بعد أن طالت أشهر الانتظار ونفد صبرهم لم يجد أعوان الداخلية المعزولون حلا أمس سوى أن يفترشوا الأرض ويلتحفوا السماء في بهو احد المقاهي المحاذية لوزارة الداخلية في سبيل تحقيق مطلبهم الأوحد والوحيد والمتمثل في إعادة إدماجهم بالسلك وإعادتهم إلى سالف وظائفهم بالوزارة المعنية مؤكدين أنهم معتصمون إلى حين إيجاد حل لقضيتهم ومتسائلين في نفس الوقت متى ستحتضنهم وزارتهم الأم بعد أن احتضنهم الشارع. و أكد قيس الرصاص مفتش شرطة أول معزول منذ سنة 2006 بتهمة عدم التقيد بالتعليمات الإدارية ل«التونسية» أن اعتصامهم الذي انطلق أول أمس الثلاثاء مفتوح ومتواصل وأن طلبهم الوحيد هو إعادة إدماجهم لا غير. وقال في هذا الصدد « لقد أنهكت قوانا وتشتّتت أفكارنا وضاع تركيزنا وأصبحنا رهائن لماض قاس وحاضر اشد قسوة ولا نطالب اليوم سوى بالإنصاف وباستعادة وظائفنا صلب مختلف الأسلاك الأمنية والتي ضاعت منا بتعلات واهية خاصة أن من تخلدت بذممهم قضايا ترويج مخدرات والقتل العمد وقضايا أخلاقية استعادوا وظائفهم في حين أن اغلبنا عزل بسبب التغيب أو ما شابه ذلك». وتابع محدثنا قائلا « لقد قامت وزارة الداخلية بإعادة إدماج 3700 عون معزول وغضّت النظر عن بقية الملفات التي تخصنا والتي تعد 306 امنيا معزولا من أسلاك الحرس الوطني وشرطة وسجون وحماية مدنية واليوم وبعد طول انتظار باتت الوعود تؤرقنا ولا نريد سوى لفتة جدية من وزير الداخلية الذي تعرّض إلى مغالطات في ما يتعلق بوضعيتنا». و تحدّث قيس الرصاص عن اللقاء الذي جمعه بوزير الداخلية لطفي بن جدو يوم 19 مارس 2013 صحبة زميل معزول وأحد النقابيين وأضاف «لقد وعدنا الوزير حينها بالالتفات لوضعيتنا ولكن إلى حد اليوم لا حياة لمن تنادي فقد قاموا ببحوث أمنية وإجراءات عديدة في ما يتعلق بملفاتنا لكن يبدو أن الولادة عسيرة والحلول لم تر النور إلى يومنا هذا, فلم كل هذا التعطيل فنحن أبناء هذا الوطن وفدائيوه وبقاؤنا في العراء والبرد ليلتين متتاليتين حذو وزارة الداخلية ليس سوى دليلا دامغا على وطنيتنا وحبنا للعلم وهو دليل على رغبتنا في خدمة وطننا وشعبنا وترسيخ الأمن الجمهوري ولا نريد في المقابل لا تعويضا ماديا ولا معنويا بل نريد قوتنا وقوت أبنائنا الذين دفعوا فاتورة التخلي عن خدماتنا والله عز وجل غفور رحيم و«البشر لا»؟». أتحدّاهم أن يثبتوا تورّط أحدنا أما محمد بن ساسي ناظر امن مساعد فقد اقر ل « التونسية» بأنه عزل بعد ثورة 14 جانفي بسبب حادث مرور بعد الأضرار المادية التي لحقت بسيارة الإدارة وفق تعبيره. وفسر ذلك قائلا « لقد قاموا بعزلي بتهمة الإضرار بالسيارة الإدارية بعد أن تعرضت إلى حادث مرور في حين أن عملية إصلاحها لم تكلف الإدارة سوى 170 دينارا. ونحن اليوم نستجدي في حين أننا على حق لكنّنا ضحية تطهير ممنهج بمعنى أصح لقد كانت مطالب الثورة الرئيسية التطهير و«التنظيف» صلب وزارة الداخلية لكن ما قامت به حكومة حركة «النهضة» كان تطهيرا ممنهجا ذهب ضحيته «الزواولة» وغير المتحزبين وشخصيا أتحداهم أن يثبتوا تورط أي شخص منا في قضايا تعذيب أو اغتصاب أو رشوة أو قضية فساد قبل الثورة وبعدها». «العدل سيدي القاضي» أما خالد ذويبي حافظ امن بإدارة الحدود والأجانب فقد حدثنا قائلا « التحقت بوزارة الداخلية سنة 2000 وقاموا بعزلي في أواخر سنة 2004 حين تعرضت إلى حادث شغل ورفضت وزارة الإشراف التكفل بمصاريف علاجي فتنقلت إلى ايطاليا للعلاج على حسابي الخاص