التونسية (تونس) أياما معدودات تفصلنا عن حلول رأس السنة الميلادية . سنة جديدة تحمل أحلام الملايين من أبناء هذا الشعب الذي بات يتطلع إلى غد أفضل وبات هاجسه الأكبر أمن تونس واستقرارها. كالعادة تجولت « التونسية» في العاصمة لرصد آخر تحضيرات التونسيين لهذه المناسبة لكن ما أثار اهتمامنا فعلا هو ذلك التحدّي الذي لمسناه في عيني كل مواطن فرغم الأخبار والتخوّفات من احتمال وقوع عمليات إرهابية ببعض الفضاءات الكبرى أو الفنادق السياحية فإن الذين قابلتهم «التونسية» لم يتخلوا عن جانبهم المرح والتلقائي وأكدوا لنا عزمهم على الاحتفال بالعام الجديد كالعادة وفي الوجهات التي اختاروها. حيدر موظف ببنك متزوج وأب لولدين قال إنّ عائلته ستحتفل بحلول العام الجديد في احد المقاهي الفاخرة بمنطقة البحيرة حسب تعبيره وأضاف ضاحكا « خلال الأيام الخوالي كنا نقوم بالحجز في أحلى نزل العاصمة لكن منذ سنتين خيرنا تغيير عاداتنا لدواع اقتصادية بحتة وسنتقاسم كافة الفواتير هذه المرة لان الأسعار أصبحت من نار». و حول الحديث عن التهديدات بالتفجير خلال الأيام القادمة اقر حيدر أن ثقته في الأجهزة الأمنية والعسكرية كبرى قائلا « الهاجس الأمني موجود لكنهم لن يزعزعوا ما زرعه أجدادنا في داخلنا منذ القدم فنحن شعب لا يقهر واختيارنا للمقهى مرده الارتفاع المشط للأسعار لا غير واغتنم الفرصة لأقول لهؤلاء « موش باش تحركولنا شعرة... إنها تونس موش أفغانستان». ليذهبوا إلى الجحيم أما ندى وهي طالبة فقد حدثتنا بكل ثقة في النفس أنها ستستقبل العام الجديد بأبهى وأحلى حلة وأنها ستتزين وترقص وستغني حتى مطلع الفجر وفق تعبيرها مضيفة « سنحتفل كالعادة أحب من أحبّ وكره من كره ونقول لمن يهدد أمننا «موتوا بغيضكم وسنحتفل رغما عن أنوفكم لان تونس بلد الفرح الدائم ولن تسرقوا فرحتنا». وكشفت ندى أنها ستحتفل بعيدا عن حضن العائلة ولن تشارك أفرادها فرحة حلول العام الجديد لأنها اختارت أن تقيم حفلة صحبة صديقاتها في المبيت الخاص بإحدى ضواحي العاصمة أين تقطن. مريم المقيمة بمدينة «نيس» الفرنسية قالت إنّها جاءت خصيصا من فرنسا للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة صحبة شقيقتها وأصدقائها وأنهم اختاروا السهر بنزل فخم بجهة قمرت. وأضافت في هذا الصدد « ثقتنا كبيرة في قواتنا الأمنية وفي الجيش الوطني وتهديدات هؤلاء المجرمين لا تعنينا لأننا لن نغير من عاداتنا لأجل عيونهم ولن نرضخ بل عكس ذلك سنذهب للرقص والمرح حتى مطلع الفجر كما جرت العادة ونتمنى أن يحيي احد الفنانين العرب هذه السهرة التي لن تنسى من ذاكرتنا مثلما تعودنا ومثلما عودتنا النزل التونسية بحفاوتها وبخدماتها الراقية», وهو ما أكدته شقيقتها «آسيا» المقيمة أيضا بفرنسا وهي متزوجة وأم لطفل حيث قالت إنها ستناضل من اجل أن تبقى تونس حرّة شامخة مثل العادة وأضافت «نحمد الله لان لنا أمن وجيش يشهد لهما في كامل أرجاء العالم ونعلم جيدا أن الأمور ستمر على أحسن ما يرام وأننا سنرقص وسنقوم بالعد التنازلي قبيل لحظات من حلول منتصف الليل ولن يوقفنا احد وليذهب كل من يهدد حريتنا