بقلم: جيهان لغماري تباينت المواقف بين الأحزاب حول اختيار المهدي جمعة لتولّي كرسي القصبة في انتظار استكمال بقية المسارات. هذا التناقض بين واحد غاضب وآخر مبتهج وثالث «متشائل» لا يمكن فهمه خارج إكراهات المرحلة التي على الأحزاب مسايرتها لتغيير أدائها وخاصة لتمنح للطبقة السياسية ولو بعد حين، القدرة على استيعاب وهضم الاختلاف أو التوافق دون مغادرة آلية الحوار. هذا المعطى أساسي لفهم تبعات السبت الماضي على الأحزاب وضرورة تغيير «جلدتها» الإيديولوجية المحنَّطة لتمرّ، ولو بعد مخاض عسير ومطبّات قد تفتح باب الاستقالات (وقد بدأت)، إلى تجديد خطابها بما يتلاءم ومبادئ الثورة في تعايش التيارات المختلفة ضمن منظومة سياسية وقانونية ملزمتيْن للجميع بقطع النظر عن مفهوم الأغلبية والأقلية. التوافق «الخلاسي» وإنْ بدا غير وفيّ لتعريف التوافق بالتدقيق، فإنه أيضا لم يَخُنْه !، وربما تلك خاصيّة المشهد التونسي الجديد المتميّز (سلبا أوإيجابا) بتوليد مفرداته الخاصة به. وتبقى الزاوية التي يرى منها البعض عمدا أو عن حسن نيّة هي المحدّدة لمواقفهم من سباق الساعات الأخيرة. استحضر هنا مقولة نسيتُ كاتبها، ملخّصُها أنّ التصريح بأنّ نصف الناس سعداء سيجلب لك التصفيق، والقول بأنّ نصف الناس تعساء يعرّضك للشتائم مع أنك لم تقل في الحقيقة إلا شيئا واحدا مع اختلاف في الأسلوب!. تقريبا هذه هي مواقف الفرقاء، فحتى من لم يُعجبه الاختيار، لم يعبّر عن رغبته في مغادرة طاولة الحوار الذي ينطلق غدا لمناقشة بقية البنود (ما عدا «الجمهوري»). هذه الروح الجديدة هي أبرز ما كسبت الساحة السياسية من مبادرة الرباعي رغم بعض التململ لدى بعض قواعد المتحفظين وحتى الراضين! طبعا الأمر مفهوم، فاللغة المغالية في التصعيد وإضافة أوقات إضافية لضخ الأوكسيجان في رئتيْ الحوار الذي كاد يتوقف، جعلت القواعد تعتقد عاطفيا أن أحزابها في معركة حاسمة لا يمكن أن تنتهي إلا بانتصار حاسم أو فشل قاصم!، متناسين في ذلك أنّ الحوار غايته التوافق ولو في حدوده الدنيا. إطلالة سريعة على تصريحات أغلب المتحفظين تؤكد هذا التمشي في المحافظة على الحوار في جولاته المقبلة وتأويلنا للتصريحات الفورية للقيادات مباشرة بعد اختيار جمعة، أنها كانت موجّهة لجزء من القواعد لامتصاص ما رأت أنه خيبة أمل. وفي مرحلة ثانية، أخذت التصريحات منحاها السياسي الهادئ. فالجبهة الشعبية مثلا بدأت بالقول أنها الحكومة الثالثة للترويكا، ثم مرّت إلى أنّ الحوار وقع اختطافه، لتنتهي أخير إلى أنّ ولادة الحكومة الجديدة اقترنت بولادة معارضتها مما يعني قبولها الضمني بها مع مراقبتها لضمان تنفيذ كل البنود الأخرى الواردة في المبادرة. وهذا يدل على واقعية سياسية تضمن لها مواصلة النقاش في كل النقاط للتدليل على أنها لم تكن أبدا داعية لإفشال الحوار من جهة، وللحفاظ على مسافة نقديّة هائلة تجاه الحكومة دون أن تُرمى بتهم المغالاة والعرقلة من جهة أخرى. بعيدا عن لعبة الخاسر والرابح، فإنّ مجرد المرور إلى المرحلة الثانية للحوار يُعتبر حافزا للقطع مع سياسة الكلّ أو لا!، وفي كل الحالات تبقى الحَلْحَلَة أفضل من الوَلْوَلَة!