3 أيّام تفصلنا عن افتتاح السنة القضائية الجديدة، ورغم ذلك مازالت الأزمة قائمة بين الهيئة الوقتية للقضاء العدلي والعديد من القضاة بسبب الحركة القضائية الأخيرة، وازداد الصراع حول هذه الحركة بين نقابة القضاة والهيئة الوقتية للقضاء العدلي منذ صدور الحركة القضائية وتمريرها لرئاسة الحكومة للمصادقة عليها ونشرها يوم 3 سبتمبر بالرائد الرسمي، وقد تباينت المواقف حولها بين مؤيد ورافض لها. ففيما اعتبرتها نقابة القضاة «حركة انتقامية ومبنية على المحاباة» رأت فيها الجمعية توجها اصلاحيا. فقد أكدت رئيسة نقابة القضاة التونسيين روضة العبيدي ان الحركة القضائية الأخيرة «لم تقطع مع ممارسات النظام السابق» وانها «لم تستجب لمقتضيات الدستور باعتبار انه تم تجاوز وخرق مبدإ عدم نقلة القاضي بدون رضاه». واكدت نقيبة القضاة ان عددا من الاخلالات والهنات القانونية رافقت الحركة القضائية وتم خلالها هضم حقوق القضاة إضافة الى عدم تطبيق الامر عدد 73 المتعلق بشروط اسناد الخطط الوظيفية مؤكدة ان هناك من تمتع بخطة وظيفية دون ان تتوفر فيه الشروط القانونية. وأكدت القاضية روضة العبيدي ان الحركة القضائية تمت بناء على المحاباة وتصفية الحسابات داعية الهيئة الوقتية الى تلافي التجاوزات القانونية خلال النظر في الاعتراضات والاحتكام الى مبدإ الشفافية والموضوعية وتطبيق القانون الذي قالت انه سيكون الفيصل بين القضاة وهيئتهم في المرحلة القادمة. وأضافت ان مطالب الاعتراض تجاوزت 100 مطلب وان عدد من القضاة تقدموا بقضايا لدى المحكمة الإدارية تتعلق بإيقاف تنفيذ واخرى بتجاوز مقتضيات الدستور. ومن جهتها اتهمت نقابة القضاة التونسيين الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي باستعمال الحركة القضائية لسنة 2015-2014 لتحقيق امتيازات للقضاة الذين ينشطون في جمعية القضاة التونسيين مقابل استهداف القضاة الذين ينشطون في نقابة القضاة. وذكرت النقابة أن الحركة القضائية شملت نُقلة عدد من أعضائها من مراكز عملهم دون اعتبار لصفتهم النقابية، بما يعد اعتداء على ممارسة الحق النقابي كما اعتبرت أن نقلة القضاة عموما من مقرات عملهم دون تحري رغبتهم في ذلك تُعدّ اعتداءا على مبدإ عدم نقلة القاضي بدون رضاه. وقد طالب المكتب التنفيذي لنقابة القضاة التونسيين الهيئة الوقتية المشرفة على القضاء العدلي وفق ما جاء في بيان النقابة بنشر المداولات المتعلقة بالحركة القضائية لسنة 2015/2014 والإجابة عن كل الإشكالات والتساؤلات التي أثارتها هذه الحركة. وأشار المكتب التنفيذي في بيانه الى أن عدم نشر مداولات الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي يتعارض مع ما يقتضيه القانون الاساسي المحدث للهيئة من كون سرية اعمال الهيئة تنحصر في قرارات رفع الحصانة والتأديب. موقف جمعية القضاة التونسيين أمّا رئيسة جمعية القضاة التونسيين روضة القرافي فقد تمسكت بتقييمها الأولي للحركة القضائية باعتبار أنها حققت عدة ايجابيات وبرز خلالها توجه إصلاحي انطلاقا من مراحل إعدادها الى حين اقرارها وذلك من خلال الاعلان عن معايير الحركة القضائية مشيرة الى أن في ذلك تمشّ مطابق للمعايير الدولية لاستقلال القضاء. واكدت رئيسة الجمعية ان اعتبار الحركة القضائية «كارثية» هو خطاب مغالط للرأي العام مؤكدة ان الحركة استجابت لمطالب القضاة وان الهيئة التزمت بالقانون في نقلتها للقضاة وترقيتهم. وأفادت روضة القرافي انه يجب على الهيئة الرد على الانتقادات الموجهة للحركة القضائية لأن الحركة ليست امتيازات للقضاة فقط وانما هي جملة من القرارات التي ستنعكس على مرفق العدالة مؤكدة على ان الحركة لا تخلو