تحقيق باسم السندي أعلنت في شهر ماي من السنة الفارطة المصالح المركزية لوزارة الداخلية عن وجود ما يسمى ب «خلية ورغى الارهابية» بالسلاسل الجبلية الممتدة بين ولايتي الكاف وجندوبة ، وقدمت وقتها قائمة مفصلة في بعض عناصرها موضحة بأنها تضم ما بين 12 و 15 عنصرا ارهابيا مسلحا. ورغم ورود معلومات مؤكدة مفادها تحول اميرها وزعيمها المفترض المدعو «م.م» الى سوريا منذ اشهر فان كل المعطيات ترجح تواجدا ارهابيا محتملا بسلاسل جبال «ورغى». معركة «ورغى»: الحرب الباردة على الارهاب تخوض وحداتنا الامنية والعسكرية منذ اكثر من سنة حربا باردة على الارهاب ،بأتم معنى الكلمة، في سلسلة جبال «ورغى» الممتدة بين ولايتي الكاف وجندوبة. وهي حرب ظلت خفية عن الرأي العام في تونس وبعيدة عن عدسة المصورين واقلام المحققين والصحفيين. فقبل اكثر من سنة ومنذ مساء يوم 7 فيفري 2013 انطلقت اول عملية تمشيط امنية وعسكرية ضخمة بهذه المناطق الوعرة. ومنذ ذاك التاريخ تواترت العمليات الامنية والعسكرية وشملت أجزاء مختلفة من سلسلة جبال «ورغى». كما تكونت وحدات مشتركة عهدت اليها مهمة متابعة العناصر الارهابية المتحصنة بهذه المناطق وتنسيق التدخلات الميدانية وجمع المعلومات الاستخباراتية وتذليل الصعوبات اللوجستية علاوة على تكوين فرق تهتم بتبادل المعلومات الاستخباراتية والمحينة مع الطرف الجزائري . ومكنت مجمل هذه التدخلات الميدانية من تطوير القدرات اللوجستية لوحداتنا الامنية والعسكرية ومثلت اطارا واقعيا للتدرب العملي على التدخل الميداني المشترك .كما تمكنت مختلف هذه الاجهزة من الظفر بكم هائل من المعلومات المفصلية امكن بفضلها ايقاف عدد من المتعاونين مع عناصر خلية «ورغى» الارهابية وساهمت بدورها في افشال كل محاولات الارهابيين لمغادرة جحورهم وعرقلت كل تنقلاتهم ومنعت تدريباتهم وشلت حركاتهم. وما كان هذا ليتحقق لولا الدفع بتشكيلات متكاملة من الجيش والحرس والامن الوطني ، معززة في ذلك بفرق في مكافحة الارهاب مختصة فائقة التدريب وعالية الجاهزية، الى المناطق المتاخمة لسلسة جبال «ورغى» لتعمل «ليلا - نهارا» في شكل فرق استمرار تعمل على مراقبة مختلف هذه المناطق. كما لعب متساكنو هذه الجهات دورا هاما في كشف تحركات الارهابيين والابلاغ عنهم وهو تعاون تم بفضل حسهم الوطني وبفضل الثقة التي زرعها الامنيون والعسكريون في صفوف الاهالي بحكم تواجدهم الدائم بهذه المناطق وتواصلهم السلس والمستمر مع ابناء هذه الجهات... شهادات وإفادات عن تحركات مشبوهة افاد عدد من المواطنين المتواجدين بالمناطق المتاخمة لسلسة جبال «ورغى» ل«التونسية» عن ابلاغهم الوحدات الامنية المتمركزة بالجهة اكثر من مرة عن وجود تحركات مشبوهة لعناصر إرهابية يفترض اختباؤها بهذه الجهات. كما جدت عدة احداث في الفترة الاخيرة ترجح فرضية وجود هذه العناصر، فقبل نحو شهرين اصيب فلاح اصيل منطقة «عرقوب الضرو» من عمادة «جرادو» بمعتمدية ساقية سيدي يوسف بطلقتين من سلاح حربي ليلا عند اكتشافه لمجموعة تتكون من 3 افراد يلبسون زيا افغانيا قدموا لسرقة «البطاطا» و «البسباس» من مزرعته. كما تم بعدها بيومين الاعلام عن محاولة مجموعة تتركب من ثلاثة أو اربعة عناصر السطو على