صادق أمس المجلس الوطني التأسيسي في جلسة عامة ترأستها محرزية العبيدي النائب الأول لرئيس المجلس على «النقاش العام» للقانون الانتخابي، الذي يسبق مراحل نقاشات وتعديلات الفصول ال170 من القانون فصلا فصلا، ومن ثمّة المصادقة عليها وفق النظام الداخلي، حيث مثّلت مسائل العزل السياسي والتزكية ومشاركة الأمنيين في الانتخابات القادمة أبرز العناصر التي أثارت الكثير من الجدل داخل قاعة الجلسة العامة،وكانت محل تنازع كبير بين النواب الحاضرين والذين بلغ عددهم 123 نائبا من جملة 217. العزل السياسي كان محل شد وجذب بين النواب خاصة أمام تمسك عدد منهم بادراج الفصل 15 من المرسوم 35 الخاص باقصاء التجمعيين من المشاركة في الانتخابات القادمة. وفي هذا السياق، أعتبر النائب خميس قسيلة والقيادي في حزب «نداء تونس» أنّ من يريد العمل على تضمين الفصل 15 من المرسوم 35 في القانون الانتخابي يعمل على إفشال المسار الانتقالي من خلال تبني منهج الاقصاء، مؤكّدا أنّ عنصر المحاسبة لمن ساهم في الفساد والاستبداد لا يكون إلا عبر القضاء وعبر صندوق الاقتراع، مشيرا إلى أنّ في وضع ما أسماها ببذور الفتنة في القانون دلالة على عدم وجود إرادة لإجراء الانتخابات. وهو موقف كان قد اختلف معه كثيرا النائب هشام بن جامع عن التيار الديمقراطي الذي نبّه الى ضرورة الحرص على عدم تشريك رموز الفساد والاستبداد في الانتخابات، مؤكّدا أنّه بالمال السياسي يمكن شراء الأصوات خاصّة لدى الفئات الموجودة في المناطق المحرومة والتي لا تملك وعيا كافيا بالديمقراطية والانتخاب. مؤاخذات متعدّدة من جهته عبّر النائب اسكندر بوعلاقي عن «تيار المحبة» في مداخلته عن اقتناعه التام بأنّ العملية الانتخابية برمتها أصبحت عبارة عن عملية سبر آراء كبيرة وليست وسيلة تعبّر عن ارادة الشعب ووسيلة توصل الأغلبية التي اختارها الشعب للحكم وذلك بناء على التجربة الخاصة بتونس في الفترة التأسيسية مشيرا الى أنه يكفي أن يقوم ارهابي باغتيال سياسي حتى تسقط حكومة أو أن تختار مجموعة من رجال اعمال اسقاط أيّة حكومة وبالتالي أصبح عند الأغلبية الشعبية اقتناع بأنّ الفائز في الانتخابات ليس بالضرورة هو من يحكم ملاحظا أنه سينجر عن ذلك عزوف كبير لدى الناخبين التونسيين عن المشاركة في الانتخابات القادمة. كما عرّج اسكندر بوعلاقي على ظاهرة السياحة الحزبية خاصة أن 36٪ من النواب الحاليين غير متواجدين في الأحزاب التي أختارهم فيها الشعب وهو ما يجعل العملية الانتخابية على المحك. وفي الختام تطرّق النائب بوعلاقي الى المرسوم 88 الخاص بالجمعيات الذي يمنع مؤسسي ورؤساء الجمعيات من تولي مناصب قيادية حزبية خاصة أنّ هذا القانون غير مطبّق في تونس باعتبار أنّ العديد من السياسيين يرأسون جمعيات في مخالفة واضحة للقانون التونسي. وتواصلا مع سلسلة المؤاخذات، أشار النائب المستقل الناصر البراهمي الى وجود العديد من الاخلالات والنقائص في القانون الانتخابي يمكن أن تفضي الى تزوير ارادة الناخبين، داعيا