وجه الحزب الجمهوري رسالة مفتوحة الى السيد مهدي جمعة رئيس الحكومة المكلف جاء فيها : "سيدي رئيس الحكومة المكلف، يشرفني أصالة عن نفسي ونيابة عن الحزب الجمهوري أن أتقدم إليكم بأخلص عبارات التهاني بمناسبة تكليفكم من قبل السيد رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة القادمة لبلادنا متمنين لكم النجاح والتوفيق في المهام التي تتهيؤون لتحمل أعبائها. إن الظروف التي تتهيؤون لتحمل أعباء الحكم فيها مليئة بالمصاعب والتحديات وسقف الانتظارات فيها مرتفع جدا. لقد آلت السياسيات الاقتصادية والمالية للسنتين الماضيتين إلى تراجع موارد الدولة ونفاذ مدخراتها ومودوعاتها وإلى تراجع التصنيف السيادي للبلاد التونسية، ما شدد من شروط الاقتراض الخارجي وباتت معه الهيئات المالية الدولية تتردد في إسناد القروض لبلادنا، مشترطة إجراء إصلاحات مكلفة. وإزاء هذه الوضعية جنحت الحكومة المتخلية إلى إثقال كاهل المواطنين من كل الفئات بضرائب جديدة، أثارت رفضا من قبل الفلاحين وصغار التجار والكسبة، اتخذ شكل المظاهرات الاحتجاجية ومهاجمة مقرات القباضة المالية في مختلف أنحاء البلاد. إن طاقة تحمل الطبقات الوسطى قد بلغت مداها بعد أن أتى عليها غلاء الأسعار وباتت عاجزة عن تأمين الحاجيات الأساسية وفي مقدمتها الغذاء، فشرائح واسعة من المواطنين لم تعد تقدر على اقتناء الخضر والغلال فضلا عن اللحوم الحمراء والبيضاء. فلا مجال والحالة تلك أن نعول على مزيد من الضرائب ومزيد من الرفع في سعر المواد الأساسية كالماء والكهرباء وغيرها حتى نؤمن للدولة موارد هي ذاتها غير كافية أصلا لتأمين حاجيات ميزانيتي التصرف والاستثمار فضلا عن تسديد الديون العمومية. سيدي رئيس الحكومة المكلف، لم يكف قرار تعليق استخلاص الأتوات على السيارات لإرجاع الهدوء والسكينة إلى الأحياء الشعبية والجهات المهمشة واستمرت المظاهرات الليلية في العاصمة ومختلف مدن البلاد. إن وصف الشباب المحتج "بالصعاليك" والإشارة إلى السلفية بإصبع الاتهام لن يغير شيئا من حقيقة أن الشباب خاب أمله من حكومات الثورة التي لم تحقق له لا التنمية ولا التشغيل. إن تعطل التنمية ونضوب موارد ميزانية الدولة وتدهور الأوضاع الاجتماعية لعموم الطبقات الشعبية وخيبة أمل الشباب في الثورة لن يزيد التحديات الأمنية غير المسبوقة إلا تعاظما وهذه التحديات ستؤثر سلبا بدورها على عجلة التنمية وتغذي التوتر الاجتماعي وتدخل البلاد في دوامة مفرغة. سيدي رئيس الحكومة المكلف، تتهيؤون لتحمل أعباء الحكم في مثل هذه الظروف الصعبة و قد فشل الحوار الوطني في بناء التوافق المطلوب لمواجهة هذه المصاعب وتتخذ الطبقة السياسية كلها ومهما اختلفت خطبها موقف الترقب والتحفظ والانتظار، وحق لها أن تتخذ مثل هذا الموقف فهي والتونسيون جميعا ينتظرون من حكومة كفاءات مستقلة أن تعيد الشعور بالأمن وأن تقود البلاد إلى انتخابات نظيفة ينتفي فيها العنف والتهديد به وتحاصر فيه الجريمة السياسية والإرهاب وتكون فيه الإدارة محايدة بعدما سعت الحكومات السابقة إلى تحزيبها، وهي شروط لا يمكن بدونها أن تسير بلادنا إلى حالة الحرية والاستقرار التي ننشدها والتي تمثل شرط استئناف مسيرتنا نحو الازدهار الاقتصادي والتقدم الاجتماعي. إن إرجاع التوازن إلى ميزانية الدولة لن يتحقق بالإبقاء على قانون المالية الحالي كما أن السلم الاجتماعية لن تستتب مع استمرار دوامة غلاء الأسعار وتعطل عمليتي التشغيل والإنتاج. إننا نرى في الحزب الجمهوري أن الرفع في موارد الدولة لن يتأتى إلا بالزيادة في الإنتاج والتشجيع على الاستثمارات المنتجة العمومية والخاصة، و وبالإلتجاء، في هذه الظروف الحرجة، إلى الاقتراض الوطني مع إعفاء المكتتبين فيه من المساءلة الضريبية وبانتهاج سياسة تقشف فعلية في مجال الاستهلاك العمومي. كما نرى أن الاقتراض الخارجي لدى الهيئات المالية الدولية لن يتيسر إلا بتوضيح الرؤيا السياسية وتحقيق التوافق الوطني الحقيقي . سيدي رئيس الحكومة المكلف، إن التونسيين ينتظرون منكم إيقاف دوامة غلاء الأسعار من خلال سياسة نقدية ومالية جديدة وإحكام الرقابة على مسالك التوزيع الموازية والتشجيع على الاستثمار والرفع من إنتاجية العمل والتونسيون ينتظرون منكم عودة الشعور بالأمن إلى نفوسهم وذلك بحل كل الميليشيات والتصدي للجريمة السياسية والإرهاب وإلقاء الضوء على حقيقة اغتيال الشهيدين شكري بالعيد ومحمد براهمي. والتونسيون ينتظرون منكم تحييد الإدارة حتى تكون الدولة دولة التونسيين جميعا لا دولة فئة دون أخرى وحتى نوفر شروط التكافؤ في الفرص بمناسبة الانتخابات القادمة على هذه الانتظارات الثلاثة يتوقف نجاح حكومتكم، وفي نجاحها نجاح لتونس كلها وفي إخفاقها لا قدر الله إخفاق لتونس وتهديد لثورتها وارتهان لمسارها الانتقالي ونيل من رصيدها الخارجي ومن موقعها الريادي في منطقتنا العربية. إن الحزب الجمهوري يتمنى لكم خالصا كل النجاح في أعمالكم، آملا أن تبعثوا للرأي العام برسائل قوية منذ يوم الإعلان عن تشكيل حكومتكم ولن تجدوا منا سوى التشجيع لكل خطوة تخطونها في الاتجاه الصحيح معتذرين لكم مسبقا عما تمليه علينا مسؤوليتنا كحزب مستقل من تحل باليقضة والقيام بدورنا التعديلي. تقبلوا سيدي رئيس الحكومة المكلف عبارات الاحترام والتقدير الكبيرين ووفقكم الله وإيانا في خدمة وطننا العزيز." تونس في 17 جانفي 2014 عن الحزب الجمهوري رئيس الهيئة السياسية العليا