نظمت أمس «الجمعية التونسية للحوكمة» ندوة صحفية بالعاصمة قدمت فيها تقريرها السنوي تحت عنوان «الحوكمة العمومية في تونس: المبادئ, الوضع الحالي, الآفاق». وقد تضمن هذا التقرير محورين أولهما تناول بالدرس الحوكمة السياسية والثاني تناول الحوكمة الإقتصادية والمالية في تونس. وقد حضر هذه الندوة بالخصوص السادة معز الجودي رئيس الجمعية ومنى الدريدي كريم أستاذة قانون دستوري وستيف هنري المدير النتفيذي لمشروع الديمقراطية في الشرق الاوسط. وتولت منى الدريدي كريم تقديم المحور الأول من التقرير حيث بينت أن التقرير بحث في حقيقة وجود دولة القانون بعد 14 جانفي في تونس والتي من المفروض أن ترتكز على علوية القانون والمشاركة والشفافية.و بينت أستاذة القانون الدستوري ان البلاد لا تملك دستورا لكن لا يوجد فراغ قانوني باعتبار وجود التنظيم المؤقت للسلط .و أضافت السيدة منى الدريدي أنه بدراسة وتحليل فصول هذا القانون تبين انه يتميز بعدم التوازن بين السلط وقد تم من خلاله نقل صلاحيات رئيس الجمهورية في الدستور القديم الى رئيس الحكومة. وبينت أن هناك اختلالا كبيرا في التوازن بين السلط لا سيما بين السلطة التنفيذية وبقية السلط وفي السلطة التنفيذية ذاتها. وأكدت أن المجلس التأسيسي تحول إلى برلمان وتغول ولا يوجد من يحاسبه.وأكدت أن هذا الأمر لا يستجيب لمعايير الديمقراطية لأن كل سلطة لا بد لها أن تكون مقيدة بزمن وصلاحيات محددة. وحين تطرقت لمسالة كتابة الدستور أكدت أستاذة القانون الدستوري أن الشفافية غابت في مستوى نشاط اللجان التي لا يمكن مراقبتها واعتبرت هذا الأمر غير مقبول. وأضافت أن هناك جملة من النقائص سيما وأن معيار المشاركة غير متوفر دائما وحصلت قطيعة تامة بين السلطة التأسيسية والشعب مشيرة الى أن هذا الأمر واضح في نقاشات السلطة التأسيسية التي ابتعدت عن الأهداف التي قامت من أجلها الثورة على حدّ تعبيرها. وبينت أن كل ما يجري داخل المجلس التأسيسي غيب الخبراء الدستوريين وحتى الاستشارات التي تمت لم تأخذ بعين الإعتبار إلى جانب غياب تام للديمقراطية على مستوى التعيينات في النيابات الخصوصية والتسميات داخل الحكومة والإدارات والوظائف العليا.وأكدت السيدة منى الدريدي أن هذه التعيينات والتسميات تمت على أساس الإنتماءات الحزبية وليس الكفاءة واستدلت بما حصل في مسألة انتخاب أعضاء الهيئة العليا المستقلة للإنتخابات ونقض المحكمة الإدارية لقرار تكوينها مرتين. وانتهت أستاذة القانون إلى القول بأن الحوكمة الرشيدة غائبة بعد الثورة. «اقتصادنا لم يكن في حالة مزرية» بعد أن استغرب لجوء الساسة إلى ما وصفه ب«حكة من الأرشيف» لإنقاذ البلاد أكد معز الجودي رئيس الجمعية التونسية للحوكمة أن الأهداف الرئيسية للثورة كانت تحسين القدرة الشرائية للمواطن. وأكد الخبير الاقتصادي أن الاقتصاد التونسي لم يكن في حالة مزرية قبل سنة 2011 وانه سجل نموا في العهد السابق لكنه لم يكن بالكيفية المطلوبة ولم يتم استغلال الإمكانيات المتاحة بالشكل اللازم خاصة في العشر السنوات الأخيرة من عمر النظام السابق. وأضاف أن النمو الذي كان يحققه النظام السابق لم يكن يوزع بطريقة عادلة.لذلك عندما جاءت الثورة فرح الشعب على أساس أن البناء سيتم على مكتسبات الماضي مع إصلاح منظومة الحوكمة. لكن ما حدث كان عكس المأمول. وبينّ الجودي أن البلاد خسرت كل مكتسبات الماضي وأنه حدثت عملية تحطيم للاقتصاد قال انه يشك في أنها ممنهجة بما معناه وجود أطراف لديها رغبة في تحطيم الإقتصاد الوطني وإرساء إقتصاد مواز أو تحتي. وأكد الجودي أن تونس أصبحت مقسمة إلى مافيات تهريب للسلع الأمر الذي ينخر الإقتصاد المهيكل. وأضاف أن ما زاد الطين بلة تسليم مقاليد الإقتصاد إلى أناس لا خبرة لديهم. وأكد الجودي أن هناك نقصا في الرؤية الإقتصادية وعدم نجاعة وسياسة غير واضحة وسوء حوكمة أوصلت الإقتصاد إلى وضعية صعبة للغاية وأكد أن أسس الإقتصاد التونسي «تضربت» وبيّن أن الرقم الحقيقي للتضخم في تونس يتراوح بين 10 و12 بالمائة مشيرا الى أن نسبة التداين بلغت 48 بالمائة وجلها ذاهبة إلى النفقات والإستهلاك بالإضافة إلى انهيار الدينار التونسي أمام الأورو الذي من المتوقع أن تصل قيمته 2,3 يورو في ديسمبر. وبين الجودي أن الحكومة الحالية غير قادرة على بناء قانون مالية صحيح واعتبر قانون المالية لسنة 2014 مصيبة.و أكد أن الحكومة الحالية أفرغت الوزارات التقنية من خبرائها حتى أن خبراء البنك العالمي لم يجدوا مخاطبا كفءا يفسر لهم الوضعية ويتناقش معهم ملاحظا أن هذا الأمر يتدخل في تخفيض ترقيم تونس السيادي أكثر من مرة الى جانب غياب رقابة فعالة لا سيما من قبل البنك المركزي الذي انصرف إلى لعب دور سياسي. و تطرق الجودي في حديثه الى مسألة المؤسسات المصادرة وأكد أن هناك عمليات فساد كبرى تمت فيها من ذلك طريقة التعيينات ومسألة البيع والتفويت فيها . وقدم تقرير الجمعية العديد من الحلول للوضع الذي تعانيه البلاد منها إحداث مراصد جهوية للحوكمة تكون مهمتها مراقبة القرار العمومي على الصعيدين الجهوي والمحلي وإحداث لجنة أخلاقيات للتسمية في وظائف الإدارة العامة وتطوير صلاحيات الهيئات الإدارية المكلفة بالرقابة لجعلها أداة تقييم لأداء أصحاب القرار العمومي مع تمكينها من سلطة اقتراح قرارات العزل. وتعزيز آليات الرقابة الإقتصادية والمالية بتعديل الإطار القانوني الحالي واللجوء إلى كفاءات مستقلة. وإدخال تعديل على النظام الأساسي للبنك المركزي.