وأفراحنا إلى الجحيم». «بيتوتي بيتوتي» أما سامي , نادل بمقهى فقد قال إنه سيحتفل بحلول السنة الجديدة ككل سنة وككافة العائلات البسيطة في المنزل بين أفراد العائلة والأحبة وفق تعبيره وأضاف «شعارنا في هذه الفرحة «بيتوتي بيتوتي» سنجتمع سوية مثلما جرت العادة في كافة المناسبات وستقوم أمي بإعداد المرطبات والحلوى و«كلو على قد الجهيد» .. ليسكت برهة قبل أن يضيف والابتسامة تعلو محياه «مع تزامن تفشي ظاهرة الغش في صناعة الحلويات والمثلجات بتنا لا نثق في بعض المحلات التجارية واحيي والدتي بهذه المناسبة لأنها تقوم بإعداد أشهى الحلويات رغم أن أسعار بعض المواد التي تستعمل لصناعة الحلويات قد أصبحت من « نار» . و حول الهاجس الأمني قال سامي إنهم غير معنيين بهذه المسالة لأنهم يقطنون بمنطقة شعبية ولا مكان للغريب بينهم وفسر ذلك ضاحكا «نعيش في إمبراطورية منفصلة عن العاصمة وهي على شاكلة قبيلة «الناس الكل تعرف بعضها» زد على ذلك فاللجان الشعبية متشكلة بطبعها ولا مكان للإرهاب في صفوفنا». وهو ما أكده إيهاب (18 سنة) الذي أقر أنه سيستقبل العام الجديد في بيت العائلة وانه سيستمتع بما ستعده والدته ليس خوفا من التهديدات بل حبا في دفء العائلة وفق تعبيره. و شاطرته فتحية الرأي قائلة إنّ شعب تونس وأمنها فوق كل اعتبار وحدثتنا متحمسة «سنبعث برسالة إلى أعداء الوطن والمتربصين به من مجموعات إجرامية وتكفيرية بأننا لن نخشى تهديداتهم ولن يفرضوا علينا نمطا مجتمعيا معيّنا ونقول لهم « ولدنا أحرارا وسنواصل أحرارا ولن نخضع لأيّة جهة كما أنّنا لن ننحني إلا في صلاتنا وأمام الراية الوطنية فقط وقد بادرت صحبة مجموعة من الصديقات وجمعنا الأموال لصرفها في احتفالات رأس السنة الميلادية أعاده الله علينا وعلى الشعب التونسي باليمن والبركة». كما تمنت فتحية أن تستعيد تونس صورتها المشرقة والناصعة وأن تعود إلى سالف عهدها وأن تتخطى مرحلة الخطر والركود الاقتصادي والتدهور الاجتماعي». من جهتها قالت السيدة هندة الشريف موظفة بإحدى الوزارات وأم لطفلين أنها ستستقبل العام الجديد صحبة أبنائها وزوجها مضيفة «نحن مؤمنون والأعمار بيد الله لكن لن يغادر ابني المنزل للاحتفال خارجا حتى وإن أراد ذلك فهذا النوع الجديد من الإجرام والمسمى بالإرهاب غريب عن عاداتنا وأمام ما قد يحصل لا قدّر الله قرّرنا أن نكون في البيت كما جرت العادة وسأعمل على إعداد الحلوى والكعك صحبة ابنتي وكل ما نتمناه هو « انو ربي يستر تونس ويبعد علينا الإرهاب ونسال الله كل الخير لهذا الوطن العزيز». «لا أعرف الوجهة بعد» أما أيمن وهو طالب يدرس بأوكرانيا ويبلغ من العمر 30 سنة فقد أكد أنه لم يقرر بعد أين سيحتفل بقدوم العام الجديد مشيرا إلى أنّه من المرجح أن يحتفل مع والديه لأنه اشتاق للجلوس معهما وتابع حديثه قائلا «في السنة الماضية قضيت ليلة رأس السنة صحبة أصدقائي بالمملكة المغربية أما بالنسبة لهذه السنة فإنني لم أحدّد وجهتي بعد فقد أقضي الليلة مع والديّ بالمنزل واستمتع بطعام أمي اللذيذ وبأشهى الحلويات لكن هذا لا ينفي إمكانية مغادرتي لتونس او السهر في احد النزل بجهة