الى محاولة تداركها لضمان اجراء انتخابات شفافة ونزيهة، لخّصها في نقاط عديدة منها تمكين العسكريين والأمنيين من حق الانتخابات وأن يكون لهم تأثير على سير العملية الانتخابية، والدعوة الى أن يكون التسجيل الارادي شخصيا وحضوريا ملاحظا أنه لا يمكن أن يتم عن بعد الاّ في دوائر الهجرة، مع ضرورة التخلي عن مرافقة الأميين داخل الخلوة وايجاد آلية واضحة بواسطة رموز مكشوفة تساعد الأميين على التعبير عن ارادتهم، وضرورة ترشيد العملية الانتخابية باضفاء نظام أكثر نجاعة على مستوى التمويل واعتماد قاعدة التمويل اللاحق لتكريس جدّية الترشحات، والدعوة الى امكانية اضافة شروط التزكية بالنسبة للقائمات المترشحة بالدّائرة بنسبة لا تقل عن 1٪ من عدد السكان، وضرورة تمكين مكونات المجتمع المدني من التواجد داخل مكاتب اللاقتراع ومن الحق في تدوين الملاحظات والامضاء على المحاضر، والسعي نحو منع نشر نتائج سبر الآراء التي لها صلة بالانتخابات ستين يوما قبل الاقتراع. الدعوة الى التوافق أما النائب جلال بوزيد القيادي في حزب «التكتل» فقد أوضح في تصريح ل «التونسية» أنّ القانون الانتخابي غير عادي ولاتكفي المصادقة عليه بالأغلبية المطلقة، نظرا لكونه نصا قانونيا يمثل العمود الفقري للمرحلة الانتقالية، كما أنّه يمثّل حسب وصفه أملا للقيادة نحو مرحلة الاستقرار الفعلي في أحسن الظروف، داعيا الى ضرورة استحضار المناخات التوافقية التي قادت الى المصادقة على الدستور وساهمت في تبديد مخاوف الرأي العام اثر تراكم أخطاء النخب السياسية، والمحافظة عليها من أجل ضمان المصادقة على القانون بنسبة كبيرة وفق اقرار مبدإ التوافق سلوكا ومنهجا للذهاب نحو الانتخابات في أحسن الظروف واعداد العدّة للتداول السلمي على السلطة.و رغم اغراق مشروع القانون الانتخابي بما يقارب 500 طلب تعديل، ألمح بوزيد الى أنّ التوجه العام يبدو واضحا وجليا في الصيغة التي سيؤول اليها القانون بعد المصادقة عليه، عدا بعض النقاط في الجانب المتعلّق بالتمويل والتي كانت حسب اعتقاده عنصرا من عناصر الاخلالات التي شهدتها انتخابات 23 أكتوبر 2011 وكانت سببا مباشرا في اغراق العملية الانتخابية بالمئات من القائمات التي أثّرت على نتيجة الانتخابات عبر التشتّت الكبير في الأصوات وعبر هدر المال العام. واتعاظا من ذلك أكّد بوزيد على ضرورة سدّ كل منافذ ما أسماه بالتصرّف اللامسؤول الذي يضرب العملية الانتخابية برمتها، دون التغافل عمّا أعتبره التحدّي الأساسي الذي يكمن حسب قوله في السعي لتحقيق أكثر مشاركة للمواطن وأكثر انخراطا في الاستحقاقات الانتخابية القادمة لأنّ في ضعف المشاركة حسب قوله اضعاف للشرعية التي سيفرزها الصندوق واضعاف لمرحلة الاستقرار المنتظرة التي ستطلق الاصلاحات الضرورية والمنتظرة لكل المنظومات، مقرا بأن هذا التمشي لا يمكن أن يتحقّق الاّ اذا تمّ توفير المناخات العامة والابتعاد عن مصادر التوتر والاستقرار التي تضرب روح التوافق بين الفرقاء السياسيين.