نساند حكومة مهدي جمعة وندعمها حاورته: صباح توجاني تميز حزب «التكتل» طيلة فترة تحالفه مع «النهضة» و«المؤتمر» ضمن «الترويكا» التي قادت البلاد منذ انتخابات 2011 الى غاية تسلم حكومة الكفاءات المستقلة الحكم، بصوته «الخافت» حسب آراء عديد الملاحظين السياسيين وحضوره «المتواضع» الى جانب أحزاب عرفت هزات عنيفة كادت ان تقوض وحدتها الداخلية. حول استعدادات الحزب الذي ينكب مناضلوه اليوم على اعادة ترتيب بيته الداخلي للمواعيد السياسية القادمة، وما يخطط له في قادم الأيام كان ل«التونسية» لقاء بالناطق باسمه محمد بنور الذي يعتبر ان حزبه يظل كبيرا بالرغم من تواضع امكاناته المالية مقارنة ببعض الأحزاب الأخرى، مؤكدا ان «التكتل» لديه ثقة في قدرة التونسيين على اختيار الحزب الذي يمثلهم اكثر من غيره وتتوفر فيه مقاييس الإعتدال والوسطية. بنور اعتبر ايضا ان تجربة الإئتلاف كانت تجربة ثرية شكلت انموذجا في الداخل والخارج من ذلك ان عديد الأحزاب اليوم تفكر في التحالف مع حركة «النهضة»، مشيرا الى ان حزبه يفضّل التريث قبل الإنصهار مع احزاب تختلف مرجعياتها مع مرجعيته...كحزب للاعتدال والوسطية. سألت السيد محمد بنور حول ما يشاع من ان بريق حزب «التكتل» خفت بعد انفراط عقد «الترويكا» ورحيل حكومة علي العريض، فأجاب قائلا بهدوئه العادي: «بالنسبة لحزب «التكتل»، نحن اخترنا الطريق الصعب بعد انتخابات 23 اكتوبر 2011 بدخول ائتلاف ثلاثي حاكم. وهي تجربة اضحت نموذجا في الخارج وفي الداخل ايضا حيث لا تستبعد عديد الأحزاب السياسية اليوم الدخول في تحالفات ، وحتى أكون ادق ، لا تنفي عدة حساسيات سياسية إمكانية بعث ائتلاف مع حركة «النهضة» بعد الإنتخابات القادمة على ضوء ما ستفرزه صناديق الإقتراع واستحقاقات الفترة القادمة. ونحن في حزب «التكتل» كنا سباقين الى خوض هذه التجربة ولم نندم على ذلك اطلاقا لأن هذا الخيار قادنا في نهاية المطاف الى المصادقة على الدستور التوافقي للجمهورية الثانية. صحيح انه خلال فترة حكم «الترويكا» الأولى والثانية، كانت هناك العديد من العثرات والمطبات التي تخللت المسيرة وهو امر طبيعي بعد الثورة، فمهما كان لون الحكومة التي انبثقت عن انتخابات 23 اكتوبر 2011 لا يمكن ان تكون الفترة بلا هزات ولا عثرات وهي وضعية لا تختص بها تونس بل هي عامة لكل البلدان التي عاشت ثورات في تاريخها. اما بخصوص سؤالك عن احوال «التكتل»، فيمكن القول ان حزبنا خرج قويا من مرحلة حكم «الترويكا» خاصة وقد كللت التجربة باصدار الدستور الجديد وهذا لعمري هو الهدف الذي كان يرنو اليه الشعب التونسي بكل اطيافه وعملنا نحن صلب «التكتل» على تحقيقه. ومن الثابت ان «التكتل» قام بدور مميز خلال هذا المسار خاصة ما قدمه الأمين العام للحزب رئيس المجلس التاسيسي الدكتور مصطفى بن جعفر من جهود في ادارة المرحلة الصعبة المليئة بالعراقيل والتي اعقبت اغتيال السياسي محمد البراهمي. والجميع يذكر قراره الجريء بتعليق اشغال المجلس التأسيسي عندما رأى ان المجتمع التونسي مهدد بالإنقسام بين اسلاك شائكة ، وكان الوضع وقتها ينذر بالخطر الداهم، ولم نكن يومها بعيدين عن السيناريو المصري المخيف. تعليق اشغال المجلس دفع كل الأطراف الى مراجعة حساباتها والى الذهاب الى الحوار الوطني الذي شجعناه وشاركنا في اعماله منذ جولته الأولى ، في حين كانت عديد الأحزاب