لا يخفى على احد ما الحقته ثورة جانفي 2011 بالسياحة التونسية وما خلفه الانفلات الامني الذي عقبها ومن تداعيات حكمت على السياحة بالركود فتراجع عدد السياح الوافدين على بلادنا وتراجعت عائدات النزل والفنادق وتضخمت ديون هذه الاخيرة واصبح مالكوها في حيرة من امرهم فلا البنوك امهلتهم ولا الوضع العام للبلاد أسعفهم . وقد جاء في دراسة حصلت «التونسية» على نسخة منها اعدتها الجامعة التونسية للنزل شخصت فيها وضعية النزل التونسية ورصدت حجم ديونها وعلاقة هذه الاخيرة بالبنوك. إن مسألة تفاقم ديون القطاع السياحي مسألة قديمة تعود الى ما يقارب العشرين سنة وان علاقة متينة تجمع بين تضخم حجم ديون القطاع السياحي وبين الاداءات الموظفة على القطاع من قبل البنوك باعتبار أن هذه الأخيرة تعزو قلة سيولتها الى تضخم حجم الديون غير المدفوعة والمتخلدة بذمة حرفائها من النزل والفنادق في حين يرجع اصحاب النزل والفنادق ازمتهم وتضخم ديونهم الى حجم الاداءات الموظفة عليهم والتي وصفها بعضهم بغير القانونية. وبين هذا وذاك تطرح شركة التصرف في الاصول كبديل لهذه الوضعية وكحل لتخليص اصحاب النزل من ديونهم التي ظلت تتفاقم يوما بعد اخر وهي ولئن مثلت حلا لبعضهم فانها لاقت احتجاجا من البعض الاخر بسبب بعض النقائص التي احتواها مشروع القانون المتعلق بها . فما هي شركة التصرف في الاصول وما هي مهمتها بالتحديد وماهي التحفظات التي ابدتها سلطة الاشراف (جامعة النزل) بشأنها وهل ساهمت البنوك فعلا في الازمة التي تعيشها المؤسسات الفندقية عبر مضاعفة حجم مديونيتها بإقرارها لاداءات غير قانونية عليها وماهو حجم مديونية النزل التونسية وماهي الحلول المقترحة من جامعة النزل لانعاش القطاع ولجعل شركة التصرف في الاصول شركة «قانونية» لا تحيد عن مهمتها الاصلية؟ «التونسية» اتصلت بالسيد رضوان بن صالح مدير جامعة النزل وببعض اصحاب الفنادق كما استانست بالدراسة التي اعدتها جامعة النزل في الغرض فكان التحقيق التالي. شركة التصرف في الاصول : مهمتها واسباب بعثها يتم بموجب الفصل السادس من قانون المالية التكميلي لهذه السنة انشاء شركة التصرف في الاصول وقد لا قى هذا الفصل احتجاجا من قبل اعضاء المجلس التاسيسي حيث اجمع عدد هام منهم على الغائه كما جوبه الفصل المذكور بوابل من النقد جاء من أصحاب رؤوس الاموال والهياكل المهنية لا سيما ان هذا الفصل يعتبر من بين أخطر الفصول الواردة في هذا القانون اذ ينص على «إحداث شركة خفية الاسم يطلق عليها اسم الشركة التونسية للتصرف في الأصول، ويشار إليها بمقتضى هذا القانون ب «الشركة». وبعد أخذ ورّد تم الاتفاق على ان بعث هذه الشركة سيضبطه قانون خارج عن قانون المالية التكميلي في مقابل الابقاء على الإعتمادات التي كانت مخصصة لإحداثها والتي قدرت ب150 مليون دينار كما ضبطت مدة نشاطها ب 12 سنة . وتعود فكرة انشاء الشركة الى سنة 2011 وتحديدا بعد الثورة وتتنزل في اطار خلق التوازن في الوضعية المالية للبنوك بعد نقص السيولة وانهيار الترقيم السيادي الذي تحدده الشركات الدولية للترقيم وقد انجز البنك المركزي بالاستعانة بالبنك الدولي دراسة عقد على ضوئها مجلسا وزاريا قرر انشاء شركة التصرف في الاصول (societe de gestion d' actifs) والتي تشتري مجموعة الديون المتخلدة بذمة قطاع النزل والفنادق لفائدة البنوك. وقد اكد رضوان بن صالح مدير جامعة النزل ان المساهم في شركة التصرف في الاصول هي الدولة التونسية وان رأس مالها حدد ب 150 مليون دينار مضيفا ان صلاحياتها غير محدودة وأن بامكانها شراء ديون أي فندق تأخر في استخلاصها لافتا الانتباه الى ان قراراتها غير قابلة للطعن بحيث لا يمكن لصاحب الدين اللجوء الى القضاء في حال نشب خلاف بينه وبين شركة التصرف. وقال بن صالح:« بعثت