«محمّد عزيز» طفل في الحادية عشرة من عمره تعوّد أن يختبئ في أحد بيوت الراحة التابعة لمدرسته لكي لا يسأله زملاؤه في الدراسة عن عدم جلبه ل«لمجة» ولكي لا يشاهد زملاءه يتناولون «وجبة» عجزت عائلته عن توفيرها له، كان يختبئ ويختلق عديد الأسباب الواهية لكي لا يبوح بجوعه ولكي لا تفضحه عصافير بطنه لأنه لم يتناول فطور الصباح... معاناة «محمد عزيز» لم تقف عند هذا الحدّ بل نضج عقله الصغير قبل الآوان ودفعته براءة الأطفال إلى التوجّه إلى أقرب مركز عمومي للأنترنات وهناك كتب إعلانا غريبا، إعلان لا يطلب فيه مساعدة مادية من أهل البرّ والإحسان لعائلته أو هبات من السلطات المحلية لمساعدة أشقائه المتفوّقين في الدراسة ليواصلوا تعليمهم... كان يتألّم وهو يشاهدهم مهدّدين بالانقطاع عن الدراسة الواحد تلو الآخر وكان يراقب عجز العائلة عن تدبر مصاريف تنقلهم الى الجامعة أو المعهد وكان يسأل والده بإستمرار «بابا لماذا نحن هكذا؟». خطر ببال هذا الصغير ان يكتب إعلانا يقول فيه «بابا بيعني وبثمني عيّش بقية أفراد العائلة»...كلمات بسيطة قد تختزل حجم المعاناة التي تعيشها عائلة «محمد عزيز» وتختزل الوضع الإجتماعي الصعب الذي ترزخ تحت وطأته عديد الأسر التونسية. «عمارة زرّاع» والد محمد عزيز جاء الى مقرّ «التونسية» محمّلا بالوثائق والملفات وبكى وهو يسرد حكايته لشعوره بالقهر والظلم قال: «أعمل كنقّال أو ما يعرف ب«الحمّال» في سوق الجملة ببئر القصعة من ولاية بن عروس» وأضاف انّ ظروف عمل «النقّالة» في جناح الأسماك بسوق الجملة متردية للغاية، وأكّد انهم لا يتمتعون لا بمرتّب شهري ولا بتغطية إجتماعية ولا بدفتر علاج، وأكّد أنّه عمل في هذه المهنة منذ 40 سنة باشر خلالها العمل منذ الساعة الواحدة بعد منتصف الليل إلى الثامنة صباحا وأحيانا أخرى إلى حين موعد مغادرة الفلاّحين للسوق وأنّه يتحصّل بعد ليلة شاقة ومضنية من العمل على بعض الملاليم يجود بها التاجر في شكل «منّة» وهي 100 مليم مقابل حمل الصندوق رغم ان القانون ينصّ على نسبة الحمولة في فاتورة الشراء وعند وكيل البيع. وكشف «عمارة» انّ مطلبه ومطلب زملائه «النقّالة» بسيط جدا وهو تفعيل «القانون» وقال انّ قانون 1967 والقانون الصادر في 20 نوفمبر 1970 بالرائد الرسمي ينصّ على تمكينهم من 0،6 بالمائة كمعاليم عن الحمولة وأن هذا القانون يطبق على عمليات البيع المباشرة بسوق الجملة وأن القانون حدّد عمولتهم وأجورهم مشيرا إلى أنّ هذا المبلغ ظلّ غير مفعّل وظلّ حبرا على ورق رغم انه يتم التنصيص عليه في اغلب وثائق البيع والشراء. وأضاف انّ وكلاء البيع لا يلتزمون بصرف هذه النسبة . وقال انهم ك«حمّالة» طالبوا في عديد المناسبات بمستحقاتهم وقدّموا عديد المقترحات وأرسلوا الكثير من المطالب الى رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزارة التجارة ووزارة الشؤون الإجتماعية والإتحاد العام التونسي للشغل... ولكن جلّ الحكومات الإنتقالية بعد الثورة لم تنصفهم ولم تستمع الى نداءاتهم المتكرّرة ممّا أثّر على أوضاعهم الإجتماعية والعائلية. وكشف أنّهم يتألمون وهم يراقبون حقوقهم تضيع أمامهم من خلال كلّ عملية بيع وشراء وعند خلاص كل فاتورة بيع وفي الوثائق التي يطلبها مراقبو الأسعار، مضيفا: «بصمتنا في كلّ صندوق وفي كلّ «كلغ» سمك يباع في بئرالقصعة ومع ذلك حقوقنا مهضومة». وأضاف عمارة: «وهناك من مرض ابنه فعالجه بدفتر علاج جاره وهناك من جاع أبناؤه فطلب من الخضّار «فقط أوراق البسباس «ليطبخها لهم». وكشف انّه لا يملك من الحقوق شيئا وأنّ حتى المكان الذي يقطن فيه بلا عنوان وقال: «حيّنا معروف باسم «حيّ خديجة» ببئر القصعة أو حي الزياتين ولكن ليس لنا اسم نهج ولا رقما وبالتّالي لا نملك عنوانا مثل بقية العباد». وأكّد ان ابنه الكبير نجح في إمتحان الباكالوريا السنة الماضية ولكنه عجز عن مواصلة تعليمه بماطر أين تم توجيهه وذلك نظرا لعجز الأسرة عن توفير مستلزمات التنقّل فبقي سنة كاملة بالبيت دون دراسة ،وقال ان ابنته مهددة بالانقطاع عن الدراسة في ظلّ الظروف المادية الصعبة للعائلة. وطالب «عمارة» بالاستماع الى شواغلهم وتفعيل القانون ولا شيء غير القانون وقال «نحن لا نطلب «منّة» من أحد ولا نطلب من المسؤولين أن يعاينوا ظروفنا ولا كيف نعيش في ظل الإرتفاع المشطّ للأسعار وغلاء المعيشة ولا نطلب منهم إنقاذنا من التهميش والفقر ولكن مطلبنا بسيط وهو تطبيق القانون الصادر بالرائد الرسمي والذي قد يضمن لنا العيش الكريم» فهل هذا كثير؟.