ومكنتني حينها الوزارة من رخصة مغادرة فيما مكنتهم من شهادتين طبيتين لكن الإدارة قامت بعزلي بتعلة الاستقرار بالخارج وهو شيء غير منطقي وأريد أن اعرف المقاييس والمبادئ وأسس القرار الذي اتخذ ه مجلس الشرف ومنذ سنة 2011 وأنا أقوم بمراسلة الوزارة لكن الانتظار وصمت ولامبالاة سلطة الإشراف يقتلونني خاصة أنني أصبحت اليوم عاجزا عن توفير لقمة عيش لعائلتي ولابنتي التي تبلغ من العمر 5 أيام وأنا مرهق ومتعب ماديا ومعنويا مقابل ذلك لا أريد لا تعويضات ولا امتيازات بل أريد استعادة وظيفتي وكلي استعداد للتضحية من اجل تونس ومن اجل العلم». و أكد خالد ذويبي انه لن يبارح المكان إلا بعد تحصله على قرار واضح من وزارة الداخلية يقضي بإعادة إدماجه بالسلك أو بالرفض القطعي لمطلبه وأضاف « نتوسم خيرا في رئيس الحكومة الجديد السيد مهدي جمعة وفي السيد وزير الداخلية لطفي بن جدو ونقول له سيدي القاضي احكم بالعدل رجاء». التصعيد آت لا محالة من جهته بيّن محجوب الخلفاوي الذي عمل بسلك الحرس الوطني طيلة عشر سنوات انه عزل سنة 1998 بسبب التغيب والتورط في قضية شيك بلا رصيد وفق تعبيره وفسّر ذلك قائلا « لقد اثبتّ لهم براءتي في قضية الشيك ولدي البراهين وفي ما يتعلق بالغياب دون أسباب فقد مكنتهم من شهادة طبية لكن كل ذلك لم يجد نفعا». و أكد محجوب الخلفاوي أن وزير الداخلية الحالي تعهد في السابق بالعمل على إعادة إدماج جميع الأعوان المعزولين ما لم يعترضه حاجز من الحكومة (في إشارة إلى أن رئيس الحكومة السابق علي العريض كان من المعارضين لمسألة إعادة إدماجهم) على حد قوله وأضاف «وقفاتنا مستمرة واعتصاماتنا لن تفك والتصعيد آت لا محالة ونريد حلا ينهي مآسينا ولوعتنا لأن لحظات الانتظار ولامبالاة سلطة الإشراف تقتلنا». أعيش ضغطا نفسيا وماديا أما عبد السلام البوغانمي نقيب امن أول فقد أكد تعرضه لمظلمة من طرف رؤسائه في الوزارة خلال عهد بن علي وأنه تم عزله بسبب التغيب عن العمل وهو ما دفعه إلى الالتحاق بأحد نزل العاصمة أين عمل كعون مرافقات مع النجوم والفنانين العرب الوافدين على النزل حسب قوله وتابع في هذا الصدد « كنت اعمل في ظروف جيدة في النزل وأتقاضى مرتبا محترما لكن بعد الثورة أردت أن استجيب لنداء الواجب وأن ألتحق بزملائي خدمة له». و كشف عبد السلام البوغانمي أن العون المعزول أصبح منبوذا وسط المجتمع وانه يعامل كسجين متهم في عدة قضايا ليختم قائلا «أهكذا تكافئ الإدارة رجالها الذين ضحوا بالنفيس والغالي من اجل هذا الوطن. شخصيا تعرضت إلى ضغط نفسي ومادي وعشت أشهر عدة في غيبوبة لم اعرف حينها المخرج ولا اريد سوى استعادة وظيفتي السابقة لا غير» . وفي هذا الموضوع دعا أمس المرصد التونسي للأمن الجمهوري والمواطنة في بلاغ له وزارة الداخلية إلى النظر في ملف الأمنيين المعزولين وإعطائهم الأولوية المطلقة،معتبرا «أن أغلبهم عزل ظلما نتيجة تغوّل بعض القيادات الأمنية سواء قبل أو بعد ثورة الحرية والكرامة». وذكّر المرصد في بيانه وزير الداخلية ب «الوعد الذي قطعه على نفسه بتاريخ 19 / 03 / 2013 حيث اجتمع يومها بممثلين عن المعزولين بحضور كل من المدير العام للأمن الوطني والمدير العام للمصالح المشتركة السابقين وأكد على أنه سيتعامل شخصيا مع هذا الملف وسيسعدهم وسيدخل البهجة على عائلاتهم إلا أنه زاد في تعاستهم وشقائهم بتخليه عن هذا الملف وتسليمه إلى أياد غير أمينة» حسب ما جاء في البلاغ. غادة مالكي