سئمنا من الوعود وتعبنا من الانتظار أبناؤنا «بطّالة»..شتاؤنا وَحَلٌ وصيفنا عطش لا قنوات تطهير.. لا شهائد ملكية.. لا طرقات ولا نقل «في حيّ المباركة..الوضع بارك» ريبورتاج: بسمة الواعر بركات يبعد «حي المباركة» حوالي 20 كلم عن العاصمة ،وهو ينتمي جغرافيا الى ولاية أريانة ويعتبر من أقدم الأحياء وأعرقها في سيدي ثابت ولكنه بلا بنية تحتية ولا طرقات مهيأة،ولا منازل مرقمة ولا عناوين للسكان حتى ان البعض من الأهالي والى غاية اليوم يضطرون الى منح عنوان «العطّار» لتصلهم الحوالات البريدية أو بطاقات الأعداد المدرسية. ورغم وجود أكثر من 4 آلاف ساكن بهذه المنطقة فإن اغلب اهالي الحي لا يملكون شهائد ملكية ولا يمكنهم البيع أو التفريط في مساكنهم أو الحصول على قروض بنكية لأن المشاكل العقارية بهذا الحي فريدة وغريبة وعندما تتوغلّ قليلا في هذا الحيّ باتجاه جبل «بن عمار» تصدمك الحياة البدائية للسكان والتي تذكرك بالقرون الوسطى خاصة أمام وعورة المسالك الريفية وصعوبة التنقل وغياب المرافق الأساسية والتي قد تنغص عليك التمتع بروعة وجمال المناظر الطبيعية. «حي المباركة» لا يبعد سوى عشرات الكيلومترات عن المنازه والمنارات وحي النصر ولكن أهاليه يؤكدون ان النظام البائد لم ينصفهم رغم زيارة المخلوع سابقا لهذا الحي،كما قالوا ان الثورة ورغم ما رفعت من شعارات لم تغيّر واقعهم المرير. هنا قد تجد نفسك في طريق جزء منه معبد والنصف الآخر لا، انهج بلا قنوات تطهير ولا خدمات صحية ... في جبل «عمار» ينتظر الأهالي «الفرج» وحنفية عمومية تعيد اليهم الأمل في ماء طالما حلموا به يغنيهم عن البحث وتصفية مياه الأمطار والآبار. «التونسية» زارت سكان «حي المباركة» واستمعت الى شواغلهم وهمومهم ونقلت معاناتهم فكان التحقيق التالي: في أعلى حي «المباركة» تقطن «مباركة بن محمود» ..هناك تعيش رفقة عائلتها في جبل «عمّار». هذا المكان يفتقد الى أبسط مقومات العيش الكريم وأكثر ما يؤرق السكان غياب الماء الصالح للشرب، هنا لا حنفية عمومية ولا ماء ولا هم يحزنون.. تقول مباركة: «احيانا نقتني قوارير مياه معدنية للشرب او ننتظر هطول الغيث النافع لجمع بعض الكميات من الماء مؤكدة انهم يضطرون الى تصفية مياه الامطار. وأضافت «مباركة» انّ حياتهم تتحول الى جحيم في فصل الصيف ثم قالت: «عطاشى» ونحن معرّضون للجفاف، وأضافت انهم يضطرون إلى قطع مسافات طويلة والتوغلّ في المسالك الوعرة لجلب الماء من الأحياء المجاورة. تنهدت «مباركة» قبل ان تضيف انّ الطريق صعبة وخاصة في فصل الشتاء، وان سيارات «التاكسي» ترفض التوغل داخل المسالك الريفية وعادة ما توصلهم الى حدود الطريق المعبدة ثم عليهم ان يكملوا بقية المسافة مشيا على الأقدام، وكشفت ان والدها مرض ذات مرة ولم يجدوا كيف ينقلونه الى المستوصف وبعد عدة محاولات تمكنوا من إستئجار سيارة خاصة ،واكدت انهم يضطرون في كثير من الأحيان الى كراء سيارة ب20 دينارا لجلب قارورة غاز. غير بعيد عن مباركة كانت الحاجة «بيّة بن حسونة» أرملة تسير في المسالك في اتجاه بيتها شبه المعزول. قالت إنّ المرض أنهكها وانها تعاني من مرض «الكلى» وأكدت أن في كفالتها 4 أولاد كلهم عاطلون عن العمل وأنها رغم تقدمها في السن هي التي تهتم بالعائلة ومصروف الأبناء . تعيش «بيّة» في مكان لا حياة فيه ،لا طريق معبدة ولا مقهى ولا «عطار» وأكدت أن أعمار أولادها بين الأربعين والثلاثين سنة ولكنهم لا يملكون