قرصنة... سرقة... غفلة ...تتعدّد المسميّات والقضية واحدة:انتهاك للملكية الفكرية ! كما تتعدد وتتلوّن حكايات الفنانين والمبدعين المتضررين من هذا التعدي على عصارة فكرهم وهضم مستحقاتهم المادية والأدبية وكم من فنان ذاق الجوع والتشرد في نهاية مسيرته ... وإن كانت بلادنا تتمتع بترسانة من القوانين في المجال فإن التطبيق بقي غائبا ! وفي هذا الإطار افتتحت امس المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة بأحد النزل بالعاصمة فعاليات «الأيام التحسيسية لنشر الملكية الأدبية والفنية» التي تتواصل إلى غاية يوم 29 مارس الجاري في جولة على ولايات صفاقس والكاف وأريانة ومنوبة . «لا مجال للاستثمار الثقافي دون التطبيق الفعلي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة ... ففي السنوات الأخيرة أصبح الفنان رهينة بيد السلطة ولا بد من تحرّره من التبعية تجاهها». هكذا صرح وزير الثقافة مراد الصقلي في افتتاح الأيام التحسيسية لنشر ثقافة الملكية الأدبية والفنية مبرزا الأبعاد الأدبية والمادية والاقتصادية لحماية حقوق المبدع والفنان في شتى المجالات . وزارة الثقافة تنتهك الملكية الفكرية ! لم يخف الصقلي تورط الوزارة بدورها في انتهاك حقوق الملكية الأدبية والفنية قائلا: «حتى وزارة الثقافة تساهم في التعدي على حقوق الفنانين والمبدعين من خلال استغلال إبداعاتهم مجانا في المهرجانات...» وأوضح الصقلي أن الوزارة وضعت هذا الملف في قائمة أولوياتها ووضعت لذلك استراتيجية تتلخص في ثلاثة محاور يتمثل الأول في مرحلة التحسيس ثم المرور إلى المحور الثاني وهو توجيه مراسلات التنبيه إلى الإذاعات والتلفزات والمؤسسات الكبرى ...وأخيرا الوصول إلى مرحلة الردع ورفع الأمر إلى القضاء. ولم يتردد وزير الثقافة في نزع رداء الوزير والالتحاف بثوب الموسيقي قائلا مخاطبا مدير مؤسسة حماية حقوق المؤلف : «أنا اليوم وزير ...أما غدا فسيكون مكاني بين هؤلاء (مشيرا إلى الحضور من الفنانين والمبدعين)وسأسأل مثلهم بصفتي موسيقي عن حقوق الفنان ومتى سيكون التنفيذ ؟ لذلك عليكم إحاطة الجميع علما بكل المراحل والآجال ..» نقائص... وارتباط بالآجال من جانبه شدد مدير المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة يوسف بن إبراهيم على أن خطة عمل المؤسسة مبنية على مؤشرات ومُرتبطة بآجال للمتابعة وليست مجرد تنظير . وكشف بن إبراهيم عن وجود عدة نقائص لوجستية وتشريعية وتقنية وبشرية تحول دون حسن تطبيق قوانين حماية الملكية الفكرية والأدبية واستخلاص مستحقات الفنانين والمبدعين . وقال إن المؤسسة بصدد إجراء إصلاحات وتحسينات على طريقة عملها وتدخلها من ذلك تعزيز العنصر البشري وتطوير المنظومة التقنية والرقمية والعمل على الحضور التدريجي بالجهات ... أما مهدي النجار كاهية مدير بمؤسسة حقوق المؤلف فقد كشف انه على عكس عديد البلدان في العالم التي تتخذ من الصناعات الثقافية دعامة للتنمية وموطنا للتشغيل حيث تساهم ب 8 %من الناتج الداخلي الخام فإن نسبة الصناعات الثقافية في تونس لم تتجاوز 0.64 % في حين أن المغرب الشقيقة تخطت نسبة 2 %. دسترة ...وماذا بعد ؟ وتحت عنوان «المنزلة الدستورية للملكية الفكرية» قدم المحامي أحمد بن حسانة مقاربة قانونية تطرق فيها إلى أهمية دسترة حق الملكية الفكرية في الدستور الجديد وفق ما نص عليه الفصل 41 منوّها بأهميته في إكساء هذا الحق حصانة قانونية. ولكنه تساءل : «ما قيمة الدسترة وحجم الإضافة الناجمة عنها؟» وأضاف أن تونس كانت سباقة في هذا المجال على مستوى التشريع لكنها كانت سباقة أيضا على مستوى الانتهاك. ونادى الأستاذ بن حسانة بالموازنة بين حق المبدع في التمتع بعائدات إبداعه وبين حق المواطن في الاستمتاع بالإبداع...