محتويات مطعم مدرسة الحزيم. ووفق احد المواطنين فان امرأة اصيلة الجهة ابلغت الوحدات الامنية مؤخرا عن مشاهدتها لثلاثة عناصر مشبوهة بواد هناك وامكن لها التعرف على احدهم بعدما عرضت عليها هذه الوحدات صور بعض الارهابيين. كما ذكرت مصادر امنية رفيعة ل«التونسية» ان مصالحها بالجهة كثيرا ما تصلها معلومات مفادها ملاحظة مرور سيارات بلا لوحات منجمية بمسالك هذه الجهات او تردد غرباء على هذه المناطق تحوم حولهم شبهة تمويل العناصر الارهابية او الاستماع ليلا الى دوي طلق ناري في الجبال او الارتياب في حركات مشبوهة بالغابات أو الاودية المجاورة للمناطق السكنية كثيرا ما ترصدها كلاب الحراسة التي يملكها بعض الاهالي بالمنطقة.. وفي كل مرة كانت الجهات الامنية المعنية تتحرك وفق ما تقتضيه الوضعية للتدقيق في جدية الافادة وتبويبها وتنزيلها في سياقها ضمن مسار التتبع المتواصل لأثار خلية «ورغى» الارهابية. الجماعة الإرهابية ولعبة الظهور والتخفّي تمارس عناصر خلية «ورغى» الارهابية، ومنذ الاعلان الفعلي من قبل المصالح المركزية لوزارة الداخلية يوم 6 ماي 2013 عن وجودها بهذه المناطق، لعبة الظهور والتخفي وهي واحدة من اقدم التكتيكات الحربية التي تميزت بها هذه الجماعات المسلحة ومثيلاتها من الخلايا الارهابية . وهدفها من ذلك هو تشتيت مجهودات الامنيين والعسكريين وكسر حلقات الخناق المفروضة حولها . ولم تتوان هذه العناصر في ممارسة لعبتها المفضلة(لعبة الظهور والتخفي) حتى زمن عمليات التمشيط حيث ذكر مصدر رفيع من الحرس الوطني ل «التونسية» ان عددا من العناصر الارهابية كانت تطلق وابلا من الطلقات ليلا من مكان مجاور لمنطقة غابية قريبة بعمادة «جرادو» من معتمدية ساقية سيدي يوسف كانت الوحدات الامنية والعسكرية تطوقها وتراقبها آنذاك استعدادا لتمشيطها من الغد.. كما ان المتتبع للشأن الامني بهذه المناطق يلاحظ ارتفاعا نسبيا في عدد الافادات الوافدة على المصالح الامنية والمتعلقة برصد تحركات مشبوهة للارهابيين كلما شددت وحداتنا الأمنية والعسكرية خناقها على ارهابيي جبل «الشعانبي» او تحركت خلايا اخرى على غرار ما وقع من احداث متفرقة في مناطق «قبلاط» و«سيدي علي بن عون» و «رواد» و «اولاد مناع» بجندوبة. ورغم هذه التحركات التي يعلم الارهابيون بلوغ صداها الى الجهات الامنية فإن خلية «ورغى» ظلت عاجزة عن الظهور العلني كمثيلاتها ليقينها بحتمية سقوطها في مصيدة وحداتنا الامنية والعسكرية اذا عزمت على ما نوت واقدمت على ما اشتهت ... هل دقت ساعة الحسم؟ وفق ما افادت به مصادر امنية وعسكرية رفيعة ل«التونسية» فان وحدتنا الامنية المختلفة تمسك بالخيوط الرفيعة المتعلقة بخلية «ورغى» الارهابية و على بينة من كلّ حركاتها وسكناتها. واضافت المصادر ذاتها ان الاجهزة الامنية تملك كما هائلا من المعلومات القيمة التي تتكتم عليها لدواع واعتبارات امنية بحكم تواصل العمليات الامنية والعسكرية . وتقول المصادر ذاتها ل«التونسية» ان الفرق الامنية والعسكرية المختصة كثفت في الاشهر الاخيرة من نشاطها الميداني بهدف الوصول السريع الى تفكيك هذه الخلية الارهابية ومنعها من القيام باي نشاط ارهابي قد يستهدف امن البلاد والعباد.. وللغرض