أية وظيفة ولا مرافق تعيد اليهم الأمل وقالت انهم لا يتمتعون كغيرهم من شباب العاصمة بالفضاءات الترفيهية والمقاهي حتى انهم انقطعوا عن الدراسة لقلة الإمكانيات المادية وضيق اليد. وقالت «بيّة» إنها تتقاضى منحة ب100 دينار وان ذلك كل ما تملكه من موارد مالية، وأضافت انها كثيرا ما تستغني عن شراء دوائها لتأمين لقمة العيش الصعبة، كما أكدت انها لا تقتني ما تشتهيه لتتمكن من إعالة أولادها ،واعتبرت انهم يعانون من أزمات نفسية بسبب الظروف المادية التي تمر بها العائلة وبسبب غياب المرافق الحياتية بمنطقتهم. وأضافت ان أمنيتها ان يعمل احد أبنائها ببلدية المكان أو في أحد المصانع التي فتحت أبوابها مؤخرا بالجهة كما عبّرت عن ابتهاجها بانطلاق بعض الأشغال التي قد تمكنهم أخيرا من حنفية عمومية. البلدية قسّمت إرثنا أما السيد «الحبيب القيزاني» موظّف بديوان التطهير بالشرقية فقد قال انه يقطن في حي «المباركة» منذ سنوات طويلة أبا عن جد، وأكدّ انّ جدته موجودة بهذا المكان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ،وكشف ان الرئيس المخلوع زار «حي المباركة» في التسعينات وانه أمام مطالبة الأهالي بتسوية الوضعية العقارية طلب من رئيس البلدية انذاك النظر في هذا الموضوع وان هذا الاخير وعدهم بتسوية الملف العقاري بالجهة ،وأكدّ الحبيب انهم سددوا مبالغ مالية رمزية للبلدية على أمل تسوية أوضاع العقارات والحصول على شهائد ملكية وقال انّ البلدية قامت آنذاك باعادة تقسيم العقارات بطريقة غير عادلة فهم مثلا 3 أشقاء ولكن كل شخص تحصّل على مناب من ارث والدهم مختلف الحجم عن الآخر. وقال ان الحي يفتقر الى قنوات تصريف المياه وأكدّ ان البلدية منحت الأشغال إلى مقاول ولكنه لم ينجز الأشغال المطلوبة،وأضاف ان الأنهج غير مهيأة مشيرا الى ان الأخطر من ذلك وبحكم خبرته ان المائدة المائية تتواجد على عمق 11 مترا في حين ان التطهير العشوائي والذي يصب في الوادي لا يبتعد كثيرا عن المائدة المائية ،وأكدّ انه لا توجد محطة تصفية للمياه ممّا يجعل فرضية اختلاط الماء المستعمل بالمائدة المائية أمرا واردا. وقال ان هذا الأمر قد يتسبب في عدة مشاكل صحية للسكان، وطالب بتوفير النقل لأن وسائل النقل شبه غائبة ولا تمر بحيهم ممّا يجعل تنقلهم معاناة يومية وقال ان هناك حافلة رقم 31 ولكنها تأتي من طريق بنزرت و تمر على سيدي ثابت. وتساءل «القيزاني» عن أسباب إنتماء حي المباركة الى ولاية أريانة ،وقال انه من الناحية الفلاحية ومن حيث الصبغة الجغرافية فانه من المنطقي ان ينتمي حيهم الى ولاية «منوبة» وليس الى ولاية «أريانة»،وقال ان «حي المباركة» يعتبر من اقدم الأحياء في الجهة وانه رغم النهوض بعديد الأحياء الأخرى ظلّ مهمشا وقال ان جيلهم عاش معاناة حقيقية و انه حان الوقت ليعيش أبناؤهم في ظروف أفضل. وتساءل الحبيب عن الإعتمادات المرصودة للجهة وقال «أين المشاريع التنموية ؟» أنهج بلا هوية ولا تهيئة الحاجّة «نفيسة» كانت تكنس أمام بيتها في محاولة يائسة لإبعاد الغبار وما تكدس من رمال ومياه راكدة امام بيتها،قالت ان وضعية الأنهج متردية للغاية وانها مليئة بالمستنقعات والحفر ،وأضافت ان التهيئة غائبة فلا نظافة ولا تعبيد وان المكان مليء بالحفر والمطبات والوحل،وأشارت الى انها تسكن هنا منذ ما يزيد عن نصف قرن ولكن نفس المعاناة تتكرّر ،وأكدت انه كثيرا ما تنفجر إحدى قنوات تصريف المياه فتكون المعاناة. وقالت