بقلم: جيهان لغماري ارتفعت وتيرة الانسحابات من عديد الأحزاب والجبهات على خلفية اختيار رؤساء القائمات داخلها مما يفتح باب التساؤلات المشروعة: مَنْ صاحب الحق؟، إذ لا يمكن وضع كل المغادرين في سلّة واحدة خاصة إذا كان للبعض تاريخ نضالي مشرّف وسيرة ناصعة البياض. الغاضبون بهذا المعنى، أنواع: صادقون أو طماعون، مظلومون أو أنانيون، مبدئيون أو حربائيون. والغاضبون إمّا أشخاص داخل أحزابهم أو أحزاب «شخصية» داخل الجبهات. بالنسبة لغاضبي الحزب الواحد، وهنا لا نستثني أحدا من اليمين والوسط واليسار، ظاهر المشاكل هو رئاسة القائمة والأمر مفهوم لأنّ الاسم الأوّل بإمكانه نظريا الحصول على كرسي كامل «القوائم» والفخامة بحفنة من الأصوات «المبتورة»، وأكثر الحالمين بمقعد في باردو لا يثقون بتحقيق طموحهم إلا عن طريق «رحمة» قاعدة أكبر البواقي! داخل الحزب الواحد، الطموح في الحصول على تموقع جيّد أمر مقبول ما لم يتجاوز حدّه ليصبح الانتماء للحزب مجرّد يافطة لتحقيق مكاسب شخصيّة. بعض المنسحبين من هذا النوع، إمّا أنه عضو حالي في المجلس التأسيسي وكان يعتقد أنّ له حصانة ضدّ استبعاده من السباق، متناسيا في ذلك ربما «مردوده» المتواضع حسب تقييمات موضوعية قد يكون الحزب قام بها في الجهات والاستدلال بآراء المواطنين هناك ورغبتهم في عدم ترشيحه مرة أخرى. وإمّا أنه بقي مستكينا داخل خيمة الحزب وموطّدا علاقاته الودية بكل الأجنحة، منتظرا اللحظة الحاسمة لتحقيق أحلامه النيابية وعندما خاب مسعاه، غادر مسرعا، شاتما، لاعنا الحزب الذي لم يقدّر كفاءته وقامته. مع ذلك، لا بد من القول أنّ التمشّي النظري داخل الأحزاب من المفروض أن يكون تسلسله من الأسفل إلى الأعلى، من الجهات والفروع إلى المركز. هل من الإنصاف اتهام غاضب منسحب بالطمع بينما الحقيقة هي أنّ جهته أو فروعها أعطته ثقتها فإذا بالمركزية تزكّي اسما آخر؟. هنا تُطرَح بجدية مسألة الديمقراطية داخل الأحزاب، هذه الأخيرة تتشدّق علينا ببرامج تنموية للجهات تعتمد على مجالس التسيير المحلية المنتخبة من الأهالي أنفسهم لمعرفتهم بمشاكل وخصوصيات جهاتهم، هي نفسها التي تقمع اختيارات قواعدها في الفروع بدعوى أنّ آراءها استشارية فحسب وأنّ القرار يبقى حكرا على المكتب السياسي!، أي أنّ القرارات جاهزة والاستشارة شكلية إذا تعارضت معها. هذا حال التسيير داخل أحزابنا فكيف ستسيّر شؤون العامة لو كُتِب لها الفوز؟. الصنف الثاني من الغاضبين أكثر حسابات وأدهى في تكتيكات اللحظات الأخيرة،هي الأحزاب ال«شخصية» (ولا نقصد الأحزاب الصغيرة التي تعمل بجد لتكبر تدريجيا). إنها تتموقع داخل جبهة أحزاب وعينها على الباب، إمّا أن يترأس صاحب الرخصة والمنخرط الوحيد في حزبه (يضاف إليه أفراد عائلته) القائمة وإمّا الانسحاب في انتظار بقية الحساب!. من الجائز في هذه الحالة الاستنتاج أنّ انضمام هذه «الحُزَيْبات» الميكروسكوبية للجبهات لم يكن نتاج توافق على أهداف إستراتيجية مشتركة بقدر ما كان مرتبطا بالآني الانتخابي، أي الطمع في أن يمكنها العمل الجبهوي من رئاسة قائمة وبالتالي ضمان أصوات محترمة تجمع فيها كل محصول تعب وشعبية بقية مكونات الجبهة. إنّ كثرة الغاضبين تشي بأنّ المشهد النيابي القادم لن يختلف جوهريا عن المجلس التأسيسي في تشتت مكوناته، كما أنّ ادعاء القدرة على تجميع الأصوات التي انتخبت سابقا ولم تكن رغم ذلك ممثلة، كذبة سيفندها الصندوق الذي سيلفظ رقما لن يقل عن مشتقات المليون من الأصوات التي ستذهب هباء منثورا.