قمرت. أيمن ضحك برهة ثم قال «نحن من عشاق السهر والاحتفال وسأنتظر آخر القرارات حتى احدد وجهتي وفي كل الحالات سنحتفل ولن يثنينا أي شيء عن الاحتفال والاستمتاع بشبابنا فهذه تونس التي طالما تعودنا بها فرجاء « حل عينيك قبل ما تهددنا» ونحن بلاد مسلمة تربينا فيها على مبادئ الإسلام لا على التكفير فكل مسؤول عن تصرفاته وربنا هو الكفيل بمحاسبتنا». و تمنى أيمن بهذه المناسبة أن يكون أوفر حظا خلال هذه السنة الجديدة وأن يتمكن من الحصول على عمل لان الثورة لم تحقق أهدافها بعد حسب تعبيره. كل شيء عربي100 في 100 في طريقنا اقتربنا من «خالتي زهرة» التي كانت ترتدي «سفساري» وتحمل قفة من السعف وفاجأناها وهي بصدد اقتناء بعض الحاجيات من سوق المدينة العربي بالعاصمة أين حملتنا ابتسامتها وتلقائيتها إلى ذكريات الزمن الجميل وإلى عادات باتت محفورة في أذهاننا. وعن تحضيراتها لاستقبال السنة الجديدة قالت خالتي «زهرة» لم شمل العائلة في هذه المناسبات هو الأساس أين أكون محاطة بأبنائي وبأحفادي وكل شيء عربي 100 في 100 . ضحكت خالتي زهرة قليلا لكنها في حركة مباغتة رفعت جزءا من «السفساري» وحجبت فمها كي تخفي ابتسامتها ثم عادت لتقول «نحن نقتدي بعادة الأجداد في احتفالات رأس السنة ونتبادل التهاني فيما بيننا وشخصيا أقول ان التونسي دائم التفاؤل وأن القادم أفضل إن شاء الله وأن تونس ارض عزيزة وغالية وارض «سخونة» يحرصها أولياؤها الصالحون». وحول آخر تحضيراتها للسهرية قالت خالتي زهرة أنها ستعد «البشكوط» وستعمل على مساعدة زوجات أبنائها الثلاث اللاتي يستنجدن بها كلما اقتضت الحاجة وفق تعبيرها ثم تابعت حديثها بتنهيدة واسعة «يا حسرة على ايامات زمان عندما كانت العائلات تزور بعضها البعض وتحتفل في شكل مجموعات لاستقبال العام الجديد أما اليوم فقد اندثرت هذه العادات و« تفرنس» المجتمع وأصبح التونسي غريبا في بلاده , فعلا نحن نحس بالغربة بعد أن تنكر الجار لجاره والقريب لقريبه». وحول الهواجس الأمنية قالت خالتي زهرة مخاطبة كل من أراد سوءا بهذه البلاد «تونس أرضكم شئتم أم أبيتم وهي منارة ضاربة منذ القدم ونموذج للتسامح والاعتدال فرجاء حافظوا على وطنكم وابتعدوا عن خطب التحريض والدعوات التي ما انزل الله بها سلطانا والتي من شانها أن تضرب وحدة أبناء هذا الوطن كما ادعوهم إلى عدم الانسياق وراء الدعوات المتطرفة والاحتكام إلى كتاب الله العزيز والسير على منوال السنة المحمدية , فتونس بلد عزيز و«ربي يجيبها للصلاح بنيتي». لسوء حظي سأسافر سهيلة مواطنة جزائرية مقيمة بتونس أقرت بأنها تعيش هنا من ثلاث سنوات معتبرة أنها أجمل سنوات حياتها وفسرت ذلك قائلة « جرت العادة أن احتفل صحبة العائلة بأحد النزل الفخمة بمنطقة قمرت أو الحمامات لكن من سوء حظي أنني سأسافر إلى فرنسا خلال الأيام القليلة القادمة وصراحة تمنيت لو استقبلت العام الجديد بتونس لاستمتع بالأكلات والحلويات والمرطبات التونسية وأرى أن الإرهاب لا أساس له من الصحة وتونس ستبقى رغم الداء والأعداء شامخة ومحلقة في سماء العالم العربي وكلنا على يقين أن الله سيكون إلى جانبها».