بقلم: جيهان لغماري بلا لبس، ولا تحاليل تُلطّف من خطورة الوضع، وبلا تنظير أو دمغجة، ولا مساحيق تجمّل قتْل التونسيين أيّا كانت صفاتهم من جنود وأمنيين وسياسيين ومثقفين ومواطنين بدعوى الموضوعية الكاذبة، سقط القناع واتضح ان الحياد مع الإرهاب جريمة لا غبار عليها في حق الوطن وديمومة الدولة والأجيال القادمة. فكم نبّه رجال الأمن إلى بعض الظواهر الخطيرة؟ وكم حبّر الإعلاميون من تحذير وكرّروا ألف مَرّة أنّ الإرهاب أصبح حقيقة ولكن طوال المراحل الانتقالية السابقة هوّنوا من المسألة وقالوا ان تونس ليست جزائر التسعينات، مراكز التدريب كذبة و«إعلام العار» يبالغ في تضخيم بعض الظواهر الشاذة والبسيطة التي تُحفَظ ولا يقاس عليها!.وها ان تونس (نعم، ليست الجزائر كما طمأنونا)، أصبحت «بفضل» تراخيهم وتهاونهم، ظاهرة في حدّ ذاتها ولا تحتاج لمقارنة تاريخية مع أية أحداث مشابهة في العالم!. إنها المفارقة أن يسيل كل هذا الدم بعد ثورة وحّدت الجميع من أجل الكرامة والشغل والتعايش السلمي المواطني. حين يدخل الإرهاب باب المناورات السياسية يتعملق آليّا. لسنا بحاجة لأحزاب تزخرف البيانات الباردة، بل لقرار سياسي صريح يجمع كل الأحزاب على طاولة واحدة ويكون مُلْزما للجميع بعنوان واحد للفرقاء: كيف نواجه الإرهاب على المدى القصير ثم في المستقبل؟. في الجانب التقني الأمني، أبطالنا مازالوا يقدّمون الشهيد تلو الشهيد والجريح تلو الآخر في مشهد مؤثر مستبسلين في دلالة رائعة على عقيدة التضحية من أجل حماية تونس، ولكن هذا غير كاف لأنّ ما يحدث اليوم ليس سببا بل نتيجة للأزمات السياسية المتلاحقة التي أطالت أمد الانفلات الأمني على الحدود وفي الشوارع والمساجد وحتى في الملاعب. صحيح أنه لا بد من تكاتف الجهود، المواطن مثلا مطالب بإعلام الأمن بأيّ تحرك مشبوه والمثقف بإعلاء قيم الحوار ولكنّ الدور الأول منوط بعهدة السياسيين وبعهده السلطة التنفيذية أساسا. فإضافة إلى التدابير العاجلة التي تفرضها وقائع الأمور على الأرض، لابدّ من عكس هَرَم السؤال: هؤلاء الذين رفعوا السلاح في وجه الدولة، هم نتيجة بيئة مفرّخة للقوالب الجاهزة للانفجار في كل حين ولا يمكن الوقوف عندهم كسبب ينتهي مفعوله بموتهم والقضاء عليهم. الظروف الاجتماعية الصعبة يمكن الحدّ منها ولو بنسبة ضعيفة تتناسب وإمكانيات البلاد الحالية. ثقافيا، تتطلب المسألة وقتا طويلا وإستراتيجية واضحة لتفعيل مبادئ الدستور في الواقع. الحدود كانت شبه مفتوحة رغم جهود الأمن والتهريب تزايد وأصبح يتاجر بكل شيء بما فيها السلاح، المخازن مكدّسة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، متهمون يختفون قبل مداهمة الأمنيين لمقارهم، مساجد مازالت خارج سلطة الدولة. كلّ هذا يوحي بأن الإرهاب في تونس أخذ بعدا إقليميا تحرّكه جهات أجنبية ربما بأياد داخلية لزعزعة أركان الدولة. وبناء على ما تقدّم يبدو أنّ استئناف الحوار بأيّة صيغة كانت ضرورة قصوى لتفعيل بنود خارطة الطريق لأنّ في تفاصيلها ما يقطع خطوط الإمداد عن الإرهاب.