهولة الإطاحة بها.
قلتم ذات مرة أن «الدستور أكله الحمار» فأين هو الدستور الموعود؟ ولماذا لم يحضر بعد؟
لا يمكن أبدا وضع دستور جديد بنفس الفكر السياسي الذي كان قائما قبله فالقضية لا تتمثل فقط في بعض الاختيارات أو الأحكام بل هي أعمق من ذلك بكثير من حيث تصور الدستور الجديد ومن حيث تصور فكرة الدستور ذاتها فإن كان الدستور مرة أخرى هو اداة لإضفاء مشروعية على الحاكم فهو لن يكون سوى اداة من ادوات الحكم واعطيك مثلا: لو طبق دستور 59 بكل التعديلات التي ادخلت عليه بفرنسا أو ببلجيكا على سبيل المثال لما كان أدى الى الوضع الذي عرفته تونس ولو طبق الدستور الفرنسي او السويدي في تونس في ظل الأوضاع التي كانت قائمة أو في ظل الوضع الحالي فهل سيؤدي الى نفس الديمقراطية الموجودة بهذه الدول؟
لذلك فالقضية أعمق بكثير من الأحكام فنحن اكيد بحاجة الى أحكام دقيقة ولكن قبل ذلك نحن في حاجة الى فكر دستوري جديد، القضية ليست في النص بل في الفكر.
وكيف تقيمون أحكام وبنود الدستور الجديد من وجهة نظر حقوقية وقانونية؟
لا يوجد في العالم نص خال من النقائص ولكن ما يثير الانتباه بصفة خاصة في الدستور الجديد هو باب الحريات والحقوق وباب تنظيم السلطة التنفيذية على وجه الخصوص من ناحية توزيع الاختصاصات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. فمرة أخرى توضع النصوص الدستورية في تونس على المقاس كما ان الاختلاف بين الأغلبية والمعارضة حول هذه المسألة لا يتعلق بقراءة مختلفة لمبدإ تفريق السلط ولا بمبادئ «مونتسكيو» ولكن كل طرف يسعى الى ان تكون له وبواسطة الدستور أفضل الأحكام التي يمكن ان تمكنه إما بالبقاء في السلطة أو الوصول إليها ومن يدعو الى النظام الرئاسي ليس حبا في هذا النظام بل لأنه يرى أن الانتخابات يمكن ان تحقق حلمه وكذلك من يدعو الى النظام البرلماني يرى ان الانتخابات التشريعية هي التي يمكن ان تمثل ضامنا كبيرا له للبقاء في السلطة وحين توضع النصوص الدستورية على المقاس فهذا دليل على أن الطرفين يحملان نفس الفكر السياسي للمؤسسين بالأمس .
لو كلّفوك بكتابة الدستور... كم من الوقت ستطلب؟
كان من الممكن الإنتهاء من الدستور خلال بضعة ايام لكن الدستور ليس عملية قانونية خالصة بل هو تعبير عن اختيارات سياسية ودور الخبير الدستوري يقتصر على تقديم الحلول وتقديم التجارب المقارنة ويبقى الاختيار من طرف الشعب عن طريق ممثليه.. دور الخبير يختلف عن دور رجل السياسة ولذلك فالمشهد السياسي الحالي هو نتيجة للاختيارات القانونية والسياسية التي تمت في 2011 ..فعوض الانتباه الى ان تونس دخلت مرحلة جديدة من التاريخ أراد من جاءت بهم الانتخابات الرجوع بها الى الوراء وطرحت قضايا جانبية كقضية الشريعة و اللائكية و الإرث و غيرها والشعب التونسي لا يتساءل عندما ينهض في الصباح عن هويته الاسلامية وهل هو مسلم ام لا عربي أم غير عربي هذه مسائل محسومة تاريخيا ودينيا ومحسومة باختيارات الشعب التونسي منذ قرون ولا جدال فيها كما نسأل من يجادل في قضية الارث: هل لدى الشعب المهمش الذي يتضور جوعا وأشعل ابناؤه النار في أجسادهم ما يرث أصلا؟ وانظري اننا سنحتفل بعيد الاضحى قريبا وليس لدينا أي نص قانوني حالي يتعلق بالدين بعد تعليق العمل بالدستور القديم وهذا دليل على ان قضية الهوية محسومة نهائيا...الغاية من كل ذلك هو تهميش القضايا والمطالب الحقيقية للشعب التي رفعت في الحراك وهي الحرية والكرامة والتشغيل ومقاومة الفقر.
