على المواطن أن يدرك أن التوظيف ليس من مشمولات الدولة غياب «الخدمات الصديقة» وراء اعتداءات الشباب على رموز هيبة الدولة شبابنا مصاب ب «مرض الديبلوم» قال «محمد الجويلي» أستاذ علم الإجتماع والمدير العام للمرصد الوطني للشباب في حوار خصّ به «التونسية» انه على الشباب التونسي ان يتخلّص من «مرض الديبلوم» أو الشهادة الجامعية مشيرا الى انّ مهمة الدولة ليست تقديم الوظائف للشباب ،كما انتقد طريقة التعامل مع مشكلة «المجاهدين» التونسيين في سوريا واعتبارهم مجرد أرقام مؤكدا على انه يجب معرفة من هم هؤلاء الشباب ودراسة سيرهم دراسة علمية لنحدد طريقة التعامل معهم. وأضاف «الجويلي» انه على الحكومة الجديدة بعث رسالة إيجابية للشباب وتشريكهم في الحياة العامة وخصوصا في التمشي الديمقراطي والشأن السياسي وفي الإنتخابات القادمة. واقترح بعض الحلول العملية لدراسة ظاهرة انتشار المخدرات والعنف في الوسط المدرسي إلى جانب تطرّقه إلى مشاكل الشباب في الأحياء الفقيرة والمهمشة وكيفية معالجة الصعوبات وتردي الخدمات بهذه الأحياء. بقية التفاصيل في السطور التالية : لو تحدثنا عن مهام المرصد الوطني للشباب ؟ يمكن تلخيص مهام المرصد الوطني للشباب في ثلاث مهام كبرى، وهي المهمّة البحثية والمهمة التدريبية وأخيرا المهمة الإعلامية. في ما يتعلق بالمهمة البحثية فإن المرصد مثلما يعبرّ عنه إسمه يتولى رصد الظواهر الشبابية ومتابعتها وقيسها وفهم مساراتها من خلال الأدوات البحثية العلمية كسبر الآراء والبحوث المعمقة والدراسات الإستكشافية وفي هذا السياق يحتوي المرصد على بطارية مؤشرات تضمّ أهم المؤشرات المتعلقة بالشأن الشبابي وهي متاحة للجميع حتى يكونوا على دراية إحصائية بما هي عليه الظواهر الشبابية وما ستؤول إليه. وسيصدر عن ذلك تقرير سنوي حول وضع الشباب في تونس يستفيد منه صناع القرار والباحثون وكل من له علاقة بالشأن الشبابي. المهمة الثانية هي التدريب والتمكين والرفع من قدرات المجتمع المدني الشبابي في مجالات المشاركة في الشأن العام والمرصد بصدد تحضير برنامج وطني تدريبي في المسألة الإنتخابية في إطار خطته الإستراتيجية التي تحمل عنوان «الديمقراطية في حاجة إلى الشباب». المهمة الثالثة هي الإعلام من خلال تركيز شباك يعنى بالهجرة وآخر بصدد التحضير يهتم بالتطوع كما أن المرصد يشتغل على إتاحة الفرص أمام الشباب للحوار والتفاعل وتبادل الخبرات والتأسيس لمعنى المواطنة الشبابية. صرّحت انّ الشباب التونسي يعيش حالة من الإرتباك بسبب الوضع الاقتصادي والسياسي، لو توّضح لنا كيف؟ قد يكون الشباب ضحية مشاركته الفعلية في الثورة أو أن له إحساس بذلك من خلال قياس مدى إستفادته منها، وهو أيضا ضحية الخطاب الذي ربط عضويا بين الشباب والثورة وخصوصا الشباب من ذوي الشهادات العليا. هذا الإختزال وهو سياسي بالأساس رفّع من طموحات الشباب ولكن في المقابل لم يوفر لهم شيئا يرتقي إلى الدرجة الرمزية التي حصلوا عليها مكافأة لمشاركتهم الفعلية في الثورة. للمرحلة الحالية ثلاثة عناوين كبرى تهمّ الشباب. العنوان الأول هو البطالة وتضاؤل فرص التشغيل وصعوبة إقامة المشاريع الخاصة وضعف تمويلها وتعقد إجراءاتها. يضاف هذا العنوان إلى الكثير من الإحباط والشعور بانسداد الآفاق وفقدان الأمل وطول