جميل جدّا ان نواكب التطورات التكنولوجية وغيرها من الاختراعات، خاصة ان التونسي معروف بسرعة مواكبته لآخر صيحة في عالمي الموضة والتكنولوجيا مهما كان مصدرها ونوعها وكيفية استعمالها. ان هذه الآلة المسماة بالجوّال والمحمول ملّت وكلّت وتعبت من جلّ حامليها، ومنذ دخولها لبلادنا لم تعرف للراحة سبيلا..فهي شغالة طوال اليوم والليل بموجب ودون موجب اذ لا هم للجالس في المقهى والحافلة والمترو والمكتب والبيت والحديقة سوى الامساك ب «البورطابل» ليسأل مخاطبه او مخاطبته عن الحال والاحوال وعن الفطور والعشاء وحفل الزفاف ونتيجة المباراة، وعن احوال الطقس، وغلاء المعيشة والاجازة والروتين الاداري. انت لست فضوليا، ولا تحب الاطلاع على ما لا يهمك في حياة الاخرين ولكنك تصبح مضطرا لمعرفة اسم زوجة صاحب «الجوال» واسماء ابنائه وبناته، وفرع البنك الذي يتعامل معه والصك الذي رجع دون رصيد وختان ابن اخته وتاريخ حفل زفاف ابنة عمة خالته، وتاريخ عودة شقيقه من الخارج.. المهم عنده الثرثرة إلى أن يأتي ما يخالف ذلك. على وحدة ونصّ كلّ يغنّي على ليلاه ولكل «بورطابل» موسيقاه الشرقية أو الغربية والتونسية التراثية والعصرية اما موسيقى «الربوخ»فلا تغيب عن طعام، وذات مرة وفي أحد المقاهي ترك احدهم جواله يرنّ على وقع موسيقى المزود بصوت مرتفع، فترك شاب مقعده واخذ يرقص على وحدة ونصّ، واكيد انه فعل ذلك تهكما على صاحب الجوال، ونسج على منواله بعض الشبان الاخرين ليتحول المقهى الى مرقص وليغادرها الحرفاء الذين جاؤوا لاحتساء قهوة في هدوء! ومن تقليعات هذه الالة العجيبة الغريبة انبعاث اصوات حيوانات منها، وهكذا اصبحنا ننام على اصوات الكلاب ليلا، ونتفسح في الشارع صحبة اصوات الحمير، ونستيقظ صباحا على اصوات الديكة!! وقد عوّض المحمول مراجعة الدروس امام المدارس والمعاهد والاستعداد للتمارين والامتحانات مثلما كنا نفعل من قبل وخاطب طفل امه: أمي ما لقيتش حمص منفّخ اش نعمل؟! وخاطب الزوج زوجته كل يوم ليسألها عن الخبز والخضر والغلال والفطور والعشاء والابناء.. وهكذا يصبح الجوال نقمة وخطرا بسبب استعماله من طرف مترجل يجتاز الطريق غير عابئ بالاضواء لانه منغمس في مكالمة «خطيرة جدا» ويمسك سائق السيارة وحتى الحافلة المقود بيد والبورطابل باخرى دون ان يفكر في ما قد يسببه ذلك من حوادث لنفسه وللاخرين.. مسكينة انت ايتها الصحيفة والمجلة، اما انت يا كتاب.. فابق في الرفوف الى الابد، فقد عوضكم الجوال من طرف اصحابه الذين يقتنون البطاقات كل يوم و «اللايت» ويتذمرون من غلاء الدلّاع والبطيخ والخضر والماء والكهرباء.. اين انت؟ ما عنديش «ريزو» حدّد مكانك.. صبّ بدينار.. اعمل لي appel ابعث لي message تلك الفاظ دخيلة علينا أصبحت المستهلك اليومي للتونسي اما عن المشاكل العائلية فحدّث ولا حرج وذلك بارسال الارساليات القصيرة البذيئة والوقحة وخاصة اصحابها وكم هي عديدة قضايا الطلاق التي تسبب فيها البورطابل وينتهي المطاف بالبورطابل ليصبح له دور كبير في عمليات الغشّ في الامتحانات بكل انواعها. فهل عرفتم الان السرّ في تصدر تونس المرتبة الاولى افريقيا من حيث استعمال الهاتف الجوال وانفاق الاموال الطائلة على المكالمات الهاتفية؟!