نادت بعض الأطراف بضرورة إقالة الرئيس المؤقت باعتباره جزءا من الفشل فمن هي الجهة المخولة قانونيا بإقالة المرزوقي خصوصا بعد انتهاء المهام التأسيسية؟
المجلس التأسيسي هو من بيده اعفاء الرئيس المؤقت من مهامه و هذا الأخير بإمكانه تقديم استقالته ان أراد ذلك بالطبع ورغم دعوات بعض الأطراف السياسية بأن تكون الرئاسة مشمولة بخارطة الطريق فإن هذه الخارطة لا تنص على ضرورة استقالة الرئيس المؤقت.
في العلم السياسي الصهيوني تدل كلمة «خارطة طريق» على التفاوض البيزنطي أي التفاوض العقيم الذي لا يفضي الى نتائج ملموسة والدليل مفاوضات السلام الجارية منذ أمد بين الفلسطينيين ومحتليهم دون تحقيق هذا السلام، ما تعليقكم؟
في الدول العربية عموما نستورد المفاهيم القادمة الينا من وراء البحار دون أن نكلف أنفسنا عناء التفكير.. قال الأمريكيون خارطة طريق فقلنا ايضا لدينا طريق وسنضع لها خارطة وقال الرباعي لدينا خارطة طريق فقلنا أيضا لدينا رباعي لديه خارطة.. قالوا انتقالا ديمقراطيا فقلنا ما قالوا وقالوا عدالة انتقالية فرددنا ايضا ما قالوه.. لكن هل حققنا على الأقل البعض مما تحقق في هذه الدول أم أننا اكتفينا فقط باستيراد المفاهيم والمصطلحات كما نستورد العطور من باريس؟ وهل الانتقال الديمقراطي الذي نتحدث عنه يمكن ان يتحقق دون ان يكون لنا فكر ديمقراطي أم نحن بصدد إعادة إنتاج نفس المنظومة السابقة؟
هل ترجحون امكانية تشكيل حكومة موازية في صورة فشل الحوار الوطني وبقاء الحكومة الحالية في السلطة؟
تونس ليست لعبة وإعلان حكومة موازية سيؤدي الى تفكك وانقسام البلاد وتحلل الدولة فكيف ستسير المرافق العمومية في ظل وجود حكومتين؟ هذا الأمر خطير جدا وأستبعد حصوله.
أنتم مرشحون لتولي منصب رئاسة الحكومة القادمة؟ فبماذا تردون؟
أنا زاهد في المناصب ولا تعنيني الحقائب كما أني لا اريد ان اكون أداة لتحالفات بين الأحزاب وان ابتليت بمنصب من هذا القبيل فسأشعر أن هذا الأمر يتعلق بالبلاء العسير.
يعني قد تقبلون بالمنصب؟
لا يمكن أن أقبل في ظل التحالفات الحالية إلا لتحقيق إرادة شعبية لا إرادة حزبية.
وهل صحيح ان الصراع محتدم في الكواليس بهدف استمالتكم من قبل «النهضة» من جهة والمعارضة من جهة أخرى؟
وجد اسمي مع عدة أسماء أخرى لتولي منصب رئاسة الحكومة ولكن لم يقع اعلامي بشكل رسمي باستثناء محادثات تمت مع بعض الأطراف التي حاولت البحث عن حل للأزمة الراهنة ورأت فيّ جزءا من الحل وبالنسبة للصراع الدائر حولي بين «النهضة» واحزاب المعارضة أقول انني لن أكون في خدمة اي تحالف او اي طرف سياسي كان أو اية أجندات كانت أنا فقط في خدمة الشعب ورفع راية تونس فوق جميع الأحزاب.
ما تعليقكم عما تم كشفه حول تورط الحزب الحاكم والجماعة الليبية المقاتلة في اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد براهمي؟
كل الحقائق يجب أن تكشف للشعب بغض النظر عمن كشفها وبعيدا عن كل توظيف سياسي ومن حق الشعب ان يعرف الحقائق كلها.. والقضاء من شأنه اماطة اللثام عن خفايا هذه الملفات.
ولكن تؤكد عديد الأطراف أن القضاء التونسي ليس بمقدوره ذلك لأنه غير مستقل؟
الضمانة الوحيدة لتكريس حقوق الإنسان هو استقلال القضاء ومثل هذه القضايا ستبقى مغلقة وستبقى الأسئلة تدور حولها ولا يمكن ان تحل نهائيا الا بوجود قضاء مستقل.
