نشرت كلثوم كنو رئيسة جمعية القضاة التونسيين على صفحتها الفايسبوكية إصدارا بإمضاء القاضي جمال زمزمي جاء فيه : «هذه الكلمات لا يوجد وقت يمكن أن تقال فيه أفضل من هذا الوقت ..وهي لامرأة ضربت وما تزال تضرب المثل لجميع القضاة في الشجاعة وفي الصلابة وفي التمسك بالمبدأ والثبات عليه .. ستغادر السيدة كلثوم كنو المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين ..ومن باب الوفاء الإنساني والواجب الأخلاقي الذي يربط جميع القضاة منخرطي جمعية القضاة التونسيين برباط وثيق لا يجب أن ينحل أو ينقطع أن نقول لهذه السيدة أننا نشكرك من أعماق قلوبنا على كل قطرة عرق وعلى كل لحظة مرارة وعلى كل لحظة حزن وألم وعلى كل لحظة كفاح عشتها في سبيل تحرر السلطة القضائية وفي سبيل تحرر القضاة من براثن الخوف المغلف عادة -بتحفظ مزيف وكاذب لاعلاقة له بواجب التحفظ الحقيقي الذي يلزم القاضي وإنما هو وللأسف «واجب التبلد والجبن» - ولعل أغلب القضاة أو جلهم تكونت لهم هذه القناعة وأصبحوا يميزون جيدا بين أن تكون إنسانا ومواطنا ومسؤولا شجاعا وذا كلمة حرة لا تصدح بغير الحقيقة وتتشبث بها إلى آخر نفس ..وبين أن تكون قاضيا في مكتبك وفي محكمتك وأمام ملفاتك ملزما بواجب التعامل البارد والجامد مع الجميع بحياد كامل لا تنظر إلى شيء سوى إلى القانون ولا شيء غيره ..وأزعم أن السيدة كلثوم كنو كانت سباقة في كسر هذه القيود المخادعة وسباقة في إخراج القاضي من قوقعة الخوف والانكماش حول نفسه إلى عالم الحقيقة وعالم الكلمة الحرة التي تصدح ب «لا» كبيرة وقوية وهادرة ..لا للاستبداد ..لا لدولة البوليس ..لا لتغول السلطة التنفيذية ..لا للتدخل في أحكام القضاء من طرف المتنفذين ..لا للصمت على محاولات الاحتواء والاستيعاب والتخدير ..ولعله لهذا السبب وحده تحظى السيدة كلثوم «بشرف» عداوة جميع الأنظمة السياسية المتعاقبة ..فقد كانت تشكل كابوسا مزعجا لنظام الرئيس الأسبق بن علي إلى حد الملاصقة والملاحقة الأمنية الوقحة والمخجلة .. وكانت تحظى بمقت وتوجس رئيس الحكومة «الثورية» الباجي قائد السبسي ..والآن تحظى بعداء سافر ومعلن من حكومة «الترويكا» «الثورية جدا» رئاسة وحكومة «وأباء مؤسسين» - مجرد مقارنة هزلية بالآباء المؤسسين للدولة الأمريكية والدستور الأمريكي - ( ومن المفارقات المبكية المضحكة أن كلثوم عوقبت وشردت ولوحقت من النظام السابق بسبب تمسكها بحق من يتصدرون مشهد الحكم والسلطة اليوم في محاكمة عادلة ) وقد وصل هذا العداء لأول مرة في تاريخه إلى حد شن الحرب الشخصية المباشرة والسقوط في مستنقع الأساليب القذرة والتي بلغت أقصاها بالتهديد بالقتل و بالتصفية الجسدية من أطراف خارج الحكم ولكنها ترى أن بعض من يحكمون اليوم هم حلفاؤها بصورة أو بأخرى .. ومع ذلك حافظت السيدة على هدوئها المعروف وعلى ثبات مواقفها وعلى نبرة القوة والشدة والحزم في لهجتها ..ولم تساوم ولم تحاول مجرد محاولة أن تبدو في موقف يمكن أن يفهم منه الرغبة في المهادنة او المساومة ..ومن أبسط قواعد المنطق المنصفة أن نفهم أن السيدة تحمل همّ قضية غير قابلة للمساومة ..ولقد أدت أمانتها وقامت بأكثر مما هو مطلوب منها كقاض وكانسان وكرئيس لمكتب تنفيذي ونائب رئيس سابقا وعضو فيه قبل ذلك ..ولا اشك للحظة - وقد واكبت بعض ذلك عن كثب- إن الحمل كان أكثر من ثقيل وليس بإمكان أي كان أن يتحمل وطأته ..نقول لك سيدتي الفاضلة شكرا على كل شيء وإذا كان فعلا هناك شخص يستحق أن يكون رئيسا فخريا لجمعية القضاة التونسيين فهو أنت ..».