هذان النقطتان بعض التخوف في نفوس اصحاب الفنادق التي تعاني من المديونية» واضاف :احسوا بان الشركة يمكن ان تتصرف معهم بلا شرط ولا قيد ». واكد بن صالح على ان الجامعة بصدد اقتراح بعض الحلول التي من شانها تحديد صلاحيات هذه الشركة وضبط قائمة النزل التي يمكن شراء اصل دينها وهي التي لم تسدد ديونها الى حدود 31 ديسمبر 2009. مشيرا الى ان هنالك وضعيات اخرى لا يريد للشركة التدخل فيها . من جهة اخرى شدد رئيس جامعة النزل على ضرورة ان يكون لصاحب الفندق امكانية اللجوء الى القضاء خاصة اذا تعلق الامر بتحديد مبلغ الدين مشيرا الى انه في حال نشب خلاف بين البنك وبين صاحب النزل على مبلغ الدين فان الاتفاق لا يكون الا بالتوجه الى القضاء أو الى التحكيم. وبخصوص حجم الديون المتخلدة بذمة اصحاب النزل لدى البنوك قال بن صالح انها بلغت قبل سنة 2010 3411 مليون دينار مضيفا ان نسبة هامة منها لم يقع استخلاصها ( ديون عالقة) وان 50 بالمائة من المبالغ المذكورة وقع استخلاصها بكيفية غير منتظمة . واشار بن صالح الى تطور حجم الديون المذكورة ليصل الى 3800 مليون دينار سنة 2012. من يتحمل المسؤولية ؟ اكد رئيس جامعة النزل ان الدولة والبنوك والباعثين يتحّملون مسؤولية الوضعية المتردية التي تعيشها اغلب النزل الآن والتي جعلتها على مشارف الافلاس مشيرا إلى ان الدولة في بداية التسعينات راهنت على الباعثين الشبان ومكنتهم من قروض تصل الى 75 بالمائة من حجم المشروع ككل مقابل تمويل ذاتي يصل الى 25 بالمائة لكن في اطار ظروف لا تشجع على الاستثمار ولا على المردودية (طاقة محدودة ب 200 سرير ومواقع غير لا ئقة للانتصاب ) وهو ما ساهم حسب رايه في جعل الوحدات الفندقية منعدمة المردودية الشيء الذي فاقم المديونية وجر الفنادق الاخرى الى التخفيض في الاسعارعلى حد قوله . من جهة اخرى اكد بن صالح انهم متشبثون بحل جذري للمديونية واقترحوا ان تشتري شركة الأصول ديون النزل التي لم تسدد ديونها الى غاية 2009 والنزل التي تفاقمت ديونها قبل هذه الفترة او النزل المهدد ة بالغلق او تحول نوعية نشاطها . وبالنسبة للنزل التي تفاقمت مديونيتها بعد الثورة اقترح بن صالح اعادة هيكلة ديونها وتسديدها على مدة تتجاوز المدة العادية المقدرة ب12 سنة ومحاولة الوصول بها الى 20 سنة . وفي ختام حديثه اكد بن صالح على أن ازمة النزل أزمة عميقة مشيرا الى أن مسألة مديونيتها مسالة هيكلية بدأت منذ اوائل التسعينات وتفاقمت سنة 2010 . وقال بن صالح انهم بصدد دراسة مشروع القانون المؤسس لشركة الاصول مضيفا انهم سيتحاورون مع الحكومة ليضمنوا مصلحة الفنادق ومصلحة البنوك في ذات الوقت . من جهته اشار خالد الفوراتي صاحب نزل «الكونتيننتال» بالقيروان الى أن دور شركة التصرف في الاصول دور طيب مؤكدا على انها بعثت في اطار تطهير المؤسسات البنكية لافتا الانتباه الى ان أزمة السياحة في تونس أزمة هيكلية .واشار الفوراتي الى ان البنوك لها دور في تراكم ديون المؤسسات الفندقية مشيرا إلى أن لوبي البنوك على حد قوله صلب ومتين لا يمكن للوبي الفنادق مواجهته واصفا هذا الاخير بالتشتت وبالسلبية مؤكدا على ان الجمعية التونسية للنزل لا تمثل الا 20 بالمائة من النزل وان اصحاب الفنادق ليس لهم ثقة فيها . السياحة التونسية في ارقام يعتبر القطاع السياحي قطاعا استراتيجيا في الاقتصاد التونسي وحسب دراسة اعدتها جمعية النزل يضم قطاع الفنادق والنزل 800 وحدة فندقية بطاقة استيعاب تقدر ب 241828 سريرا وقد بلغ حجم الاستثمار في هذا القطاع في 31 ديسمبر 2010 7219.3 مليون دينار. وخلق قطاع السياحة الى غاية 2010 386444 موطن شغل اي بنسبة 11.7 بالمائة من مجموع النشيطين . كما بلغت عائدات القطاع السياحي بالعملة الصعبة في نفس الفترة 3523 مليون دينار.