عززت هذه الوحدات من وسائلها اللوجستية والبشرية كما حصلت على معدات وتجهيزات جديدة متطورة بهدف رقمنة عمل مختلف هذه الفرق وتعصيره لإحكام سيطرتها على الوضع الامني في سلسلة جبال «ورغى» عبر تجاوز معيقات التضاريس الوعرة والامتداد الغابي الرهيب . ووفق ما رصدناه من شهادات ميدانية لسكان يعيشون بالمناطق القريبة من سلسلة جبال «ورغى» ولشهادات امنيين وعسكريين ميدانيين فان كل المعطيات تؤشر الى انهيار قريب لخلية ورغى الارهابية بعدما انقطعت السبل بها واصبحت عاجزة عن تمويل نفسها والبقاء بعيدا عن اعين المواطنين والامنيين وليقين عناصر هذه الخلية بدخولها في حلقة مفرغة من العمل العبثي لا طائل من ورائه خاصة في الفترة الاخيرة التي عززت فيها وحداتنا المسلحة من خناقها على هذه العناصر وكثفت من رقابتها الصارمة على منابع التموين معتمدة في ذلك على تقنيات جديدة يجهلها الارهابيون.. وبالنظر الى هذه المعطيات وفي ظل عدم تكافؤ القوى بين وحدات نظامية باسلة وعناصر ارهابية متهاوية فان نهاية خلية ورغى الارهابية تبدو قريبة جدا، فقد يسقط جميعها عند اول عملية يائسة قد تنفذها او قد تستسلم عناصرها وتلقي بسلاحها بعدما انقطع عنها الغذاء والماء واصبحت تعيش على ذرات الهواء.. نجاحات أمنية خفية تمكنت الوحدات الامنية والعسكرية الوطنية خلال الاشهر الماضية من تحقيق عدة نجاحات في اطار ملاحقة عناصر خلية «ورغى» الارهابية ،نجاحات ظلت خفية عن الرأي العام في تونس ومن اهمها النجاح في قطع شرايين الحياة عن الارهابيين عبر كشف شبكة المتعاونين والمخبرين المتواطئين معها وايقاف عدد كبير منهم. ولعل آخر هذه النجاحات في هذا الاطار عملية ايقاف احد ابرز الممولين قرب مصب الفضلات ب«وادي الزرقة» واعتراف الموقوف بتسليم كل من «ص.ق» و«ط.س» ، احد أخطر منتسبي خلية «ورغى» الارهابية ، كمية من المواد الغذائية والاستهلاكية المختلفة ، كما نجحت مختلف هذه الوحدات في تنسيق جهودها وترشيدها وتنظيم تدخلاتها وتركيز منظومة امنية متطورة تقوم على العمل التشاركي، فأصبحت تحركات مختلف الفرق اكثر نجاعة وحرفية. كما تمكنت الوحدات الامنية والعسكرية من افشال مخططات الارهابيين لإقامة معسكرات للتدريب ومنعتهم من التسلل خارج مخابئهم في انتظار اصطيادهم الواحد تلو الاخر.. وامام عظمة هذه المجهودات وكثافة التدخلات وتواترها بفضاء طبيعي صعب وقاس تبقى مختلف هذه الوحدات في حاجة ماسة الى دعم وسائل العمل وتنويعها رغم توفرها بشكل مرضي وفق ما اكده مصدر نقابي امني هذا بالنظر الى ما يمكن ان تمثله خلية «ورغى» من خطر اذا تم تجاهلها او التقليل من شأنها رغم انهاكها و بداية تآكلها ، كما ان المجتمع المدني مطالب اليوم واكثر من اي وقت مضى بلفتة عاجلة الى ابنائنا البواسل من الامنيين والعسكريين العاملين بالخطوط الامامية والمراكز الحدودية لتحفيزهم معنويا على مزيد العمل والعطاء من اجل ضمان سلامة الوطن. كما ان للاعلام دوره الجوهري في تثمين نضالاتهم ومجهوداتهم وتحسيس المواطنين القاطنين بأماكن التوتر بأهمية التعاون مع المؤسستين العسكرية والامنية وتيسير عملها لتتكاثف بذلك مجهودات كل الاطراف حتى يتسنى القضاء على آفة الارهاب و اجتثاثه من الجذور...