بقلم : أبو غسان أمضى اتحاد الشغل ومنظمة الأعراف أول أمس اتفاقا حول الزيادة في أجور العاملين في القطاع الخاص تقدر بنحو 6 بالمائة. وخلال موكب التوقيع الذي جرى برعاية من الحكومة تحدث الجميع - ولو من زوايا نظر مختلفة - عن أهمية الإنتاجية بالنسبة للمؤسسة التونسية في الوقت الراهن. ليس هناك من شك أن المقدرة الشرائية للأجراء التونسيين قد تدهورت في السنوات الأخيرة بشكل لافت، وأن ذوي الدخل الضعيف بالخصوص تزايدت المصاعب أمامهم وأصبحوا غير قادرين على مجابهة حتى المتطلبات الأساسية للحياة، وأنهم كانوا بحاجة أكيدة لهذه الزيادة لمجابهة هذه الأوضاع. ولكن في الجهة المقابلة فإن المؤسسات التونسية تعاني بدورها من مشاكل عديدة ومن مصاعب جمة وأصبحت غير قادرة على تحمل أعباء جديدة إذا ما أرادت أن تحافظ على قدرتها التنافسية. لقد أمكن طي صفحة المفاوضات الاجتماعية الأخيرة في وقت قياسي وبسهولة نسبية بفضل العلاقات الجيدة التي أصبحت تربط بين منظمة الأعراف واتحاد الشغل والتي توطدت من خلال تجربة الحوار الوطني حيث كانا أبرز طرفين رعيا هذا الحوار وساهما في إنجاحه. وهذه العلاقة الطيبة يمكن استثمارها لمزيد تحسين المناخ الاجتماعي وخاصة العمل المشترك من أجل تجنيب البلاد المزيد من الإضرابات التي لطالما ما أضرت بالاقتصاد، وكذلك معالجة قضية الإنتاجية التي تحولت إلى مشكل حقيقي يعاني منه الاقتصاد التونسي. نعم تونس تعاني اليوم من مشكل كبير في الإنتاجية والأمر لا يهم القطاع الخاص فحسب بل هو أكثر سوء في الإدارة التونسية حيث بلغ التسيب أوجه وغاب الانضباط تماما، وكذلك في المؤسسات العمومية التي تدهورت مردوديتها الاقتصادية وبات خطر الإفلاس يتهدد البعض منها.. إن خلق المزيد من الثروات وتحسين الإنتاجية والضغط على الكلفة وإرساء مناخ عام جيد للاستثمار هي أفضل السبل لا فقط لتحسين دخل الأجراء على قواعد اقتصادية سليمة، بل لتوفير فرص عمل جديدة للآلاف من الشبان الذين يعانون من البطالة منذ سنوات والزيادة في الأجور إذا لم تكن نتيجة طبيعية لقيمة مضافة فعلية يحققها الاقتصاد الوطني سترافقها بالتأكيد زيادات في الأسعار وهو ما سيؤدي إلى تفاقم التضخم الذي بلغ اليوم مستويات مرتفعة وسيواصل التهام كل زيادة جديدة بل وحتى تجاوز ذلك في حالة عدم تحقيق هذه الأهداف. تونس لن تنهض اقتصاديا إلا بالعودة إلى العمل والجهد، وأحوال الأجراء لن تتحسن نوعيا إلا بخلق المزيد من الثروات من خلال التشجيع على بعث المشاريع الجديدة ذات القيمة المضافة العالية والجدوى الاقتصادية الثابتة لا إغراق الإدارة بانتدابات جديدة لا جدوى اقتصادية لها. بلادنا بحاجة أكيدة اليوم إلى ثورة حقيقية في مجال رد الاعتبار لقيمة العمل التي افتقدناها كثيرا في الآونة الأخيرة، وإلى عودة الرشد إلى أذهان الكثيرين الذين تحوّل التهاون عندهم إلى شعار والكسل إلى ثقافة.