شاركت كوثر بن هنيّة في مهرجان دبي سنة 2010 بفيلم " الأئمة يذهبون إلى المدرسة"، وهاهي ثانية في "بيت السينما العربية" في عيده العاشر، عادت كوثر أكثر عنادا وجرأة مما كانت عليه قبل ثلاث سنوات، وربما يكون سقوط الديكتاتور في بلدها تونس هو الذي جعل امامها الطريق سالكة في فترة من أصعب الفترات التي تمر بها السينما التونسية في غياب التمويل عدا منحة وزارة الثقافة الضئيلة، ولكن كوثر ابنة سيدي بوزيد مهد الانتفاضة الشعبية التي اطاحت بالنظام السابق تخفي وراء ذلك الهدوء الظاهر حروبا مفتوحة في كل الاتجاهات، فقبل اشهر قدمت فيلما روائيا قصيرا بعنوان"يد اللوح" عرض في المهرجان المتوسطي للفيلم القصير بطنجة(المغرب) وأثار جدلا واسعا... ولا أظن أن الأمر سيختلف هنا في دبي، وأتطوع لتحذيركم ولو بشكل متأخر، إنتبهوا جيدا فقد تكون كوثر بن هنية خدعت مبرمجي المهرجان، وأدعوكم لتفحصوا " شلاط تونس" لتتبينوا الحقيقة... زعمت كوثر المولودة في اوت 1977 لأب من كتّاب القصة في تونس أن "شلاّط تونس" فيلم روائي، مستوحى من واقعة شهدتها العاصمة التونسية سنة 2003 تتمثل في اعتداء شاب - أو اكثر- مجهول الهوية على نساء أثناء مرورهن في الطريق العام، في تلك الأيام بالكاد سمعنا ان الضحايا إحدى عشر ، غير ذلك ثمنت وسائل الإعلام الرسمية العناية الموصولة للسيد الرئيس ، وبفضل هذه العناية القي القبض على المجرم الفاعل وماتت الحكاية ... ولكن الألسن ظلت تردد قصصا عن هذا "الشلاط" الذي يعمد إلى جرح مؤخرات من يختارهن من الفتيات ... يبدأ الفيلم بلقطة طويلة للسجن المدني بالمرناقية بضواحي تونس العاصمة، ينتبه عون الحراسة فيقترب مسرعا من الكاميرا التي يصفها بالمصيبة وهو يطلب من مدير التصوير سفيان الفاني(مدير تصوير فيلم حياة أديل لعبد اللطيف كشيش المتوج بالسعفة الذهبية لمهرجان كان) التوقف عن التصوير قائلا "أنزل هذه المصيبة من على كتفك" تستظهر كوثر برخصة التصوير، يتطلع إليها عون السجون دون أن يعبأ بما كتب ،ويضيف" أنا عندي تعليمات ولا يلزمني هذا الترخيص" ...لا سبيل إذن لعبور البوابة والعثور على إجابة عن سؤال تزعم المخرجة أنه بسيط " هل الشلاط موجود في الداخل"؟ لا احد يعلم ما يجري في دواخل تلك القلاع إذن ... تغير المخرجة التي لا تغيب عن الفيلم، فهي موجودة صوتا وصورة، تتسلل في ثنايا أزقة المناطق الشعبية وتقتحم مقاه لا يدخلها إلا عتاة الحي و"فتوّاته" وتلصق إعلانا موجها للشلاط، هذا رقمي إتصل بي، ثم تنظم كاستينغ تدعو إليه عددا من "الباندية" خريجي السجون وأصحاب السوابق بحثا عن وجه قادر على إقناعها بأنه هو الشلاط... فجأة أو هكذا توهمنا كوثر يقتحم المسرح شاب يدعى "جلال" ثائرا متوعدا، فكيف لهذه الشابة الغرّة أن تسلب منه شرعيته التاريخية، يقول لها بعبارات حادة "انا هو الشلاط وسأطرد كل هؤلاء، انا من سجن ولا احد منهم بما فيهم أنت ضحى مثلي" ... تفتح المخرجة جبهة جديدة في تعقبها لضحايا الشلاط، مرت عشر سنوات على الحادثة ومن الصعب في مجتمع تحكمه أعراف الحشمة والحياء ان تجاهر إمرأة بما حدث لها ... ولكن كاميرا شلاط تونس تنجح مثل صحافي استقصائي متمكن من إنتزاع شهادات لنساء عشن احداث 2003 وتنتقل كوثر بن هنية إلى الضفة الأخرى لتستمع إلى الرجل- الذكر لتفهم لماذا يعتدى على إمرأة لا ذنب لها سوى انها خرجت إلى الشارع ... يتعرى جانب من العقلية الذكورية، "النساء حبال الشياطين ، وعلاقة الذكر بالأنثى مثل علاقة الحمار الوحشي بالمستنقعات ... " تعود كوثر إلى الدفاتر الرسمية القديمة، لا شيء يذكر قبل ان يخبرها المحامي بعد شهور من التقصي ان جلال الذي اوهمها بانه هو الشلاط لم تثبت عليه التهمة وأخلي سبيله... ربما أراد جلال ان يكون بطل الفيلم هو وأمه حتى لو لم يكن هو البطل الحقيقي ... خاضت كوثر مغامرة جدية بإنجازها هذا الفيلم فبعد أن شرعت في التصوير في ديسمبر 2011 لمدة اسبوع، سجن "بطلها" بسبب إرتكابه لجريمة، ماذا كان عليها ان تفعل؟ إلغاء المشروع لتفادي خسائر أكبر ؟ ربما؟ غيرت كوثر العنيدة وجهتها فأنجزت فيلمها القصير"يد اللوح" في إنتظار الإفراج عن جلال بعد تسعة اشهر بالتمام والكمال، لتستكمل ما بدأته ...