بقلم خولة الزتايقي وقّعت تونس على العديد من الإتفاقيات الدولية المتعلقة بالإرهاب منها ما صدر من قرارات عن مجلس الامن والتي تصدر وفقا لمقتضيات الفصل 7 من ميثاق الاممالمتحدة، وهي إلتزامات يؤدي عدم إحترام تطبيقها إلى عقوبات سياسية وإقتصادية وحتى عسكرية. وقد وقّعت تونس على 14 إتفاقية دولية متعلقة بالإرهاب. أما بالنسبة للقانون التونسي، فقد سن المشرع القانون عدد 75 لسنة 2003 المؤرخ في 10 ديسمبر 2003 المتعلق بدعم المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال. ويقوم قانون الإرهاب على أساس حماية المجتمع وضمان حقه في العيش في الامن والسلام وتحقيق الإستقرار وحمايته من العنف والتطرف والعنصرية والإرهاب. ويقوم قانون الإرهاب على دعم المجهود الدولي والعالمي الهادف إلى محاكمة كل أشكال الإرهاب والتصدي لمصادر تمويله وذلك ضمن إتفاقيات دولية وإقليمية مصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية، مع إحترام مقتضيات الدستور التونسي. قانون 2003 وقد اعتبر المشرع التونسي، انه تعتبر إرهابية، كل جريمة مهما كانت دوافعها من شأنها ترويع وزرع الرعب بين المواطنين وتهديد حياتهم وذلك بهدف تغيير سياسة معينة أو الضغط على الدولة للقيام بعمل ما أو الإمتناع عن القيام بامر أو الإخلال بالنظام العام او السلم أو الأمن الدوليين أو الإضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة. ويعد مرتكبا للجرائم الإرهابية كل من يدعو إليها أو يعزم على الفعل والقيام بالأعمال التحضيرية. وتضبط أدنى عقوبة للسجن حسب مقتضيات الفصل 7 من قانون 2003 كما يلي: إذا كان العقاب المستوجب السجن بقية العمر، فإن أدناه يحدد ب30 سنة، أما إذا كان كان العقاب المستوجب السجن لمدة معينة فإن أدناه يحدد بنصف أقصى العقوبة المقررم للجريمة الأصلية. وتضاعف العقوبة المقررة للجريمة في صورة العود، ولايمكن للمحكمة النزول بها إلى ما دون النصف بعد إعتبار التضعيف، ويكون الحكم بأقصى العقوبة المستوجبة للجريمة إذا ارتكبت ممّن عهد إليهم القانون بمهمة معاينتها وزجر مرتكبيها. كما تستوجب الجرائم الإرهابية عقابا ماليا يساوي 10 مرات مبلغ الخطية المستوجبة للجريمة الاصلية. ويعتبر بعض الخبراء في مجال حقوق الإنسان أن قانون الإرهاب لا يضمن محاكمات عادلة ونزيهة، كما أنه يتعارض مع الحدود الدنيا للحريات العامة والفردية. كما اعتبر البعض أن قانون الإرهاب غير دستوري ولا يحمي مقومات المحاكمة العادلة وأدنى شروط الحرية. ويرى رجال القانون أن قانون الإرهاب وجب إعادة النظر فيه وتخليصه من الضبابية والأحكام التي كانت تجعله مطوعا لمحاكمات جائرة ووضع أحكام دقيقة لا يمكن أن تنزلق مستقبلا إلى محاكمات رأي وقمع حريات حتى لا يحيد عن الأهداف التي سنّ من أجلها وتصحيح مساره لكي لا يكون في المستقبل أداة لمحاكماة سياسية، أو قمع للاراء. ويعتبر الحقوقيون أن قانون الإرهاب يحتوي على أحكام عامة يمكن أن تكون مدخلا لقمع الحريات من خلال تأويلات واسعة لتلك الأحكام. كما أن التأويل السيّء للنص والاحكام يفتح الباب أمام توظيف النص في محاكمات رأي ومحاكمات سياسية وبالتالي فإنه من الواجب التصدي لهذه الممارسات وهو مايتطلب ليس فقط مراجعة النص وإنما يتطلب إستقلالية القضاء وعدم الضغط على القضاة لتطبيق النص بإتجاه معين. وقد اعتبر الأستاذ البشير الفرشيشي المحامي والأستاذ الجامعي أن قانون 2003 في جانبه المتعلق بجرائم الإرهاب وليس التبييض، «فالتبييض يمكن أن يبقى قانونا خاصا»، يستحق إعادة النظر في إتجاه