الأخرى تطالب بحل المجلس التأسيسي دون ان تملك حلولا لكيفية ادارة شؤون البلاد في صورة حله ... والواضح اننا كنا نسير نحو الفوضى العارمة لو اتفق الجميع على حل المجلس، وكان السيناريو المصري على مرمى حجر منا يومها. وبالنسبة ل «التكتل»، بعد خروج حكومة «الترويكا» من السلطة نحن بصدد النظر في ترتيب البيت من الداخل حيث وضعنا برنامجا للتنقل الى الجهات الداخلية، وهو ما شرعنا في تنفيذه حيث عقدنا اجتماعين عامين شعبيين ناجحين بكل من العاصمة وسوسة وصفاقس. كما برمجنا التحول الى العديد من المناطق الداخلية خلال الفترة القادمة، للإتصال بقواعدنا هناك. ونعتقد ان التجاوب الشعبي الذي وجدناه لدى انصار الحزب والمنتمين اليه في الجهات مرده الأداء الجيد للحزب سواء على مستوى العمل الحكومي أو على صعيد العمل النيابي، فالذين حضروا اجتماعات الحزب الشعبية من ابناء «التكتل» ومن غير المنتمين اليه لاحظوا عن كثب مدى الإرتياح الذي قابل به الرأي العام اداء مناضلي «التكتل»، والمتابعة الجيدة لتصريحات الأمين العام الدكتور مصطفى بن جعفر. ولكن «التكتل» بعد تحالفه مع «النهضة» سجل خروج العديد من الأسماء عن فلكه؟ نعم لقد غادر الحزب عديد المناضلين خلال مسيرة تحالفنا مع «النهضة» و«المؤتمر» ولكن خروجهم لم يؤثر على ثقل الحزب ولا على متانته، نحن نأسف لهذا ونعتبره ثمنا باهظا دفعه «التكتل» من أجل تحقيق المصلحة الوطنية لأن دخولنا في الإئتلاف الحكومي كان بالأساس من اجل صالح البلاد قبل صالح الحزب، نحن نقر بان اغلب المغادرين بصدد مراجعة مواقفهم اليوم وهناك حديث عن نيتهم العودة الى «البيت» فيما التحق البعض الأخر بحزب او اثنين في ظرف اشهر قليلة. ونحن نعتقد ان ما يسمى ب «السياحة الحزبية» ان دلت على شيء فانما تدل على ان الطبقة السياسية التي نشأت بعد 14 جانفي 2011 مازالت تفتقر الى التجربة الكافية في مجال العمل السياسي. فعلى المناضل السياسي مهما كان الحزب الذي ينتمي اليه عليه ان يتمسك باختياره، وان يساهم في الإرتقاء بحزبه، لأن لا شيء يأتيه جاهزا، ورجال الحزب ونساؤه هم من يصنعون مساراته والمواقف والأسس والبناء الحزبي يسير وفق هذا النهج .... فالإنخراط في حزب مهما كانت مرجعيته ليس كالدخول الى مطعم اكلات خفيفة فإمّا ان يعجبك ما يعرضه أو لا يروق لك....الأحزاب يبنيها الرجال والنساء ولذلك اعتقد ان هذه التجربة من شأنها ان تعطي اكثر اصرارا لكل المنتمين الى اي حزب، وانا لا اتحدث هنا عن حزب «التكتل» فقط، فمغادرة الحزب أو الإستقالة منه عند اول خلاف او ازمة لن تكونا الحل الأمثل للمشاكل الطارئة. كيف يقيّم «التكتل» أداء ابنائه في حكومتي «الترويكا» الأولى والثانية ؟ لقد بعثنا لجنة صلب «التكتل» وهي اليوم بصدد تقييم أداء وزراء الحزب الى جانب تقييم نواب الحزب في المجلس الوطني التأسيسي الى حد تاريخ المصادقة على الدستور. ونحن في انتظار نتيجة عمل هذه اللجنة ... ولكن يمكنني التأكيد أن اداء ابناء الحزب كان، بالمقارنة والأخذ بعين الإعتبار الوضع الذي تعيشه البلاد من تجاذبات سياسية ومع انتظارات الشعب التونسي من حكومات ما بعد الثورة وفي ظل المسؤولية الثقيلة التي تحملتها ، في مستوى الآمال التي علقها الحزب على مناضليه سواء في الحكومة او في المجلس الوطني التأسيسي. ونحن في «التكتل» نعتبر اننا قمنا بمهامنا على افضل