صعود «المبزّع» للسلطة كان بداية الالتفاف على الثورة هذا ما ألومه على أحمد نجيب الشابي و«الجمهوري» «العريضة الشعبية» قامت على استبلاه الشعب لا دليل على أن أموال سليم الرياحي مشبوهة حاورته: بسمة الواعر بركات عطيّة عثموني من الشخصيات التي لم تأخذ حظها إعلاميا ربما لأنه كان دائما في الصفوف الخلفية وربما لأن الرجل خيّر دائما ان يكون من جنود الخفاء ،هذا الإسم قد لا يكون معروفا لدى عامة الناس ولكنه معروف لدى قيادات بعض الأحزاب وكذلك لدى بعض الذين قادوا الاحتجاجات في سيدي بوزيد حتى انه يلقب ب «زعيم سيدي بوزيد»، ولكنه رغم مسيرته الزاخرة بالنضال ورغم مقاومته الشرسة لنظام بن علي التي كلفته الاعتقال في عديد المناسبات ظلّ بعيدا عن الأضواء متمترسا في خندق النضال. نشط عطية عثموني في «الحزب الديمقراطي التقدمي» قبل أن يصبح اسمه «الحزب الجمهوري» حاليا وأسس بعد الثورة حزبا اطلق عليه اسم «صوت إرادة الشعب» ثم التحق ب «الإتحاد الوطني الحرّ» حزب سليم الرياحي. «التونسية» التقت الرجل في حوار مطوّل تحدث فيه عن خفايا الحراك الشعبي الذي اندلع قبيل الثورة في سيدي بوزيد واللحظات الأخيرة في نظام بن علي، الى جانب حقيقة إنسلاخه عن «الحزب الجمهوري» وأسباب إنضمامه الى «الإتحاد الوطني الحرّ». كما تطرق حوارنا مع عثموني الى بعض القضايا الحالية كملف الإرهاب وتداعيات الأزمة الليبية على تونس هذا إلى جانب قضايا أخرى تكتشفونها في السطور التالية: لو تقدم لنا نفسك؟ عطية عثموني ناشط سياسي ونقابي ،مارست العمل السياسي والنقابى منذ دراستي في الثانوي وفي التعليم العالي وانخرطت منذ 1988 في «الحزب الديمقراطي التقدمي» (الجمهوري حاليا) كعضو مؤسس وكنت معارضا لنظام بن علي وناضلت ضدّ الإستبداد والقهر وتضامنت مع المساجين السياسيين بمن فيهم إسلاميو حركة «النهضة»، كنت أكتب في جريدة «الموقف» عن الجهات المهمّشة وخاصة سيدي بوزيد وآمنت بالقضايا القومية حيث نظمنا مسيرات ضدّ الكيان الصهيوني ونددنا باعتداءاته الغاشمة على غزّة وساندنا حركات التحرّر في العالم وما تعرّض له العراق. وفي الحقيقة تزّعمت عدة حركات إحتجاجية من أجل قضايا إجتماعية وحقوقية ونقابية في سيدي بوزيد وأطرّت تقريبا 3 احتجاجات في ملعب بن عون وجلمة وفي مركز إمتحانات الباكالوريا عام 2007....وهكذا لقبّت ب «زعيم» سيدي بوزيد ولم يكن هناك حراك على المستوى الجهوي أو الوطني إلا ودعمته إيمانا مني بأن الحقوق لابدّ أن تعود إلى أصحابها. كيف تعامل معك النظام السابق ؟ لقد نقمت على تخويف الشعب بالبوليس وواجهت فعلا الأمن بالكتابات في جريدة «الموقف» وحرّضت التلاميذ والفئات الشعبية على «جبروت» الأمن آنذاك، صحيح كنت محاصرا من قبل الأمن ومراقبا بشكل مستمر وممنوعا من دخول مراكز الأنترنات وكثيرون يعرفون ذلك ،طاردونني حتى في المقاهي وحتى المواطنين العاديين كانوا يخشونني ويتحاشون الجلوس معي إلا أننا نشطنا حزبيا ولم يكن النظام ليقبض علينا خوفا من تداعيات ذلك ، ولكن تم إعتقالي في 28 ديسمبر 2010 بعدما تصدرت عديد الإحتجاجات وخاصة تلك التي وقعت مباشرة بعد حادثة حرق البوعزيزي لنفسه. لقد حملت الثورة على أكتافي