وماذا عن إغراق مفاصل الدولة بالتعيينات الحزبية الموالية للحزب الحاكم؟
هناك تعيينات سياسية أكيد لا يمكن لأحد التشكيك فيها لكن لا بد من تحييد المرافق العمومية بصفة كاملة لأن الدولة التونسية هي دولة الجميع ويجب أن تسير وفق القانون وتكون أجهزتها في خدمة الشعب لا في خدمة الأحزاب والجهات السياسية.
هل هذه التعيينات تنضوي تحت مشروع الاعداد للانتخابات المقبلة؟
كل طرف يعدّ نفسه وعندما يكون التعيين في المرافق العمومية ومؤسسات الدولة خدمة لجهة معينة فإن هذا التعيين يصبح مشكوكا فيه وفي أسبابه كما أن الممارسة بينت ذلك.
وهل يمكن للعملية الانتخابية أن ترى النور فعلا في قادم الأيام؟
بالطبع سترى النور ولكن يجب ان تكون انتخابات ديمقراطية وتعبر عن الإرادة الشعبية والطريق الوحيدة التي تؤدي الى ذلك هي الانتخابات على المستوى المحلي كما أسلفت سابقا.
ما تعليقكم على الانباء المتعلقة بوجود مخطط للمدعو «ابو عياض» و«الجماعة المقاتلة بليبيا» لاجتياح الجنوب التونسي؟
الارهاب خطر قائم بتونس والمنطقة ككل ولذلك لا بد ان يتحمل الجميع مسؤولياتهم الوطنية للنأي بالبلاد عن هذه المخاطر.. وضع ليبيا الداخلي صعب وما يحدث هناك من غياب الدولة وانتشار السلاح خطر على ليبيا وعلى جيرانها لذلك لا بد ان تتحمل جميع الاطراف مسؤولياتها.
هل تونس والمنطقة ككل تعيش مرحلة جني الثمار المرة للفوضى الخلاقة التي تم تكريسها تحت مسمى «الربيع العربي»؟
هذا هو الخطر الذي يتهدد الدول في وجودها حتى تتحول المنطقة الى أماكن لا تسيطر فيها الحكومات الا على جزء قليل من اقاليمها يعني ان تبقى حكومات المنطقة حكومات بلا دول.
هل هذا يعني أننا وقعنا في الفخ و نجح مخطط الربيع العربي بإسم الثورات؟
وهل تنجح الأطراف الخارجية بمفردها ان لم تجد اطرافا داخلية تتعاون معها ولكن اقول ان الدولة التونسية ليست جديدة وهي ضاربة في عمق التاريخ لذلك ليس من السهل أبدا اسقاطها ومع ذلك لا يجب أبدا التهاون مع كل ما يتهدد وجودها.
تقييمكم لأداء المعارضة؟
في كثير من المناسبات لم تكن معارضة بناءة خصوصا حين كان النواب المنسحبون من المجلس يشاركون في أعماله كان عليهم ان يكونوا اكثر وضوح وقدرة على البناء وتقديم مشاريع وبرامج.
انضمام 100 شخصية سياسية الى «نداء تونس» مؤخرا هل هو اعادة انتاج لماكينة «التجمع» المحل الذي قد يقلب الموازين الانتخابية القادمة حسب ما تردده بعض الجهات؟
اجلّ النظام القديم يعود بقوة وسوف يستفيد من هذا الوضع ومن كان منتميا الى المنظومة السابقة بكل مكوناتها هو المستفيد في كلتا الحالتين.
عاد ملف فتح ارشيف البوليس السياسي والتعويضات ليطفو على السطح مجددا ... اية مقاييس عملية ممكنة بنظركم لحلحلة هذه الملفات نهائيا؟
الأمر يتعلق بتكريس عدالة انتقالية دون توظيف سياسي وهذا لا يكون الا وفق اطار قانوني واضح وعدالة انتقالية تونسية خالصة وكذلك الشأن بالنسبة للتعويضات.
نختم بالوضع الاقتصادي فهل صحيح ان تونس على حافة الإفلاس؟
تونس لم ولن تفلس ... قبل انتصاب الحماية (عام 1881) نهبوا الخزينة بالكامل ولكن الدولة لم تفلس.. الوضع صعب اكيد ويتعلق في جوهره بتكريس التوزيع العادل للثروة فهناك من يكدس الثروات اليوم ويقول ان الوضع كارثي؟ الوضع كارثي بالفعل ولكن بالنسبة للمواطن المحروم والمهمش اما بالنسبة لأصحاب الثروات الكبرى فالوضع ليس كذلك مثلما تصوره وسائل الاعلام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.