بقلم: جيهان لغماري مازال سقوط قانون العزل «يَغْزِلُ» خيوطه وارتداداته في الساحة السياسية ويبدو أنه في كل الأحوال قد أعاد كل الأحزاب إلى نقطة الصفر في تكتيكاتها، فارضا عليها إعادة قراءة موازين القوى من جديد وصياغة موضوعية للتحالفات الممكنة ما قبل الانتخابات ثم بعد إعلان نتائجها. ليس المجال هنا لمناقشة سقوط المشروع أو حتى مروره، فتلك مسألة حسم فيها التصويت داخل التأسيسي ومهما كانت مبررات المعارضين له أو الذين ساندوه إلى آخر لحظة، فإنّ النتيجة تفرض احترام أسس التصويت الشفاف ولكن، يبقى السؤال الذي تحاشاه النواب من هنا، هل كان تصويتهم مبدئيا لإسقاطه؟ ونواب الضفة الأخرى، هل كانوا حقا ثوريين كما يدّعون في محاولة تمريره؟. للإجابة صيغة جَمْعٍ تأخذنا إلى متاهة الحسابات. لنبدأ أولا ب«الصنف الثالث»، ما معنى الاحتفاظ بالصوت في قانون العزل؟. التحفّظ منطقيا يهمّ مشروع قانون تقنيّ يمكن قبول بعض فصوله ومعارضة البعض الآخر والتحفظ على صياغته مثلا، لكن في مسألة العزل هو مشروع سياسي بامتياز لا معنى فيه للتحفّظ، فإمّا مع أو ضدّ. هذا الصنف اختار أن يكون مع وضد فخسر الهنا والهناك!. كأنّ حساباته تتلخص في «لا نتورط» تاريخيا في رفض العزل حفاظا على نقاوة «ثورجية» كاذبة، وفي نفس الوقت «لا نتورط» في تأييده حفاظا على خيط الحسابات القريبة. في الحالتيْن، سيكون الخراج صفرا في الانتخابات لأنّ السياسي هو صاحب قرار بالأساس سواء أخطأ فيه أو أصاب، أمّا حين يفقد القدرة على حسم موقفه ويكتفي بالغياب، فعليه وقتها أيضا الغياب عن الشأن العام نهائيا وإلى الأبد!. بالنسبة للذين صوتوا ضد العزل، ربما قلة كانت مبدئية في مواقفها لكنّ الأغلبية وأساسا حركة النهضة، ذهبت إلى قراءة موازين القوى المحتملة بعد الانتخابات في محاولة لفرض موقع محترم مستقبلي يضمن لها التواجد المريح في المشهد حتى في سياق حُكْمٍ تشاركي تساهم فيه مع أطراف أخرى دون أن تتورط لوحدها في نتائجه لو كانت مخيبة للآمال، في محاولة لعدم تكرار أخطاء تجربتها في «الترويكا»، إذ بخلاف زلاتها، تحملت وزر أخطاء حليفيْها!. مساندو العزل تفرّقت «ريحهم» رغم التصويت الواحد!، أصحاب الوضوح كالمؤتمر والوفاء والتكتل لا يمكن بعد هذه السنوات تصديق ثورية متأخرة استفاقت فجأة عندهم وخاصة لمن جرّب لذّة الكرسي والسلطة، لم يكن موقفهم مبدئيا بل هو نتاج اقتناع مسبق بهزيمة انتخابية منتظرة. نواب النهضة الذين خالفوا الموقف الرسمي لحركتهم كانوا الأكثر اطمئنانا، فهم مارسوا قناعاتهم بتأييد العزل ليقينهم أنّ المشروع ساقط لا محالة ولن يتسببوا في نتائج تُخالف موقف حركتهم المعلَن، ولو ساورهم الشك في ذلك لحظة لقلّ عددهم وزاد آليا عدد المتحفظين والغائبين منهم! البقية وخاصة نواب الجبهة صوّتوا مع العزل مع أنهم في الحقيقة ضده لحسابات تكتيكية جاءت في الوقت الضائع وهم أيضا كنواب النهضة المؤيدين للعزل، اختاروا التصويت له بعد التأكد الكامل من سقوطه. الاستنتاج الواضح من مشروع العزل هو أنّ أغلبية التأسيسي بما فيها التي صوتت له أو عارضته أو تحفظت عليه، لم تكن راغبة في نجاحه، إنه قانون العزل المعزول حتى من دُعاته!.