ونزلت إلى الشارع وكوّنت لجنة دعم المتابعة ودعم أهالي سيدي بوزيد رفقة المرحوم النقابي «علي الزارعي» عضو المكتب التنفيذي للإتحاد الجهوي للشغل بسيدي بوزيد . هذه اللجنة أطّرت جميع التحركات ليلا نهارا وعملنا على التواصل مع المناضلين النقابيين والمعتمديات لحثّهم على التحرك كما تواصلت هذه اللجنة مع الهياكل الوطنية سواء النقابية أو السياسية أو حتى نقابات التعليم الثانوي ومع قيادات التيار التقدمي وتواصلنا مع الجهات في أغلب الولاياتكالقصرين وصفاقس وبنزرت ... وكنا نعمل على حثهم لتكوين لجان لدعم سيدي بوزيد وتحوّلت تلك اللجان إلى قوة تحرّك الشارع والنقابيين في الأماكن التي كانوا فيها كبنزرت وصفاقس والقصرين . ويشهد ناجي الغرسلي عضو المجلس التأسيسي حاليا على ذلك ،لقد اتصلت به آنذاك وطلبت منه تحريك القصرين، وأقول باختصار إن الذين يدّعون المشاركة في الثورة هم بعيدون عنها وان الجهة الوحيدة التي حرّكت الشارع ودعمت الحراك حسب خطة سرية محكمة هي سيدي بوزيد وكنا نعمل على استمرار الحراك لكي لا نسقط في الهفوات التي وقع فيها أهالي ونقابيو ومناضلو الحوض المنجمي، وتتمثل تلك الهفوات في عدم توسيع المعركة إلى المعتمديات الأخرى حيث كانت مطالبهم جهوية بحتة في حين كانت مطالبنا وطنية وهي الديمقراطية والعدالة ومقاومة الفساد والمفسدين . هل توقّعتم سقوط نظام بن علي؟ لقد تحدثت مع الرفاق ومنهم أحمد نجيب الشابي في 2008 وقلت لهم إن بن علي انتهى، كنت في الميدان ولمست نقمة الشعب على النظام، واعتبر انه قام بأخطاء شنيعة بدءا بدخول «الطرابلسية» إلى معترك الحياة السياسية وبدايات نفوذ صخر الماطري والتبشير بإعتلاء ليلى الطرابلسي سدة الحكم ثم المطالبة بإعادة انتخاب بن علي والتمديد له في ولاية أخرى....كانت هذه الأخطاء في نظري قاتلة ولمسنا كيف ان الشعب سئم الإستبداد. ففي ظلّ انتشار الفقر والمحسوبية والإقصاء السياسي...كان من الطبيعي ان ينقم الشعب ويغضب وقد شعرنا بذلك منذ 2008 . وماذا عن الثورة ؟ الثورة بمنجزاتها كانت جيدة ولكن للأسف إدارتها كانت سيئة. فيوم 9 جانفي 2011 عقدنا إجتماعا داخل مقر «الحزب الديمقراطي التقدمي» وكنت الناطق الرسمي باسم لجنة المتابعة لأهالي سيدي بوزيد وقلت لهم في ذلك الإجتماع إنّ بن علي انتهى والوحيد الذي ساندني آنذاك كان محمد عبو. أما بقية الأمناء العامين ومنهم الأحياء والأموات فلم ينتبهوا الى موقفي ولم يساندوني،للأسف العديد منهم كانوا محكومين بهواجس عدة ومنها الخارجية والتي لم تكن لها أية علاقة بالحراك في الشارع . لقد تأكدت انه لا وجود لقيادة وان تعويل الجهات على القيادة الوطنية كان خطأ فادحا ،لو لم يهرب بن علي ما كانت لتتشكل قيادة وطنية بالجهات واعتبر شخصيا ان هروب بن علي كان المدخل الأول للإلتفاف على الثورة . في الحقيقة هروب بن علي كان هدفه إدخال البلاد في مشاكل ثانوية لكي لا تتكون قيادة وطنية والدليل على ذلك عودة وجوه من نفس النظام إلى الحكم ،لقد دفعت المخابرات الأجنبية الى ذلك الهروب لقطع الطريق أمام الثوار لإلهائهم بمشاكل هامشية، للأسف هذه الحيلة انطلت على الكثير من الأحزاب حتى تلك التي تدّعي اليوم