بقلم: جيهان لغماري يتناقل الرأي العام خبر انتشار مرض «حبّة الفأر» في بعض المناطق وهو ينتقل من الفئران إلى الإنسان عن طريق الحشرات وأساسا الناموس ويترك تشوهات وندوبا جلدية في الجزء المصاب من الجسد. هذا التعريف التقني للمرض مع الأسف ينطبق مجازا على المشهد السريالي الذي تعيشه البلاد بفضل شطحات لاعبي الساحة السياسية الجدد!. إذا أردتم ملاحظة الخدوش العميقة، اخرجوا للشارع وبحلقوا في الوجوه:عابسة، كالحة بلا ملامح ولا أي تعبير سوى الخوف من اليوم والغد. العائلات تغلق باب منازلها بمجرد بداية غروب الشمس. انفلات الأعصاب أصبح هو الأصل والهدوء والبشاشة هما الاستثناء. منسوب العنف الاجتماعي والسياسي فاق كل الحدود التي كانت تميّز الشخصية التونسية المعروفة بالوسطية والاعتدال والسلم. أليس الاغتيال السياسي ندوبا غائرة لن تمحى من ذاكرة كل التونسيين؟، إذ كيف انطلقنا بأحلام رائقة بشعارات الشغل والحرية والكرامة الوطنية لنصل إلى القتل والذبح وتقسيم التونسيين وحملات التخوين وتأخير متواصل لمسار المجلس التأسيسي مرّة باسم شرعية صندوقية خانت وعود صندوقها، وأخرى باسم الشارع و«الثورجة» المصطنعة التي تنظّر للفوضى. اتخاذ قرارات استراتيجية شاملة طويلة المدى من طرف الحكومات الانتقالية المتعاقبة هي أيضا قروح ستعاني منها الأجيال القادمة طويلا وستكيّف حياتهم القادمة من الآن!، فبإسم الواقعية وانعدام الخيارات، هرول أسيادنا فقط للقروض الأجنبية بريشها وحشيشها وطبعا بشروطها وتصوّراتها. ما هو دور السياسي إذا لم تكن له القدرة على إيجاد الحلول ولو نسبيا ولماذا يخوض أصلا في الشأن العام؟. تزايد النعرات الجهوية يُدمي وجه البلاد كأنّ تونس ليست من الشمال إلى أقصى الجنوب ببحرها بأرضها بصحرائها بوديانها بمرتفعاتها بسباسبها وزيتونها!. جبل الشعانبي هذا الذي حفظنا عن ظهر قلب في دروس الجغرافيا أنه أعلى قمّة في البلاد، أصبح أعلى قمّة/نَدْبَةٍ في الإرهاب !. الخدوش والقروح التي تسبب فيها أهل السياسة هي المسؤولة عن انكسار نفسيّة التونسي وتقوقعه على نفسه في انتظار وضوح الرؤية والرؤيا. «حبّة الفأر» مرض سياسي بامتياز ترك ومازال ندوبا على أحلام البسطاء و«ها نِنْدِبْهُمْ»!.