الإنتظار وهو ما يدخلنا إلى العنوان الثاني وهو عنوان السلوكات المحفوفة بالمخاطر والتي تتطلب منظومة حماية اجتماعية واضحة تهتم بقضايا الهجرة السرية والمخدرات وشبكات الجريمة والعنف والتسرب المدرسي والإنتحار وهي ظواهر نجد فيها الشباب الأكثر تمثيلية. العنوان الثالث وهو علاجي لما سبق ذكره وهو عنوان المشاركة في الشأن العام. قد تبدو للوهلة الأولى أن المشاركة في الشأن العام مجرد ملء فراغات ولكن التجارب في البلدان الديمقراطية العريقة تفيد أن التطوع مثلا هو أحد أهم المداخل للحصول على فرص شغل أكبر وأن بناء القدرات عبر المشاركة في المجتمع المدني هو نافذة للإطلاع وقنص الفرص وتعزيز الثقة بالذات. أغلب الشباب في البلدان المتقدمة يمرون بمرحلة وسطى بين التخرج من الجامعات والحصول على وظيفة تسمى مرحلة الخدمة المدنية هي بمثابة « مدرسة الفرصة الثانية» Ecole de deuxième chance يعيد فيها الشاب تجديد اختياراته وتعطيه إمكانية أفضل ليكتشف نفسه في مساحات ضعفها ومساحات قوتها. نحتاج في تونس إلى شباب مشارك مندفع نحو بناء قدراته ومعتمدا على قواه الذاتية أكثر فأكثر. ولكن الصعوبة تكمن في أن المسألة ثقافية بالأساس وهو ما يتطلب وقتا لتحقيق إنجازات ذات بال ولكن علينا أن نبدأ. بعد خطاب رئيس الحكومة وتصريحه بأنه لن تكون هناك انتدابات إضافية في سنة 2014، هل من شأن هذا الأمر ان ينمّي مخاوف العاطلين عن العمل؟ المخاوف موجودة قبل خطاب السيد رئيس الحكومة، ما تم التأكد منه هو أن مخاوف العاطلين عن العمل أضحت حقيقية ولا يمكن المزايدة بها سياسيا. يعيش الشباب التونسي هوَسَين، هَوَس الدولة الراعية التي تتكفل بكل شيء تقريبا وهوَسَ «الديبلوم» الذي ما إن يحصل عليه الشاب حتى يصبح عبءا عليه. دون أن ننسى هَوَس من ليس له «ديبلوم» كذلك . في التجارب المتقدمة عندما لم يعد بمقدور الدولة أن تقوم لوحدها برعاية مواطنيها تمّ إدماج المجتمع المدني والقطاع الخاص في شراكة ثلاثية الأبعاد توسع مجالات المشاركة وتتيح للجميع فرصا أكبر لتبادل المنافع. لكلّ من القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني ما يكفي من القدرات مجتمعة ومندمجة لتجاوز القضايا الكبرى مثل قضية البطالة لكن عندما تشتغل هذه الشراكة ثلاثية الأبعاد على المستوى المحلي والمناطقي فإنها تكون أكثر جدوى وثراء وذكاء. يتداول الآن في البلدان الناجحة مفهوم «نهاية الديبلوم» في ردّ واضح على مفهوم Le tout diplôme أوLa fin du diplôme في إشارة جلية إلى أن «الديبلوم» يمكن أن يكون عقبة أمام حامله عندما يتعلق به تعلقا مرضيا. ويشير هذا المفهوم إلى أن الشاب أكبر من الديبلوم الذي حصل عليه من خلال القدرات الكامنة فيه والتي يمكن أن تخرج ويقع اكتشافها عبر التجربة والتحدي والمغامرة والتفاعل مع الآخرين. ويعتبر صاحب تجربة وفاعلية الشخص الذي بعد أن حصل على «ديبلوم» مرّ بمسارات مهنية متعددة أكسبته نضجا ودراية وثقة في النفس. ثقافة السكينة التي نبحث عنها بكل السبل هي العائق الأساسي أمام بقائنا في حالة من الركود المؤرق. ما أنجزته الثورة هو هذه الدينامية وهذا التساؤل المستمر وهذا الحراك المدني يتم عليه البناء. حذرّ البعض من انتشار المخدرّات في الأوساط المدرسية ومن إقبال الناشئة على الكحول، فكيف تتابعون هذه التطوّرات ؟ ستمكننا بطارية المؤشرات التي أنجزها المرصد الوطني للشباب من متابعة ظاهرة تعاطي المخدرات في الوسط المدرسي وستتيح لنا متابعة السلوكات المحفوفة بالمخاطر الموجودة في فضاءاتنا المدرسية عبر الدراسات التي نقوم بها وعبر كل ما تنتجه الوزارات المعنية من أرقام وما يقوم به المجتمع المدني ومراكز الأبحاث الأخرى من دراسات في هذا الشأن. سُجّلت 8٫5 آلاف حالة في 2013 وتهم التلاميذ الذين تم عرضهم على مجلس التأديب وسجّلت حالات عنف واعتداءات لتلاميذ على بعضهم البعض وعلى الأساتذة وتم أيضا ضبط حالات إستهلاك مخدرات وهذا الأمر يعني في الحقيقة انّ المؤسسة التربوية باتت موضوع تساؤل كبير . تقرأ السلوكات المحفوفة بالمخاطر الممارسة في مؤسساتنا التربوية على أنها شكل إحتجاجي على لا وظيفية هذه المؤسسات وفشلها في إدراك ما يطلبه الشاب أو المراهق خلال مروره بها. قد يشمل الإحتجاج منهجية التدريس ومحتوى البرامج وأشكال التقييم ومضمون الحياة المدرسية وعلاقة التلميذ بالأستاذ وبالأطار التربوي والإداري وقد يشمل الإحتجاج أيضا ضعف العلاقة بين العائلة والمدرسة. وقد يعني الإحتجاج كذلك لا جدوى الديبلوم وضعف مردوديته خصوصا إذا ترسّب في أذهان التلاميذ أن المدرسة لم تعد معبرا آمنا للإرتقاء الاجتماعي. أمام التلميد الآن معابر أخرى أكثر أمانا وأكثر سرعة وأقل مشقة لتحقيق طموحاته وهو ما يحرج المؤسسة التربوية أكثر ويضعها أمام مآزق لا تجد لها حلولا واقعية. في سياق آخر، لو تأملنا المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية وجلّ المؤسسات التربوية ماذا سنجد حولها؟ سنجد أمام كل معهد أو فضاء تربوي أكثر من محلّ لبيع السجائر، فكيف يمكن تصور مؤسسة تربوية محاطة بمثل هذه التجاوزات وغيرها؟. في الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلا هناك مسافة قانونية تحدّ بين المؤسسة التربوية وكل ما يتعلق بالسجائر مثلا بيعا وإشهارا. الرسالة الحمائية واضحة ولكن ما جدوى الرسالة التي نريد إرسالها إلى التلاميذ ومؤسساتهم التربوية محاطة بباعة السجائر والمخدرات وغيرها؟ الشأن التعليمي والتربوي هو شأن عام والنظر فيه هو مسألة وطنية تحتاج إلى كثير من النقاش والتداول والتوافق حتى لا تتجاذبه أهواء بعض السياسيين وأجنداتهم. نحن أمام معضلة تراجع وضمور المؤسسات، العائلية منها والتعليمية والصحية والرياضية وغيرها. العنف اصبح العنوان الأبرز في هذه المؤسسات وفقدان الثقة في خدماتها ووظائفها يزداد كل يوم. وأمام هذا التراجع وهذا السقوط تصبح الحلول الفردية والجماعية الفجئية منها وغير المنتظرة والمتطرفة العنوان الذي به تؤدي هذه المؤسسات ما عليها. يتخوّف البعض من تداعيات عودة الشباب «المجاهدين» في سوريا إلى تونس، فكيف تتابعون هذا الموضوع؟ إلى حدّ اليوم ليست لنا الشجاعة كي ندرس الظاهرة الإرهابية دراسة دقيقة وعلمية. لدينا أرقام وأسماء ولكن ليست لنا السير الكاملة لهؤلاء الأشخاص ، ماهي الظروف الإجتماعية وماهو المستوى الدراسي لهؤلاء ؟ ما هي تخصصاتهم المهنية أو الدراسية إن كانت لهم تخصصات ؟ ما هي الجهات التي ينتمون إليها؟ ما هي أصولهم الاجتماعية؟ في أية ظروف نشأوا؟ كيف انخرطوا في الظاهرة وكيف تم إنتدابهم؟ هذه بعض الأسئلة الممكنة التي تجعلنا أمام ظاهرة يعيشها شباب وليست مجرّد أرقام. مثل هذه الدراسات تكفينا خطر التعميم وخطر الأفكار المسبقة. في جامعات عديدة وفي مراكز أبحاث دولية تمت دراسة الظاهرة وأهم إستنتاج خرجت به دراسة سوسيولوجية تمت في جامعة أكسفورد البريطانية حول السير الذاتية لما يقارب 400 إرهابي في المنطقة العربية ومناطق أخرى هو أن نسبة عالية من هؤلاء من ذوي الإختصاصات الهندسية وأن المتخصّصين في الدراسات الدينية لا يمثلون إلا نسبة ضئيلة من هؤلاء الإرهابيين الذين وقعت دراسة سيرهم الذاتية. في موضوع شائك مثل هذا لا يسمح بالتعميم وإطلاق العنان للأستريوبات وللأحكام المسبقة. بالنسبة لموضوع العائدين من سوريا، لدينا الآن طريقتان إما التعامل أمنيا فقط مع هؤلاء الأشخاص أوالتفكير جديا في إدماجهم في الحياة العامة. ولكن إذا اكتفينا بالحلول الأمنية فهذا لن يدفع هؤلاء إلا إلى إعادة التجربة من جديد. والمرصد الوطني للشباب مستعدّ للمساهمة في هذا المجهود البحثي المهمّ. الحكومات الانتقالية لم تنصف شباب الأحياء الفقيرة والمهمّشة، لماذا ؟ نعرف ان الشباب في الأحياء الفقيرة وذات الكثافة السكانية المرتفعة مرشحون بارزون للهجرة السرية ولاستهلاك المخدرات والإنخراط في الجريمة المنظمة والإرهاب خاصة ان الأرضية مهيأة لذلك،الدولة تقول انه لا يمكنها استيعاب طلبات التشغيل المتزايدة لأنها لا تملك الموازنات والإعتمادات وبالتالي السؤال المطروح ماهي الحلول المقترحة لهؤلاء الشباب المهمشّين؟ على المجتمع المدني والمنظمات والأحزاب السياسية المساهمة في إعادة «الحياة» وبث الديناميكية للأحياء ذات الكثافة السكانية العالية. هناك مفهوم « الخدمات الصديقة في المدن» وهي مجموعة الخدمات التي يحصل عليها المواطن والشاب في كل ما يرتبط بحياته اليومية مثل الخدمات الصحية والتعليمية والترفيهية وخدمات النقل والتنقل وغيرها وتكون الخدمات – وهي من مشمولات الدولة- صديقة عندما تقدم وتنجز بشكل جيد وتعطي لمستهلكها شعورا بأنه محترم وبأنه قد إرتقى فعلا الى درجة المواطنة المطلوبة. الخدمات الموجودة في الأحياء الشعبية ذات الكثافة السكانية العالية هي خدمات «عدوّة» تثير الشعور بالإهانة فهي إما منعدمة وإما ذات جودة ضعيفة جدا. الشعور بالمهانة هوالذي يؤجج الشعور بالدونية الذي يتحول بدوره إلى جريمة منظمة ومخدرات وإرهاب. حسب إستبيان قام به المرصد فإن 52٫4 ٪ من الشباب ينوون المشاركة في الإنتخابات القادمة فهل هذا مؤشر إيجابي ؟ نعم هو مؤشر إيجابي يمكن البناء عليه،هناك شعورا لدى الشباب بجدوى المشاركة في الإنتخابات القادمة، وإذا تأملنا الإنتخابات السابقة فإن نسبة الشباب الذين شاركوا فيها كانت ضعيفة ولكن حسب إستطلاعات الرأي الأخيرة للمرصد الوطني للشباب فإن هناك رغبة في المشاركة في الإنتخابات القادمة وفي الحقيقة لا يوجد شيء يضاهي مشاركة الشباب في الحياة العامة وفي الإنتخابات وهو ما يدفعنا كمرصد وطني للشباب إلى إنجاز برنامج سيحمل عنوان «الديمقراطية في حاجة إلى الشباب». لقد تعودنا على أن الشباب هو دائما مصدر للطلبات، هو دائما في حاجة إلى.. ولكن بهذا العنوان قلبنا الوضعية وجعلنا نجاح الديمقراطية يحتاج إلى قدرات الشباب وإلى حماسهم والتزامهم ورغبتهم الجادة في إنجاح المسار الديمقراطي. لا ننسى أن الديمقراطية في حاجة إلى النساء أيضا. أثارت إحدى الإستبيانات التي قام بها المرصد وتتعلّق بحنين البعض إلى النظام السابق ضجة كبرى، لماذا ؟ إحتوى الإستبيان على سؤال تضمن العديد من الإقتراحات من بينها فترة ما قبل 14 جانفي وتعلق السؤال بتعبير البعض عن شعورهم بالإحباط ووجدنا أن 13 بالمائة من المستجوبين عاودهم الحنين الى النظام السابق ولكن يجب ان نقرأ هذه الإجابات قراءة صحيحة اي انّ هناك نوعا من الإرتباك والإحباط . السؤال المطروح هو متى يتذكر الناس النظام السابق؟ يتذكرونه عندما تكون هناك أزمة إقتصادية أو إغتيالات... وبالتالي يجب ان نعمل على إخراج النظام السابق من أذهان الناس بتسلطه وجبروته وممارساته. ويكون التخلّص بالعمل وبإرساء منظومة عادلة لأن النظام السابق ليس نظاما فقط بل هو ثقافة كاملة ورؤية للأشياء فالقضاء على النظام السابق لا يعني التخلص منه ماديا بل الأهم من ذلك التخلص منه رمزيا عبر إرساء العدالة الاجتماعية بشكل دائم. هل ظلمت الحكومات الإنتقالية المتعاقبة بعد الثورة الشباب في تونس؟ قد يكون كذلك، ولكن قد يكون الشباب ظلم نفسه أيضا، عندما نلاحظ ضعف المشاركة في إنتخابات أكتوبر2011 نقف على مستوى سلبية الشباب التونسي وعزوفه عن انتهاز فرص تحديد مصيره. التمثيلية الشبابية في الهياكل المنتخبة وهياكل أخذ القرار ضعيفة هي الأخرى . مواقع القرار أي السلطة بشكل آخر رهان سياسي بدرجة أولى وحوله تخاض الصراعات والتحالفات والتجاذبات والكل يريد أن يعيد تموقعة على الخارطة. وما على الشباب المهتم بالشأن العام إلا إدراك أهمية هذا الرهان والتعامل معه عبر آليات المشاركة المختلفة. والمقترح أن يكون الشباب فطنا لأهمية البعد المحلي لمشاركته. وهكذا يمكن أن يكون رهان الديمقراطية المحلية رهانا على الشباب. هل يمكن اعتبار ارتفاع نسبة العنوسة وتأخر سنّ الزواج من المؤشرات السلبية في المجتمع التونسي؟ من الناحية السوسيولوجية لا يمكن استعمال تعبير العنوسة لأنه مثقل بالأحكام المعيارية وهو يتضمن معنى الفشل الاجتماعي والتعبير الأسلم هو العزوبة كحالة مدنية . هل أن تأخر سن الزواج أو البقاء في حالة عزوبية مشكل حقيقي؟ لا ندري قد لا يكون كذلك بالنسبة للكثيرين لأن سلّم أولوياتهم تغير . ونحن دوما في حاجة إلى إعادة ترتيب هذا السلّم. الأولوية الآن للنجاح المدرسي، للشغل، للهجرة، للتمتع بالحياة خارج إطار الزواج لخوض التجارب المختلفة أيضا. مؤسسة الزواج مثل المؤسسة التربوية في حالة ضمور وتراجع. نكتشف ذلك من خلال نسب الطلاق العالية ومن خلال العنف المنزلي ومن خلال صعوبة رعاية الأبناء هذا إلى جانب وقع الثقافة الإستهلاكية التي تدخل العائلة في دوامة تلبية الحاجات. في السابق كانت العائلة هي التي تحدّد مسارات اختيارات الطرف الآخر وكل الفرص كانت متاحة بحيث لا يتطلب الاختيار أي وقت . أمّا الآن فقد تغيرت مسارات الاختيار وتعددت مراجعه الرمزية والثقافية والمادية والفردية والمهنية والجهوية وغيرها مما يجعل عملية الاختيار معطلة أو مؤجلة وهذا يزيد في تأخر سن الزواج إلى جانب المتطلبات الأخرى المدرسية منها والمادية. قد يكون الآن النجاح الفردي في الحياة أهم من النجاح الزواجي.. حاورته: بسمة الواعر بركات