دائرة المحاسبات تدعو إلى إخضاع قطاع النفط لمراقبة الدولة إذا وضعنا عدادات إنتاج في حقول النفط والغاز سينتهي العجز الطاقي في تونس 20 ٪ فقط من عقود الطاقة خاضعة للقانون كمال الشارني أكد مصدر مطلع في وزارة الداخلية ل «التونسية» يوم الجمعة الفارط جدية التهديدات باغتيال رئيس لجنة الطاقة بالمجلس التأسيسي النائب شفيق رزقين مشيرا إلى أن الوزارة تتعامل معها بانتباه كبير وانه لذلك اتخذت جملة من الإجراءات لحماية النائب في تحركاته وإقامته. ويعتقد عدد من نواب المجلس التأسيسي أن لهذه التهديدات علاقة مباشرة برفض رزقين التمديد في عقود استخراج الطاقة واتهامه لشركات النفط بنهب ثروات الشعب التونسي فضلا عن أنه هدد بالاستقالة إذا لم يتم تفعيل الفصل 13 من الدستور بخصوص فرض سلطة النواب على عقود الطاقة. أما خارج المجلس، فإن خبراء كثيرين قالوا إن النائب شفيق زرقين تجرأ على مراجعة موضوع محرم في تونس منذ أكثر من قرن، وأنه بذلك قد دخل «عش الدبابير»، وهدد مصالح مالية كبيرة في الداخل والخارج بما يجعل منه شخصا مزعجا، رغم قرب نهاية نيابة المجلس التأسيسي، حيث يضيف أحد المطلعين على ملف عقود الطاقة ل «التونسية»: «المشكل ليس في رفض التمديد في أربعة عقود، المشكل في اتهام الشركات الكبيرة والحديث عن النهب في عقود النفط في العلن»، سألناه: «وهل يصل الأمر إلى التهديد بالقتل أو القتل ؟»، فقال موضحا: «ليس لي علم بتفاصيل التهديد الذي تلقاه زرقين، لكن شركات النفط العالمية لا تتردد في حرق بلد بأكمله من أجل مصالحها». مشاريع وحقول اذن ماهي عقود النفط التي ساهم شفيق زرقين في رفض التمديد لها ؟ ولماذا رفض نواب لجنة الطاقة ذلك ؟ هي ثلاثة مشاريع قوانين قدمتها الحكومة إلى لجنة الطاقة في المجلس التأسيسي وتتعلق بالتمديد في رخص بحث عن المحروقات وهي رخصة برج الخضراء وامتياز الفرانيق، ورخصة مدنين، وامتياز باقل رخصة دوز، بالإضافة إلى رخصة الزارات في قابس التي يحيط بها الكثير من اللغط والغموض والاتهامات رغم أنها تغطي 800 ألف هكتار من خلال احتياطي قدره 362 مليون برميل من البترول و980 مليار متر مكعب من الغاز. ويقول النائب شفيق زرقين إن كل هذه العقود تمت بطريقة مخالفة للقانون ويحيط بها الكثير من الغموض وأن نصيب الدولة منها لا يكاد يذكر، وطالب بإخضاع كل عقود التنقيب والاستغلال لسلطة الشعب. ولم يتردد النائب زرقين في اتهام شركات بعينها عندما قال: «إن شركة بريتش غاز استخدمت مبلغ 345 مليون دولار بشكل غير قانوني، من غير المعقول أن تبيع هذه الشركة الغاز التونسي للشركة التونسية للكهرباء والغاز بالعملة الصعبة وبأثمان باهضة». غير أن ما يكشفه هذا النائب لا يكاد يذكر أمام ما تسرب من تقرير لجنة تقصي الحقائق، رغم ما يؤكده بعض النواب من اختفاء صفحات من تقرير اللجنة له علاقة بواقع النفط في تونس، والبعض الآخر يعتقد أن لوفاة رئيس اللجنة عبد الفتاح عمر المفاجئة علاقة بخطورة ما كشفه، ومما جاء في تقريره أن 20 ٪ فقط من رخص المحروقات خاضعة لمجلة المحروقات وأن حوالي 90 ٪ من الشركات التي يتم منحها رخصا للبحث عن النفط في تونس لا تحترم شروط التمديد في منح الرخص ومع ذلك فإن اللجنة الاستشارية للمحروقات ووزارة الصناعة تصادقان على التمديدات غير القانونية مما جعل بعض الشركات تصل في رخص البحث إلى مدة 27 سنة بطرق مخالفة للقانون. والغريب هو ما جاء في تقرير حديث من أن 90 بالمائة من ملفات الفساد التي كُشفت بعد الثورة تمت الموافقة عليها والقبول بها في محاضر اللجنة الاستشارية للمحروقات، لكنه في جلسة اللجنة تم تبييض وتمرير أخطر الملفات. أين العداد ؟ تعتبر الأستاذة فوزية باشا عمدوني المحامية من أهم الخبراء التونسيين في عقود النفط، وتقول بوضوح ان الزام شركات التنقيب عن النفط واستغلاله في تونس بالشفافية والقانون سوف يضع حدا للعجز الطاقي في تونس، وهي تعتقد أن وضع إنتاج المحروقات في تونس يعاني من مشكلة مزدوجة: قوانين على مقاس مصالح الشركات وعدم احترام تلك القوانين بما أضر بحقوق الشعب التونسي في ثرواته، وأنه لا شيء يبرر منح حقوق استغلال تلك الحقول بالكامل إلى شركات أجنبية ترفض حتى إعلام الدولة بحجم إنتاجها الحقيقي. وتضيف الاستاذة أننا إذا وضعنا عدادات الإنتاج في حقول النفط والغاز وطبقا القانون ومعايير المراقبة فإن نصيب الدولة التونسية سيحفظ لأنه في المحافظة على كمية الانتاج ستكون نسبة الإتاوة صحيحة وكذلك نسبة الجباية على الشركات الأجنبية ستكون ذات مصداقية عالية، أما إذا كان عكس ذلك في ظل غياب الشفافية وعدم دراية الدولة بكمية الإنتاج الحقيقة وتكلفة الاستغلال والبحث وفي ظل غياب المراقبة فإنّ ذلك سيشلّ الاكتفاء الطاقي في تونس. قضاة يحذرون أما تقرير دائرة المحاسبات فقد كان مذهلا وصادما إذ كشف أن 241 مليارا من المليمات لا يتم استخلاصها من الشركات الأجنبية المتحصلة على رخص البحث والتنقيب عن النفط، كما كشف العديد من الإخلالات والتجاوزات في بعض الحقول. وسببت تنازلات الدولة التونسية لشركات النفط انخفاضا في الانتاج بنسبة 20 ٪، نظرا إلى أن 50 في المائة من حقول النفط والغاز التونسية التي تستغلها شركات أجنبية لا تحتوي على عدادات موازية وهو ما تسبب في العجز الطاقي. وثمة فصل في تقرير دائرة المحاسبات يستحق الاهتمام ويتعلق بإفراغ الشركة التونسية للأنشطة البترولية من كفاءاتها المخصصة أصلا لمراقبة شركات النفط، والمثير هنا هو أن شركات النفط تدفع أجورا خيالية تبلغ عدة اضعاف ما تدفعه الدولة لهذه الكفاءات لاستقطابها والعمل لديها. وفي النهاية، أوصى تقرير دائرة المحاسبات بالمسارعة بإخضاع قطاع النفط كله لمراقبة الدولة حتى تعرف حقا ما يتم إنتاجه، وتعرف قيمته في سوق المحروقات وبالتالي نصيبها منه. تاريخ إنتاج النفط في تونس • بدأ اكتشاف النفط على أيدي المستعمر الفرنسي في تونس عام 1894، لكن ذلك لم يكن في الجنوب، بل في معتمدية تبرسق بولاية باجة. • تم حفر أول بئر في عين غلال بولاية بنزرت، ولم يكن منسوبها كبيرا. • 1931: تأسيس شركة فرنسية تونسية لاستخراج النفط والغاز. • 1949: اكتشاف حقل نفط جيد في الوطن القبلي وإنشاء شركة التنقيب واستغلال النفط التابعة لشركة بترول فرنسا الاستوائية. • 1960: إنشاء الشركة الإيطالية التونسية لاستغلال النفط التي تستغل حقل البرمة. القوانين ظل قطاع النفط في تونس حكرا على المستعمرين وحلفائهم المحليين، ولم يكن منظما حتى صدر الأمر العلي عن الباي بتاريخ 13 ديسمبر 1948 والمتعلق بإحداث التدابير الضرورية لتسهيل التفتيش عن النفط والغاز في محمية تونس، ثم الأمر العلي المشابه له في جانفي 53، كما صدرت قرارات ومراسيم عديدة حول البحث عن النفط وإنتاجه، حتى صدرت مجلة المحروقات بقانون 17 أوت 1999 وقد حاولت تجميع هذه النصوص والقوانين، لكن هذه المجلة منحت لوزير الاقتصاد أو الطاقة صلاحيات مطلقة في إسناد رخص التنقيب والاستغلال مما فتح الباب واسعا أمام خروقات بلا حساب خصوصا في التنقيحات التي شهدتها المجلة وفقا لمصالح الشركات. في الدستور الجديد، نص الفصل 13: «الثروات الطبيعية ملك للشعب التونسي تمارس الدولة السيادة عليها باسمه. تعرض عقود الاستثمار المتعلقة بها على اللجنة المتخصصة بمجلس نواب الشعب. وتعرض الاتفاقيات التي تبرم في شأنها على المجلس للموافقة».