إنهاء إستقلاليته «المقدوح فيها» وذلك عن طريق إلغاء عديد الإجراءات الماسة بحق الدفاع ومصلحة المتهم الشرعية وسحب بقية الإجراءات وإدراجها بمجلة الإجراءات الجزائية حتى تكون هذه المجلة رائدة وسباقة وبهذه الطريقة يفقد قانون مكافحة الإرهاب صبغته المخيفة والمستهجنة، كذلك وجب الإبقاء على بعض الجرائم الضرورية لمكافحة الإرهاب مع وجوب إدراجها ضمن عنوان مستقل بالمجلة الجزائية وبهذه الشاكلة يفقد قانون الإرهاب صبغته الخاصة المتشددة ويندرج بصورة تناسقية وبصورة طبيعية في المنظومةالجزائية العادية وننهي هكذا الإستقلالية. ترحيب بمشروع القانون الجديد العملية الإرهابية الأخيرة والتي استشهد فيها 15 جنديا، دفعت بالسياسيين والبرلمان والحكومة والمجتمع المدني، إلى الاسراع في الدعوة إلى سن قانون جديد لمكافحة الارهاب وعقد مؤتمر وطني حول هذه الظاهرة. وفي سياق متّصل، طالبت جمعيّات واحزاب سياسيّة بالمصادقة على قانون الإرهاب ومنع غسيل الأموال، الذي طال أمد مناقشته داخل المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان)، بإعتباره الإطار التّشريعي الوحيد لمقاومة الإرهاب الذي نخر البلاد وأتّهمت المجلس بتعطيل سير تقدّم إقراره. قانون مكافحة الإرهاب طرح للنقاش صلب لجنة التشريع العام بالمجلس التأسيسي وسيعوض قانون الإرهاب لسنة 2003. وقد تخلى التأسيسي عن مقترح إدخال مقترحات تعديلات كبرى على قانون الإرهاب السابق باعتباره قانونا ظالما لا يتماشى مع حقوق الإنسان المنصوص عليها في الدستور، إلا أن العمليات الإرهابية المتتالية التي حدثت في تونس أجبرته على الشروع في مناقشة مشروع قانون عدد 09 لسنة 2014 الذي تقدم به علي العريض أثناء توليه منصب رئيس للحكومة ويتضمن 136 فصلا. وبالنظر إلى فصول مشرع هذا القانون فقد تم تضمين بنود تنص على خلق آليات جديدة للتصدي للإرهاب كإرجاع النظر في مطالب التنصت إلى القضاء وإلزام المحامي بكشف السر المهني إذا اقتضى الأمر إضافة إلى إحداث “اللجنة التونسية لمكافحة الإرهاب” التي ستقوم بالتعاون مع جهات داخلية وخارجية بنفس الإختصاص من أجل تركيز الرقابة على منافذ ومعاقل الإرهاب. من جهة أخرى يسعى القائمون على مناقشة هذا القانون إلى ضمان أقصى التدابير من أجل المحافظة على احترام المعاهدات الدولية في ما يتعلق بحقوق الانسان. وقد صرحت رئيسة لجنة التشريع العام كلثوم بدر الدين بأن البطء في مناقشة هذا القانون «ليس متعمّدا» وإنما كان راجعا إلى «التدقيق في هذا القانون الدسم حتى يكون ناجعا ومراعيا لحقوق الإنسان». ويحتوي مشروع قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال على 136 فصلا تضمّنت تنقيحات للقانون القديم حتى لا يتعارض مع الدستور الجديد الذي أقرّت أغلب الأحزاب والجمعيات بأنه مكرّس لحقوق الإنسان. كما اعتبرت أن غياب تعريف شامل للإرهاب بالقانون كان «خيارا مقصودا»، وتوضح أنّ مشروع قانون الإرهاب تضمّن تحديدا دقيقا وموسعا لكل ما يفترض أنها أعمال إرهابية حتى لا يبقى رهين تعريف ظرفي «يكون اليوم موسعا لكنه قد يصبح ضيقا مع تشعب جرائم الإرهاب وتطورها». وتقول أيضا إن مشروع القانون تضمن تحسينات كثيرة عكس قانون 2003، مبينة أنه تخلّص من التعريف الفضفاض لمفهوم الإرهاب وعوضه بقائمة للأعمال الإرهابية بالرجوع للاتفاقيات الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب. وقد أكد رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء أحمد الرحموني أن مشروع قانون الإرهاب تضمن مزايا كثيرة، مؤكدا أنه لا توجد