بقلم: مصطفى قوبعة توقّف العدوان على غزة بعد أن خلّف أكثر من 2000 شهيد وما يفوق 11 ألف جريح ودمارا كبيرا في المنشآت المدنية. وعلى خلاف مظاهر العدوان السابقة فإن الصورة ولم تكن واضحة بالكامل في حيثيات العدوان الاخير، مستوطنون يحرقون جثة طفل عربي، في القدسالمحتلة، فمجهولون يختطفون أربعة مستوطنين صهاينة في الضفة الغربية فتنفجر الأوضاع بصفة فجئية في قطاع غزة أي أن الفعل تم في القدسالمحتلة وردة الفعل في الضفة الغربية والنتيجة في قطاع غزة. بهذه الصورة المشوّشة لم يكن العدوان الأخير على غزة في اسبابه المعلنة والخفية وفي دوافعه المباشرة وغير المباشرة بريئا، ولكن جاءت النتائج على عكس ما أريد لها أو على عكس ما خطط لها من هذا الجانب أو ذاك، فعسكريا لم ينتصر العدو الصهيوني ولم تنهزم المقاومة وبقيت قاعدة توازن الرعب تحكم حاضر ومستقبل الحالة العسكرية الفلسطينية الصهيونية وعسكريا كذلك ثبّت العدوان سلاح المقاومة الفلسطينية وأكّد دورها الطلائعي في تحقيق الشعب الفلسطيني لأهدافه الوطنية في انهاء الاحتلال وفي بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف توازيا مع متطلبات النضال المدني والسياسي والديبلوماسي. سياسيا تخرج مصر من الوضع المعقد الذي فرضه عليها العدوان المفاجئ على غزّة وكأنها استشعرت أن هذا العدوان يحمل لها الكثير من الرسائل المشفّرة، لكن يبدو أن مصر تعاملت مع هذا الوضع المعقد بكثير من الحكمة والذكاء والواقعية على قناعة بأنها غير جاهزة سياسيا وعسكريا للدخول في مواجهة مسلحة مع دولة الكيان نصرة لغزة، فتطور وتحسن من مبادرتها لتكون أفضل من مبادرة الرئيس مرسي لوقف عدوان 2012، وتدفع في اتجاه لعب دور الوسيط باسم وفد فلسطيني جامع يمثل كل أطياف الشعب الفلسطيني وفصائله العسكرية السياسية مكرسة وحدة الصف الفلسطيني ووحدة مطالبه فلم تشترط مثلما كان محتملا اقصاء هذا الفصيل الفلسطيني المقاوم أو ذاك وخلافا لما كان متوقعا تبنّت مصر كل مطالب الوفد الفلسطيني ورفضت منذ الوهلة الأولى طرح نزع سلاح المقاومة على طاولة النقاش مع الجانب الصهيوني. هذه الثوابت التي سارت عليها الوساطة المصرية أجهضت كل محاولات الالتفاف على مبادرتها وفرضت اشادة فلسطينية واسعة بدءا باشادة قيادتي حركتي «حماس» و«الجهاد الاسلامي» منذ بدء العدوان حتى الاعلان عن اتفاق التهدئة. سياسيا كذلك حققت المقاومة الفلسطينية بعض المكاسب الآنية قد تبدو أقل من كلفة العدوان الباهضة وخاصة منها رفع الحصار البري المفروض على غزة وتأمين حق صيادي القطاع في العمل في عمق بحري مناسب فضلا عن التعاطي مع مسألة معبر رفح الحدودي كشأن مصري فلسطيني يعالج وفق مفاهمات بين الحكومة الفلسطينية المؤقتة (حكومة الوحدة الوطنية) والحكومة المصرية بما يؤمن للجانب الفلسطيني احتياجاته الاقتصادية والاجتماعية في مرور السلع والبضائع والأفراد بصفة دائمة من جهة، وبما يرفع عن الجانب المصري الهواجس المتعلقة بأمنه القومي والشروع بعد شهر في بحث اعادة فتح مطار غزة وبناء ميناء تجاري بها. سياسيا أيضا، فإن الانجاز الغائب عن التداول هو تبني الحكومة الفلسطينية لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة المسلحة وفي تموقعها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني إن في مقاومته أو في فعله السياسي والديبلوماسي. وإذا فشل العدوان اعلاميا في تكريس عزلة غزة عن صميم القضية الفلسطينية الواحدة الموحدة بغزتها وبضفتها الغربية وبقُدْسها المحتلة وبفلسطيني الخط الاخضر (عرب 1948) وبفلسطيني الشتات والهجر فإنه نجح بشكل منقطع النظير في اعادة تعبئ ة القوى الحية في العالم حول القضية الفلسطينية وفي تصحيح الكثير من المفاهيم التي أفسدها لوبي الاعلام الغربي. وفي انتظار عدوان جديد، ستتدفق الأموال العربية على غزة لتعمر أجمل مما كانت عليه وسيبقى السلاح الفلسطيني حقا مقدّسا للمقاومة وسيطوي الجميع صفحة أخرى من صفحات العدوان ولكن الأكيد أن المرحلة القادمة ستكون حبلى بالتحولات وبالمستجدات المحلية والاقليمية نأمل أن تخدم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة دون غيرها من حسابات المحاور.