بقلم: جيهان لغماري إضافة إلى حق الكلام بصوت عال، لم نلمس أي تغيير نحو الأفضل ولن نلمسه إنْ تواصلت الأمور على هذا المنوال، وما نفور الناس من السياسيين وممّن «شابههم» من حوانيت الجمعيات الغامضة والدكاكين الحقوقية إلا دليل على أنّ القادم أصعب. بعد ثلاث سنوات وأكثر، فهم الناس حقيقة بعض المعارضين للنظام النوفمبري، فقد كان الاعتقاد السائد بعد 14 جانفي أنّ هؤلاء على اختلاف مشاربهم الإيديولوجية لم تجمعهم فقط الرغبة في تحدي السلطة (والحقيقة أن أكثرهم كان يطالب بإصلاحات لا غير!) بل أيضا الرغبة في بناء تونس جديدة ممكنة لكل أبنائها يسوسها القانون والعدالة الاجتماعية وحق كل الجهات في التنمية، أي أهداف واحدة وإن اختلفت طرق الوصول إليها يمينا، وسطا ويسارا، لا يهم ما دام الخراج للجميع ! لكن هذا الاعتقاد سرعان ما تلاشى بعد أن بيّنت تصرفات أغلبهم أنّ الكرسيّ والالتصاق به هو أصل البليّة وإنْ غلّفوا مقاصدهم ببعض «المُخلّلات» والبهارات الديمقراطية الشكلية التي لا تغيّر في الواقع المعيشي شيئا ولا تحارب الفساد والمحسوبية. أما المحاسبة فهي ورقة تظهر وتغيب حسب المناورة. وحتى الدستور الذي كتبوه بعد تلكؤ فلن يعني أحدا مادامت البطون خاوية والمستقبل بلا أفق، ورغم ذلك ها هم يرغبون في خرقه وحبره لم يجفّ بعد في شعبوية انتخابية «أشعبيّة» لن تنطلي على شعب ظاهره عدم الاكتراث وباطنه استيعاب لكل تكتيكاتهم الرديئة . مشروع الثورة كان فرصة لكل التونسيين فأصبح «قَرْصَة» في خبزهم وشربهم وحتى أجسادهم وأعمارهم بعد أنْ انتشرت ظاهرة الانتحار بالنار كصرخة أخيرة يائسة. كل حزب يغني على موسيقاه الأيديولوجية و«لعابه» سائل على كرسي هنا أو هناك، من حلم رئاسة قرطاج مرورا بأرائك القصبة ووصولا إلى منصب مدير عام بإحدى الإدارات. مقابل ذلك لا بأس إنْ تُرِكَتْ أصلا البرامج الحقيقية للثورة، وليكن أنْ رفضوا تجريم التطبيع في الدستور ثم تباكوا بدموع تمساح فاشل لمساءلة الوزراء اليوم!، وليكن أنّ الوطنيّة التي تنقصنا جعلتهم ينصّون في فصل من الدستور على أنّ الشعب سيّد ثرواته وخيراته بما فيها الطبيعية وله الحق في الإطلاع على الاتفاقيات المبرمة، ما المشكلة لمّا رفضوا بإصرار أهمّ جملة لممارسة هذا الحق وهي «وتُنْشَرُ وجوبا»؟. ما الضير في أن نعيش الاغتيالات السياسية وقتل الأمنيين والعسكر والتفرج على الأسلحة المنتشرة كالجراد؟، فتلك رجات ارتدادية عادية تعقب كل الثورات على حدّ قول أحدهم!. أمّا الأمر المعقول والموضوعي الذي لم تستوعبه عقولنا، فهو انتقالنا في شهريْن فقط من أحسن حكومة أُخْرِجتْ للناس و»خلّي الحكومة تِخْدِمْ» إلى أخرى جديدة تتهاطل عليها الاحتجاجات والاعتصامات، تطمئننا ولله الحمد، بأنّ الأجور مازالت ممكنة على الأقل إلى حدود جويلية!. أمام هذا النعيم الذي عاشه التونسيون في المراحل الانتقالية التي أصبحت دائمة، يقيننا أنّ الانتخابات ستديم الفرحة الانتقالية ولكن إلى حين، فالبسطاء الذين فهم النظام السابق صمتهم خنوعا وجبنا، حين نطقوا كان صوتهم واحدا ولعرشه مزلزلا، والتاريخ القريب درس لم يستوعبه لاعبو المشهد الجديد بعد!.