زار تونس هذه الأيام وفد رفيع المستوى للبنك الدولي لتقييم الأداء الإقتصادي في تونس ومدى التزام الحكومة بالإصلاحات الخاصة بالحوكمة والشفافية. وعلمت «التونسية» أن البنك الدولي أعد موقفا جديدا حول أداء القطاع الخاص في تونس والضعف الذي شهده على مستوى خلق فرص العمل في البلاد. وكشف البنك الدولي أن الدولة قدمت حوافز بالمليارات للاعراف من أجل التشغيل إلا أنه تبين أن التكلفة المباشرة للحوافز عالية جدا بالمقارنة مع تأثيرها المحدود، وقد أظهر تحليل تكاليف قانون الاستثمار الحالي أنّ التكلفة الإجمالية للحوافز لفائدة الخواص تقارب ٪2.2 من الناتج المحلي الإجمالي (قرابة 1700مليون دينار في السنة) وأنّ ٪79 من هذا المبلغ يعود بالفائدة على الشركات التي استثمرت حتى في غياب الحوافز). وبيّن البنك الدولي أن أقّل من 2500 شركة تلقت معظم هذه الحوافز، وأنّها شركات تترّكز أساسا في القطاعات غير كثيفة اليد العاملة والتي لا تحتاج لحوافز، وهي قطاعات التعدين والطاقة والخدمات المصرفية. وقال البنك إنه نتيجة لذلك، فإنّ تكلفة كّل وظيفة إضافية تّم إنشاؤها هي كلفة مرتفعة جدا بالنسبة إلى تونس،وذلك بما يعادل 20.000 دولار أمريكي (30 ألف دينار) لكل وظيفة إضافية. وقال وفد البنك إنّه وبالإضافة إلى ذلك، فإّن قانون الاستثمار قد جذب الاستثمارات «ذات القيمة المضافة المنخفضة – مما أدى إلى اختلال الإنتاج مقابل الحاجة الماسة للأنشطة ذات القيمة المضافة العالية اللازمة لتوظيف الخريجين. وعلاوة على ذلك ، فإّن أكثر من ٪85 من المشاريع والوظائف المستفيدة من الحوافز أنشئت في المناطق الساحلية، مما أدى إلى تفاقم الفوارق مع المناطق الداخلية. وبيّنت مصادرنا داخل البنك الدولي أن مجلس إدارة البنك سجل اخلالات كبيرة لرجال الأعمال التونسيين في الاستثمار في جذب الإستثمارات وتعزيز النمو الإقتصادي وفرص العمل، وخاصة الرفض المتواصل للاستثمار في الجهات الداخلية. وكشف تقرير للبنك الدولي يتم إعداده لنشره قريبا عن البيئة الاقتصادية في تونس أنّ السياسة الصناعية وقوانين ومؤسسات أسواق العمل شجعت الأنشطة ذات القيمة المضافة المنخفضة وأنّ السياسات الزراعية أعاقت بدورها عملية تطوير المناطق الداخلية عوض دعمها. كما تعرّض التقرير لسياسات التدخل الحكومي الداخل في خانة المحسوبية والتشجيع على الفساد حيث أكد البنك الدولي أن الفساد لم يتراجع بعد الثورة وأنّ روح المبادرة والاستثمار في القطاع الخاص بقيه بطيئة. وانتقد البنك الدولي في تقريره ضعف حراك الشركات التونسية الخاصة، وعدم قدرتها على الدخول إلى أسواق جديدة من خلال النمو أو الإبتكار الذي بقي محدودا للغاية ومرتبطا بشكل ضعيف بالإنتاجية. ويعود هذا الأداء الضعيف للشركات حسب البنك الدولي إلى وجود قيود في البيئة الاقتصادية الحالية في تونس. وأضاف تقرير البنك الدولي أنه خلافا لما يعتقده البعض أنّ الشركات ذات الإنتاجية العالية هي الأكثر ربحية ونجاحا، فإنّ الأمر في تونس هو غير ذلك وقال البنك أن الابتكار والانتاجية لا تتم مكافأتهما في تونس. وبين البنك الدولي أن القطاع الخاص في تونس فشل في خلق النمو وفرص العمل المطلوبة وأنّ تخصيص الموارد لا يتميز بالكفاءة إضافة إلى أن عددا قليلا من الشركات تمّكن من تحقيق النمو إذ أنّ أن إجمالي خلق فرص العمل الصافية كان مخيبا للآمال. وعلمت «التونسية» أن البنك الدولي سيطالب بإعادة هيكلة القطاع الخاص في تونس الذي تحصل على تمويلات كبيرة من الدولة وخصوصا بقروض من البنك الدولي ولم يتم استثمارها حيث بقي الاقتصاد التونسي تحت هيمنة شركات صغيرة وغير منتجة نسبيا. و عبر البنك الدولي عن أسفه لأن الشركات الكبيرة تفوق باستمرار الشركات الصغيرة من حيث صافي خلق فرص العمل والإنتاجية والأداء التصديري، وتوفر وظائف أكثر استقرارا. وأشار البنك إلى أنّه يوجد في الوقت الحاضر نقص على مستوى الشركات الكبيرة في تونس وهو ما يوحي ببيئة اقتصادية تشكو من الإختلال الأمر الذي يجبر الشركات على أن تظل صغيرة . وطلب البنك الدولي من تونس التوجه نحو قطاعات الخدمات والتقليص من التمويلات المكثفة لشركات خاصة غير قادرة على التوجه نحو المناطق الداخلية وتقتصر على العمل في الجهات الساحلية. وشجع البنك الدولي في تقريره على أن يصبح قطاع الخدمات عاملا لتعزيز التحول الهيكلي للاقتصاد التونسي ومصدرا لنمو ديناميكي وخلق فرص العمل، وخصوصا للخريجين. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن تحرير قطاع الخدمات بشكل شامل قد يعزز النمو والاستثمار بنقطة مئويّة ويؤدي الى خفض معدل البطالة بنسبة ٪2.4 مطالبا تونس بتسريع التكامل التجاري واعتماد استراتيجية «هجومية» في قطاعات الخدمات ممّا يوفّر إمكانية كبيرة للتّصدير. وقد تم من خلال الدراسات السابقة تحديد العديد من القطاعات ذات الامكانات الكبيرة على غرار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ونقل مراكز الانتاج الى الخارج، والخدمات المهنية ، ووسائل النقل والخدمات اللوجستية والسياحة.