ما يكون، والأكيد ان أي عمل لا يخلو من النقائص والأخطاء، ولكننا لم نرتكب اخطاء جسيمة في حق شعبنا، فابناء حزبنا لم يستغلوا الإدارة ولا المناصب التي تقلدوها ولم نحشرهم في مسؤوليات ولا في خطط غير مناسبة لهم. فعندما غادرنا الحكومة كانت ضمائرنا مرتاحة وراضية بما قدّمنا من خدمات ... « ماعملناش حسابات» شخصية ولم نستغل نفوذنا لخدمة مصالحنا الذاتية او الحزبية .. وهو ما يخلق لدينا ارتياحا عميقا بتأدية الواجب بكل نظافة. هل يمكن اعتبار رضا «التكتل» عن تحالفه مع «النهضة» سببا او دافعا قويا لعقد تحالف آخر معها مستقبلا ؟ بعد الإنتخابات ربما نفكر في ذلك وليس قبلها، لأنني لا أتصور وفق المنطق السياسي، انه بمقدورنا خوض حملة انتخابية مع احزاب لديها مرجعيات اخرى لا تتلاقى مع مرجعية «التكتل». بمعنى انه لا بد، حسب رايي، ان تكون مرجعيات الأحزاب المتحالفة فيما بينها، متقاربة حتى يمكنها تنظيم حملة انتخابية مشتركة، فلا يمكن ان يجلس في نفس منصة اي اجتماع شعبي انتخابي ممثلو او قيادات احزاب مرجعياتها مختلفة تماما او متقاطعة. أعتقد ان حزب «التكتل» الى اليوم لا يفضل التسرع لإبرام تحالفات قد تحل قبل الإنتخابات القادمة، فهناك ائتلافات حلت بسبب تسرع ابطالها واندفاعهم دون تفكير وترو... ولذلك اؤكد ان التحالف لابد ان تسبقه نقاشات معمقة لتوضيح الرؤية والطريق الذي سيسير فيه الإئتلاف. صحيح ان هناك تقاربا رسميا وغير رسمي، ونحن بصدد التحاور مع بعض الأحزاب على غرار «التحالف الديمقراطي» و«حزب العمل» وعدد من الأطراف السياسية الأخرى...كانت لنا لقاءات رسمية مع البعض ولقاءات غير رسمية مع البعض الأخر، وكما اسلفت نحن في «التكتل» نفضل التأني والتروي قبل التحالف او حتى التقارب... عموما عندما تتضح الرؤية اكثر ونصل الى قرار نهائي سوف نعلن عبر تنظيم ندوة صحفية عن تحالفنا مع هذا الطرف او ذاك... حزب «التكتل» حزب صغير، آلا يخشى الدخول وحده في الإنتخابات المقبلة؟ اولا حزب «التكتل» حزب كبير برجاله ونسائه المناضلين وبتوجهاته ومرجعيته وتاريخه النضالي الطويل، صحيح ان ميزانيته ليست كبيرة ولا تضاهي ميزانية بعض الأحزاب الأخرى التي من الطبيعي ان تكون في مقدمة نتائج مؤسسات سبر الأراء ... وهو امر يدعونا ويدعو الجميع الى التفكير جديا في المسألة ... لدينا حظوظ للفوز في الإنتخابات انطلاقا من قناعتنا بان التونسيين لديهم من الذكاء ما يؤهلهم لمعرفة من من الأحزاب له طاقة سياسية وثقل برامجي وقادر على التوفيق بين مختلف الأطياف الموجودة على الساحة خاصة انّ شعبنا يبحث عن التوافق ...وعن التعقل .. وعن الحزب الذي يعرف الى اين تسير البلاد وبمقدوره تقديم الإضافة وانارة سبيل المجتمع التونسي حتى يبلغ اهدافه... وهذا من وجهة نظري يستوجب وجود اسماء جربت فأفادت ونجحت ....صحيح ان هناك امورا لم ننجح فيها ولكن هناك امورا أخرى حققنا فيها نجاحا كبيرا ...وكلما تمت مقارنتنا بما يجري في الساحة السياسية اليوم وغدا ستكون الغلبة من نصيبنا ...والأكيد ان الكلمة الفصل في الإنتخابات المقبلة ستكون، كما في كل الإنتخابات، للشعب الذي سيعبر بكل حرية عن رأيه النهائي. ولا تنسي ان حزب «التكتل» يتمتع بثقة عديد الأوساط التي تحب لتونس الإعتدال والوسطية والوضوح في الرؤية وهي عوامل استراتيجية تتوفر بمرجعيتنا الحزبية ونحن نعمل وفقها وفي نهجها ولا نحيد عنها ابدا. ولذا يمكن القول باننا على ثقة بان صناديق الإقتراع ستحمل في طياتها نتائج ايجابية لحزبنا. ما هو موقف «التكتل» الرسمي من اول ظهور اعلامي لرئيس الحكومة الذي شخص الأوضاع بكل صراحة، واقترح حلولا عاجلة لإنقاذ اقتصاد البلاد ؟ كان الحوار التلفزي لرئيس الحكومة مهدي جمعة حديث مصارحة تكلم فيه عن عدم قدرة الحكومة على مزيد الإنتدابات في الوظيفة العمومية وهي حقيقة لا يجهلها الا جاحد، كما خاطب السيد مهدي جمعة الشعب بلغته التي يفهمها وصارحه بكل شجاعة بالحقائق الموجودة. تناول جمعة مسألة مكافحة الإرهاب وشدد على ان حكومته ماضية في تعقب الإرهابيين وملاحقتهم الى حين القاء القبض عليهم وقطع دابر الجماعات المسلحة التي مازالت تمثل خطرا على العباد والبلاد. نحن كحزب ، نساند جهوده وندعم توجهاته التي أعلن عنها لإنقاذ اقتصادنا الوطني فنحن على يقين بأن المرحلة صعبة وبان المهمة صعبة ايضا لأنها ترتكز على السير بالبلاد الى الإنتخابات القادمة بتحييد الإدارة وضمان شفافية الإستحقاقات المقبلة... اجمالا تنتظر رئيس الحكومة مهام كثيرة وصعبة ، ونحن نعلم انها حكومة كفاءات مستقلة بمعنى انه ليس لديها حزب وراءها يساندها ويدعمها، ولذا وجب ان تظل هذه الحكومة بعيدة عن التجاذبات السياسية، ولذا مطلوب من كافة الأحزاب المشاركة في الحوار الوطني والوقوف الى جانب هذه الحكومة ...وهو اقل واجب وطني ستقوم به هذه الأحزاب. أما في ما يتعلق بموقف «التكتل» فنقولها ونعيدها: نحن من المساندين لحكومة المهدي جمعة وسوف لن ندخر جهدا لدعمها. عاد الجدل بقوة حول مشروع قانون تحصين الثورة او لنسم الأشياء بأسمائها فنقول قانون العزل والإقصاء السياسي ، ماهو موقف «التكتل» من هذه المسألة في ظل صعود الدساترة وبروزهم بشكل جدي على الساحة السياسية؟ نحن في تونس عشنا ثورة قامت على وجوب مكافحة الفساد والإستبداد وطالبت بالحرية والكرامة واسقاط نظام سياسي دكتاتوري، واذا لم نتحدث عن خمسة عقود فلنتكلم عن ال 23 الماضية قبل الثورة، واذا قلنا إن كل من تحمل مسؤولية خلال حكم الرئيس المخلوع هو مسؤول يجب محاسبته، ففي ذلك شطط، واذا قلنا ان لا مسؤولية جنائية ولا سياسية له في ما حدث من انتشار الفساد والمحسوبية فان في ذلك تطرفا وشططا آخر... اعتقد انه يجب التوافق هنا في ما بيننا بأن كل ثورة في العالم حملت مسؤولية لمن ثبت بانه ساهم في الإستبداد وتعذيب الناس ورميهم في السجون واقصائهم من الحياة عامة ... هل معنى كلامك ان القضاء هو الفيصل ؟ القضاء يفصل في المسائل الجنائية اما القضايا السياسية فلدينا قانون العدالة الإنتقالية والحوار الوطني اللذين بامكانهما تحديد مسؤولية كل شخص من الناحية السياسية....علينا اولا الإتفاق بشأن المسؤولين عما حصل خلال الثلاثة والعشرين عاما الماضية ... اعتقد ان الحوار الذي بدأ بهذا الخصوص سيكون جديا ونحن في حزب «التكتل» نقول إنه في نهاية المطاف يجب ان نصل بعد مرحلة تنفيذ العدالة الانتقالية، الى مرحلة المصالحة ... والشعب التونسي هو الذي سينتخب ويقرر مصير كل مترشح للإنتخابات القادمة وعليه فان صناديق الإقتراع ستكون هي الفيصل في حقيقة الأمر وستحدد اختيارات الشعب وعندها ستعود الحقوق الى اصحابها وستعاقب الصناديق كل من أجرم سياسيا في حق الشعب ولم يحاسب ولكن التونسيين لم ينسوا ما اقترفه».