الثورية وهو ما يفسر صعود الرئيس الانتقالي فؤاد المبزع واستلامه الحكم . لقد بدأ يومها العدّ التنازلي لاحتواء الثورة والالتفاف عليها وهو ما سمح بتوظيف الاعلام لاستبعاد الثوّار الحقيقيين وإخراج نماذج مرتبطة بالنظام السابق وأيضا لتنفيذ برنامج غربي أمريكي وتمكين الإسلاميين من الحكم وهو ما حول الثورة الشعبية إلى ثورة «الياسمين». كانت قوى الثورة الحقيقية تتّشتت ،نفس السيناريو حصل في المجلس التأسيسي وهو ما جعل أطرافا مرتبطة بأجندات أجنبية تدخل إلى هناك وأذكر على سبيل المثال لا الحصر حزب «العريضة الشعبية» الذي كان صاحبه مدافعا شرسا عن النظام السابق. وأعتبر أن ما فعله المجلس الوطني التأسيسي بمثابة الضربة القاضية التي أنهكت الثورة والثوّار ثم بدأت الأحزاب في التفكك والإنهيار ولاحظنا كيفية إعادة التحالفات وتوزيع الأوراق من جديد سواء كان ذلك على مستوى السلطة أو المعارضة وكان علينا إيجاد مخرج من هذا الوضع وأسّسنا حزبا سميناه «صوت إرادة الشعب» وكان شعارنا «إذا الشعب أراد الحياة فلابدّ ان يستجيب القدر». سيدي بوزيد همّشت قبل الثورة وبعدها لماذا برأيكم؟ سيدي بوزيد عانت الكثير من التهميش وكان ذلك منذ العهد النوفمبري وحتى في مرحلة «الترويكا» وأيضا في هذه المرحلة فكل الذين انتخبوا في المجلس التأسيسي عن سيدي بوزيد لم يقدموا شيئا للجهة، كان همّ البعض المصلحة الخاصة وبالتالي فإن سيدي بوزيد في حاجة اليوم إلى رجالها الحقيقيين الذين يعرفون قضاياها ومشاكلها ودافعوا عن الجهة ايام القمع وفي سنوات الجمر ،نشعر وكأن القوى التي حكمت بعد الثورة أرادت معاقبة سيدي بوزيد لأن أهاليها يعتبرون ان أهداف الثورة لم تتحقق واليوم نشعر وكأن هناك عقابا مسلطا على سيدي بوزيد،هناك جهات استنكرت وأنكرت ان تكون «بوزيد» منبع الثورة في تونس ،وهناك من عمل المستحيل لتغيير ثورة 17 ديسمبر ليقول 17 و14 جانفي للأسف عقلية البعض لم تستوعب أن تكون سيدي بوزيد مهد الثورة. سيدي بوزيد تعاني اليوم من محاولة قتل الرموز فيها ورأينا عمليات تشويه مقصودة للبوعزيزي ومحاولات لإقصاء وتهميش الرّجال الحقيقيين. لقد همّشت بوزيد ثقافيا وحتى رمزيا حتى انّ البعض يريد تزوير التاريخ وتغييره ونحن نقول لهم إنّنا صامدون. من «الجمهوري» الى «الإتحاد الوطني الحرّ» لماذا وكيف جاء هذا التغيير؟ اختلفت مع «الحزب الديمقراطي التقدمي» بسبب الإندماجات والتحالفات التي أنجزها الحزب وخاصة مع «آفاق تونس» و«الإتحاد من أجل تونس»، لقد رفضت ذلك رفضا مطلقا وقلت انّ المطلوب إعادة الترميم وكان الجمهوري ليكون الحزب الأول في تونس لأنه يضم درّة المناضلين وكان برنامجنا ان نجمع الشتات ونتنّظم ولكن للأسف القيادة لم تستمع إلينا وانساقت إلى «آفاق تونس» وتم اقصاء المناضلين من الحزب وتعويضهم بأناس جدد ظهروا بعد الثورة . لقد كان انضمامي ل «الإتحاد الوطني الحر» لإعادة الإعتبار إلى سيدي بوزيد ولمطالب «بوزيد» وانا حاليا أشغل خطة مسؤول الهياكل بهذا الحزب ورئيس قائمة سيدي بوزيد وسنتقدم ببرنامج للتنمية الحقيقية وقد انطلقنا في الإتّصال برجال الأعمال وبالأصدقاء في الداخل والخارج لتوفير الإستثمارات . ولكن هناك إتهامات موجّهة إلى رئيس الحزب حول مصدر ثروته حيث يعتبرها البعض مشبوهة فما ردّكم؟ نحن مقتنعون انّ رئيس الحزب لم يسرق أيّ مليم بل وضع ثروته على ذمة الشعب والنادي الإفريقي وهذا دليل على اهتمامه بالشباب. والى حدّ اليوم ليس هناك أي دليل على أن أمواله مشبوهة وما شجعني في «الإتحاد الوطني الحرّ» هو برنامج الحزب الذي رأيت انه يستجيب لمطالب الثورة وما يشاع من أن صاحبه يشتري الضمائر فهذا الكلام غير صحيح فالحزب «براغماتي» وبإمكاننا تغيير الواقع الإقتصادي والإجتماعي وتكوين مؤسسات قادرة على استيعاب الشباب العاطل عن العمل والبرنامج الإقتصادي والإجتماعي قابل للتطبيق بناء على ما توفره بلادنا من علاقات وإمكانيات مالية . صحيح ان للرجل ثروة ولكن عوض تشجيعه على الإستثمار نحسده ومروجو هذا الكلام في الحقيقة يصطادون في الماء العكر وعليهم أن يتجاوزوا هذه الأفكار . أعتبر ان الرجل قادر على تطوير البلاد وتوفير مواطن شغل للشباب ونلاحظ اليوم كيف انّ الشباب يهاجر في قوارب الموت وقد آن الأوان لكي تكون له حياة أفضل في بلادنا. لماذا لم تختاروا «العريضة الشعبية» التي حققت مفاجأة في الإنتخابات السابقة ؟ «العريضة الشعبية» تأسست على خطاب شعبوي فيه الكثير من المغالطات وعدم الصدق وقائمة على استبلاه الشعب واللعب بعواطف الناس. وشخصيا أقول إن الهاشمي الحامدي وخطاباته من الأشياء التي دمّرت رمزية الثورة في سيدي بوزيد . ما تعليقك على ترشح أحمد نجيب الشابي ل «الرئاسية»؟ لن أقول شيئا سوى كان الله في عونه،هو شخصية محترمة ناضل كثيرا وذلك رغم الأخطاء التي قام بها بعد الثورة كالتسرّع في الدخول في حكومة محمد الغنوشي وسوء إدارة الحملة الإنتخابية سواء الإشهارية او الإعلامية وألومه على التسرّع كذلك في بعض التصريحات والمواقف السياسية وحتى في الإندماجات والتي تم من خلالها إقصاء مناضلي الحزب الحقيقيين ،ولكن ما ألومه أكثر على «الحزب الجمهوري» هو تغيير التحالفات بشكل سريع فمرّة كان قريبا من «النهضة» ومرة أخرى من «النداء» وبالتالي لم يكن له موقف واضح ، ورغم كلّ هذه الهفوات يبقى «الشابي» في نظري رجلا وطنيا حقيقيا وضحّى كثيرا قبل الثورة . واعتبر ترشحه للرئاسية مسؤولية إذا تمّكن طبعا من ذلك. كيف تتابعون ملف الإرهاب وتداعيات الأزمة الليبية على تونس ؟ لقد دعونا في «الإتحاد الوطني الحرّ» إلى عقد مؤتمر وطني لمقاومة الإرهاب باعتبار ذلك من الأولويات القصوى مع ما يعني ذلك من دعم الجيش والأمن بالوسائل والآليات التي تمكنّهما من مقاومة هذا الخطر الداهم. نلاحظ كيف انّ عديد الشخصيات أصبحت مهددة بالإغتيالات فحتى سليم الرّياحي رئيس «الإتحاد الوطني الحرّ» مهدّد ،وبالتالي فإن توفير الأمن أصبح ضرورة قصوى. أما بالنسبة للأوضاع في ليبيا فهي على غاية من الخطورة وأعتبر ان المؤسسات العسكرية والأمنية في كلّ من الجزائروتونس مدعوة للتنسيق أكثر في ما بينها لكي نواجه هذا الخطر الذي بات ينبئ بكارثة في المنطقة ،وأكثر ما يخيفني شخصيا هو إمكانية تسلل بعض الميليشيات على الحدود التونسية الليبية وفتحها لخط أو جبهة داخلية وهو ما يحتم مزيد اليقظة للتصدي لأيّ هجوم محتمل .