انّ أهالي «حي المباركة» تعبوا من الانتظار وسئموا وعود المسؤولين الزائفة والتنمية. وأكدت انّهم لا يملكون عناوين ولا أرقام للمنازل ،وقالت: « لا أدري سرّ تسمية الحيّ ب«المباركة» ،وأضافت مازحة «ربما لأن الوضع «بارك» وفي ركود مستمر؟». المياه الراكدة تغمر الأنهج وقال «علاء الدين العواني» تلميذ سنة رابعة ان وضعية الحي في الشتاء لا تطاق وخاصة عندما تتهاطل الأمطار وأكدّ ان المياه تغمر الأنهج وساعتها يستحيل العبور أوالمرور . أمّا «ايهاب الجندوبي» تلميذ فقال ان الحفر كثيرة ووضعية الأنهج منفّرة ،مضيفا انه يتمنى ان يصبح حيه نظيفا وجميلا مثل بقية الأحياء الأخرى. سئمنا وتعبنا وطالبت «بسمة الماجري» ربة بيت بتهيئة الأنهج وبمزيد من النظافة ،وقالت ان الفضلات لا ترفع في وقتها وقد تبقى متناثرة في الانهج ،وان مياه الامطار تتدفق من جبل عمار ،وتستقر في أسفل الحي اين توجد مساكنهم ، واكدت انها تضطر إلى حمل أطفالها في حضنها لإيصالهم الى المدرسة واشارت الى انهم «تعبوا وسئموا من هذا الوضع». وقالت «منوبية المثلوثي» انّ الانهج سرعان ما تغرق في المياه والأوحال،وأضافت ان أبناءهم ومن فرط الاحتقان التقطوا عديد الصور ووضعوها على «النات» على أمل ان يتحرك المسؤولون ولكن لا حياة لمن تنادي،واعتبرت ان «بن علي» لم يسوّ وضعية حي المباركة رغم الزيارة التي أداها للحي و قالت ان الثورة لم تنصفهم ولا «النهضة» اهتمت بشواغلهم وقالت انهم فقدوا الأمل في المسؤولين وأكدت منوبية ان المنطقة عريقة جدا وان أجدادهم هنا منذ مئات السنين وان هذا الحي يعتبر من أقدم الأحياء في تونس وانه رغم حصولهم على رخص للبناء وتزويدهم بالماء والكهرباء (جانب محظوظ من الحي) فان الوضعية العقارية ظلت غير مسواة وهم لا يتمتعون بشهائد ملكية رغم الوعود الكثيرة بالتسوية. امّا «حميدة البجاوي» فقد قالت انهم يعيشون بلا أية مرافق أساسية ولا بنية تحتية ،واضافت انهم وضعوا قنوات تصريف المياه من تلقاء أنفسهم وبمجهودات خاصة ،وقالت «عندما نطالب بقنوات تصريف المياه تجيبنا السلطات المحلية أنهم سيكسرون الطريق الرئيسية»، وتساءلت «عن أي طريق يتحدثون ؟» وأشارت إلى مكان مليء بالوحل نصفه مهيأ والآخر لا ،وقالت هذا هو الطريق الذي يتبجّحون به. وحمّلت حميدة المسؤولية إلى بلدية «سيدي ثابت» وقالت ان اغلب المسؤولين الذين تعاقبوا على الجهة لم يخدموا المصلحة العامة بل مصالحهم. واضافت انه لولا المصانع التي فتحت أبوابها بالحي لنهشت البطالة شباب المنطقة. اما المناضل السابق عمر الجلاصي فقد قال ان جذور عائلته تمتد على أكثر من 7 أجداد عاشوا هنا بالمنطقة وأكدّ ان أولاده وأحفاده يعيشون هنا ولكن الحال لم يتغير . أما «عادل» فقد قال انّ بيوتهم تطل على المصانع التي تم احداثها بالجهة وأنه رغم انها امتصت البطالة ووفرت فرصا هامة لتشغيل الشباب بالجهة فانها تتسبب لهم في مشاكل بيئية مشيرا الى انهم يعانون من كثرة الغبار،وقال ان النباتات ذبلت ومساكنهم تلوثت بالرمال المتناثرة من المصانع المجاورة وأكدّ انهم يغسلون ملابسهم ايام الآحاد فقط (ايام راحة المصانع) لأنهم اذا غسلوها خلال أيام الاسبوع سرعان ما تتلوث. وأكّد «عادل شمروخ» صاحب مطعم انه عجز عن فتح محله لمدة سنتين على التوالي رغم التجهيزات الباهظة التي اقتناها لأن الغبار حال دون نشاطه.وقال انه فتح أمس المقهى والمحل على أمل تنشيط المنطقة وإستقطاب الزبائن.