بقلم : أبو غسان تعددت في الفترة الأخيرة التظاهرات والندوات التي اهتمت بتطوير التعاون الاقتصادي لتونس مع البلدان الإفريقية جنوب الصحراء. ويستعد رئيس الجمهورية للقيام بعد أيام بزيارة إلى أربعة بلدان إفريقية. ويندرج هذا الاهتمام في إطار بحث تونس عن شركاء جدد وتنويع تعاونها الاقتصادي واستكشاف أسواق جديدة، حيث تمثل إفريقيا سوقا واعدة للمؤسسات التونسية سواء لتصدير المنتجات والخدمات أو للاستثمار. يجمع الخبراء أن حجم تعاون تونس الاقتصادي مع البلدان الإفريقية ضعيف جدا ودون المأمول، رغم أن القارة السمراء ما فتئت تحقق في السنوات الأخيرة أرقام نمو محترمة جدا، وتشهد تطورا لافتا في كل الميادين. وهي عبارة عن ورشة كبرى من المشاريع الضخمة التي يمكن أن يكون للمؤسسات التونسية نصيب فيها. والدليل على ذلك أنه رغم تواضع الحضور التونسي في إفريقيا فإن عددا من المؤسسات الاقتصادية غامرت وتوجهت بمفردها ودون أي إسناد أو تشجيعات تذكر نحو البلدان الإفريقية وحققت النجاح بالاعتماد أساسا على كفاءات تونسية. وهذا مهم جدا خاصة وتونس تعاني من مشاكل كبرى في مجال التشغيل. صحيح أن المشروع المغاربي مازال معطلا منذ عقود. وصحيح أن «برودة» وتجاهلا يكتنفان التعامل الاقتصادي لبلدان الخليج العربي مع بلادنا حيث لم نر بعد، رغم الكلام الكثير وكل النوايا الحسنة، أية مبادرة من هذه البلدان تعبر حقا على أنهم مهتمون بتطوير التعاون الاقتصادي مع تونس. وصحيح أيضا أن المتاعب المالية والاقتصادية لبلدان الاتحاد الأوروبي الشريك التقليدي لبلادنا ما زالت قائمة وأثرت بشكل كبير على الصادرات التونسية. ولكن التوجه إلى إفريقيا لا يجب أن يكون فقط نتيجة لكل هذه المصاعب أو عبارة عن حل ظرفي عابر، بل خيارا استراتيجيا. ولذلك يجب أن ينبني هذا الخيار على مشروع مدروس ومتكامل. فالندوات والخطابات والزيارات الرسمية للرؤساء والوزراء والرسميين في الاتجاهين لا تكفي، ولن تفعل وحدها الشيء الكثير على أرض الواقع . فلا بد اليوم من العمل على توفير العديد من الشروط لتحقيق نتائج ملموسة ومثمرة في تعاون تونس مع إفريقيا . أولها تلافي التراجع الرهيب للحضور الديبلوماسي التونسي في القارة الإفريقية، وكذلك الدفع باتجاه تحقيق قدر أكبر من الاندماج الاقتصادي مع بلدان القارة جنوب الصحراء وتقوية التبادل التجاري معها. وهذا لا يمكن تحقيقه في غياب خطوط النقل المباشر الجوي أو البحري بين تونس وأغلب البلدان الإفريقية جنوب الصحراء، وفي ظل عدم تواجد مؤسسات بنكية ومالية تونسية في القارة السمراء. ويمكن في هذا الإطار الاقتداء بالتجربة المغربية التي يرى البعض أنها نموذجية في تعامل بلد من شمال القارة مع البلدان جنوب الصحراء. فالمغرب اهتم بشكل كبير ومنذ سنوات بالتعاون مع البلدان الافريقية جنوب الصحراء ووضع الآليات الكفيلة بتحقيق نتائج إيجابية جدا ومنها بالخصوص تواجد مؤسسة بنكية مغربية كبرى في العديد من الدول الإفريقية تساهم في تمويل التبادل التجاري والمشاريع الاستثمارية المشتركة وكذلك بادرت الخطوط الجوية المغربية ببعث خطوط نقل مباشر مع نحو 30 بلد إفريقي. ومن المؤكد أنه على تونس إذا ما أرادت أن تستفيد من التطور الهائل الذي تشهده القارة الإفريقية أن تضع التوجه نحو إفريقيا في إطار مشروع مستقبلي وأن توفر له كل إمكانيات النجاح لأن المنافسة على القارة السمراء أصبحت كبيرة.