بقلم: أبو غسان يجري هذه الأيام جدل واسع حول الطريقة التي يجب إتباعها في التعامل مع الشبان الذين ينزلقون إلى استهلاك المواد المخدرة وخاصة ما يسمى ب «الزطلة». وقد شهد هذا الجدل انحرافات عديدة تحوّل أحيانا إلى دعوات مفتوحة للشباب لاستهلاك «الزطلة» مثلما حدث في بعض البرامج التلفزية والإذاعية بطريقة فجة، حيث بدت وكأنها « تمجيد» لهذه المادة و «فوائدها» وتشجيع للشباب على استهلاكها. وهذا خطأ له انعكاسات سلبية جدا. فالمواد المخدرة بكل أصنافها تبقى خطرا على الصحة النفسية والجسدية للإنسان وإن تفاوتت هذه الخطورة. نسمع اليوم بأرقام مفزعة عن تزايد أعداد المستهلكين بين شبابنا وبمدى تفشي المخدرات في الوسط المدرسي، وعن حكايات غريبة عن سهولة الحصول على هذه المادة أو غيرها مثل الحبوب المخدرة التي تفتك بصحة الإنسان في كل مكان تقريبا. وهذا يعني أن الكميات التي تدخل بلادنا تتزايد بشكل كبير ولا بد اليوم من التصدي بحزم أكبر للمهربين الذين يعرضون الشباب للخطر ووضع الإمكانيات اللازمة لذلك وتشديد الخناق على المروّجين . كذلك فإنه مطروح على المجتمع أن يقوم بدور توعوي أكبر في أوساط الأطفال والمراهقين والشبان لتجنبيهم السقوط في آفة الاستهلاك . وللمدرسة التي تفشت فيها هذه الظاهرة مسؤولية هامة ومحورية. وعلى وزارة التربية أن تفكر في تخصيص مجالات يحكي فيها المربون لتلاميذهم عن القضية بطرق بيداغوجية وبيان انعكاساتها ومخاطرها . وعلى الإعلام أيضا وخاصة المرئي أن ينبه من هذا الخطر عبر برامج تحسيسية وتوعوية موجهة لفئة الشباب بالاعتماد على خطاب علمي بسيط وصريح يتناول أبعاد كل هذه الظاهرة . الوجه الآخر لهذه القضية - وهو الأكثر تعقيدا - يتعلق بكيفية التعامل مع من تزل بهم القدم لأول مرة ويستهلكون « الزطلة». فالقانون التونسي يقضي اليوم بسجنهم وتخطئتهم دون نظر للظروف والحيثيات التي دفعتهم إلى ذلك، حتى وإن لم تكن لهم سوابق عدلية . ويبدو وفق العديد من المختصين الاجتماعيين والنفسيين والحقوقيين والقضائيين أن هذا الأسلوب ليس بالتعامل الأمثل الذي يمكن أن يحد من انتشار هذه الظاهرة في المجتمع .. فالإلقاء بالآلاف من الشبان في جحيم السجن يحمل مخاطر تحويل عدد منهم إلى مشاريع «مجرمين محترفين» - وهذا ما حصل للعديد منهم للأسف- هذه ليست دعوة للتغاضي عن الاستهلاك جزائيا وعدم تجريم ذلك، مثلما تنادي بذلك بعض الفئات. فأغلب بلدان العالم ماتزال اليوم تجرّم استهلاك المخدرات بكل أنواعها بشكل متفاوت من حيث طبيعة العقاب وشدته.. بل هي دعوة لإعادة النظر في القوانين الجاري بها ومراجعتها وخاصة عدم الاكتفاء بالتعامل مع هذه الظاهرة قضائيا، لأن هناك عمل آخر صحي ونفسي واجتماعي لا بد من القيام به بما من شأنه أن يساعد كل من وقع في المحظور على إمكانية الابتعاد عن هذه الآفة الخطيرة، ومنحه فرصة جديدة قبل الزج به في غياهب السجن، ووضع مستقبله في حكم المجهول.