فيه عيوب أساسية في مستوى القانون مقارنة بالتشريع السابق. وأكد الرحموني أنّ القانون الجديد أقلّ صرامة من السابق لأنه يتجه نحو إقرار المعايير الدولية في مكافحة الإرهاب، مبرزا أنه يتجه لأول مرّة لجبر أضرار ضحايا الإرهاب وعدم تسليم أشخاص حوكموا بجرائم إرهابية إلى بلدان يتوقع أن يتعرضوا فيها إلى التعذيب. انتقادات بالجملة من جهة أخرى لم يلق هذا القانون ترحيبا من عدد من الناشطين في المجتمع المدني الذين عبروا عن تحفظهم تجاهه خلال العديد من التصريحات . كما عبر الناشطون على أن مقاومة الإرهاب تتطلب إرادة سياسية وتماسكا لدى الجهاز الأمني خصوصا وأن قانون الإرهاب لسنة 2003 مازال جاريا العمل به ولم ينجح في الحد من الضربات الموجعة التي وجهها إرهابيون إلى تونسيين عزل. وفي السياق، تقول آمنة القلالي رئيسة منظمة هيومن رايتس في تونس إنّه رغم التحسن الحاصل مقارنة بالقانون القديم فإنّ مشروع قانون الإرهاب مازال يتضمن أحكاما مثيرة تبعث على القلق، وفق تعبيرها. وأضافت آمنة القلالي أنّ بعض مواد القانون قد تفتح الباب أمام محاكمات سياسية بتهمة الإرهاب، وتمنح القضاة سلطة مفرطة في العمل بإجراءات استثنائية وتقيّد قدرة المحامي على الدفاع بطريقة فعالة. وأشارت إلى أنّ مشروع القانون لا يضمن أيضا وجود رقابة قضائية كافية على تدخل الأجهزة الأمنية خلال التنصت على خصوصيات الأشخاص أثناء عمليات مكافحة الإرهاب، وهو ما يمثل اعتداء على الحقوق الأساسية. وقد قالت روضة العبيدي رئيسة نقابة القضاة التونسيين إنه تم إستثناء نقابة القضاة من ابداء رأيها في قانون الارهاب المصادق عليه، وتم إقصاؤها نظرا لما قدمته من احترازات على هذا القانون حسب قولها . وأشارت العبيدي أنه تم سماع كل الحقوقيين إلا نقابة القضاة رغم مساعدتها بالخبراء في ما يخص قانون الإرهاب والقراءات والمحاضرات التي تمت في فترة دراسة القانون وصياغته . وقد اعتبر مازن الشريف الخبير الاستراتيجي في الشؤون الأمنيّة والعسكريّةفي تصريح ل«التونسية» أن المسودة الأولى لقانون الإرهاب المطروحة على طاولة المجلس التأسيسي كتبت «من أجل الإرهابيين» معتبرا أن الإرهاب ومكافحته وقانونه ليسوا «لعبة للتسلية لدى البعض من الهواة» على حد تعبيره داعيا إلى ضرورة استئناف العمل بقانون 2003 للإرهاب مع إضفاء تطويرات إستراتيجية وأكثر وقائية لا تعديلات حقوقية وإلى نزع ملف الإرهاب نهائيا من يد الحقوقيين وبشكل صارم والضرب بقوة على كل من يدافع عن الإرهابيين ويحاول تبييض الإرهاب كائنا من كان. وأقر مازن الشريف أن العقوبات الواردة في القانون الجديد الذي وصفه ب «المشبوه» تعد خيانة أخرى لدماء الشهداء وضربة في خاصرة الوطن وسيجعل من تونس وجهة سياحية إرهابية متابعا «عندما اطلعت على المسودة الأولى من قانون الإرهاب الجديد، قلت إنه كُتب من أجل الإرهابيين وجزمت بوجود خلل متعمد خاصة أن كل أبواب القانون قد شملها العفو الرئاسي وأن أقصى عقوبة ( مثل عملية ذبح جنودنا أو أولئك الذين قاموا بالعملية الإرهابية الأخيرة) هي المؤبد في المسودة التي اطلعت عليها منذ فترة ولا اعلم إن تم تعديلها مع وجود احتمال العفو الرئاسي، في حين توجد عقوبات جنائية على بعض حالات الاغتصاب تصل إلى الإعدام في القانون التونسي وبما أن الرئيس حقوقي والصياغة من وزارة حقوق الإنسان فمن المحال التوقيع على حكم الإعدام كما أن التغافل عن تفعيل إستراتيجية حقيقية لمكافحة الإرهاب وتعطيل كل مشروع يمكنه أن يساهم في وضع تلك الإستراتيجية يعد توقيعا على قتل الجنود والأمنيين».