من بعض السلبيات من ذلك ان بعض النقل والترقيات غير مبررة وأن هناك شغورات تم الاعلان عنها ولم يقع تسديدها ملاحظة أن تلك نقاط يمكن تداركها عند النظر في الاعتراضات. الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي ردّت الناطقة الرسمية باسم الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي وسيلة الكعبي على تصريحات ناشطي نقابة القضاة وبلاغاتها بتصريح صحفي اعتبرت فيه «أن التعاطي مع الحركة القضائية كموضوع للإثارة ولفت الانتباه أمر خطير. وأضافت ان اعمال الهيئة خاضعة لمبدإ الشفافية من خلال الاعلان المسبق عن المعايير المتعلقة بالنقلة والترقية والتمتع بالخطط الوظيفية والشغورات التي تبقى خاضعة لرقابة الرأي العام، فضلا عن الرقابة القضائية. وبخصوص المداولات افادت الناطقة الرسمية باسم الهيئة الوقتية للاشراف على القضاء العدلي انها مضمنة بمحاضر رسمية لجلسات باستثناء ما تعلق منها بالمعطيات الشخصية للسادة القضاة وهي موضوع تقرير يوجه الى الرئاسات الثلاث دون سواهم». وأكدت وسيلة الكعبي ان «الهيئة» ينظمها قانون اساسي وبالتالي فإن المطالبة بحضور جلساتها يعد «بدعة» اذ لم نشهد اجتماعات لهيئات يحضرها غير أعضائها». كما أكدت على أنه خلافا لما جاء في بيان نقابة القضاة، تولّت الهيئة إعلام هؤلاء بالشغورات الحاصلة بالمحاكم مشيرةً الى أن الهيئة تحملت مسؤولياتها وانه تمت ترقية ونقلة عدد من القضاة ممن لم يسبق لهم التنقل بعيدا عن مقرات سكناهم. وانتهت الى التأكيد على ان الهيئة وضعت معايير موضوعية تساوى امامها جميع القضاة وأنه ليس مطروحا بالمرة المس من حرية العمل النقابي، كما يروج لذلك. وأضافت وسيلة الكعبي أن الهيئة حريصة اكثر من غيرها على مصالح القضاة ومؤتمنة على احترام المبادئ الاساسية لاستقلال السلطة القضائية وليست في حاجة لأي ضغط يسلط عليها من أية جهة اذ انها واعية بأهمية دورها وتتحمل مسؤولياتها في كل قراراتها. توتر وتأزم تصريح وسيلة الكعبي في وسائل الإعلام زاد من حالة التوتر القائمة بين الهيئة والعديد من القضاة المعترضين على الحركة، الذين طالب عدد منهم بحقهم في الإطلاع على مداولات الهيئة الوقتية للقضاء العدلي مؤكدين أن مداولات الهيئة يجب أن تكون علانية ما عدا الجلسات المتعلقة برفع الحصانة عنهم أو إحالتهم على مجلس التأديب، وهو حق يكفله لهم القانون. وقد أكدت النقابة بأنه إضافة إلى قضايا الطعن في الحركة القضائية التي سيرفعها القضاة المعنيون بها، فإن النقابة «ستمضي بكل ما خوله لها القانون لتفك تشفيرات الحركة القضائية لهذه السنة»، كما أنها سترفع بدورها شكاية إلى المحكمة الإدارية ضد الهيئة الوقتية للقضاء العدلي إذا استمرت في رفضها تمكين القضاة وغيرهم من الإطلاع على المداولات المتعلقة بالحركة القضائية وسيطالبونها بالإطلاع على تلك المداولات، على أساس ان عرض معطيات تقييم أداء المؤسسات على الرأي العام بما في ذلك المؤسسات التي تشرف على القضاء يعد ظاهرة ايجابية «وليس ضغطا باستعمال الرأي العام»، كما روجت له الهيئة الوقتية للقضاء العدلي، وباعتبار أن التركيز الاعلامي على عمل المؤسسة يؤدي الى تطوير الممارسة الديمقراطية، على اعتبار أنه يكرس ثقافة الرقابة ويفرض على من يقوم عليها الشفافية في اعماله قد تعجز عن تحقيقها الرقابة القضائية وأن التعاطي الاعلامي مع الشأن القضائي يستدعي مقابل ذلك الالتزام من جهة مصدر الخبر وناشره بضوابط اخلاقية تضمن عدم المس بالثقة العامة في القضاء دون ادلة قاطعة. ويلاحظ في هذا الاطار ان «بعض الانتقادات التي وجهت للحركة القضائية من خارج هياكل القضاة وتمثلت في مقالات صحفية او تصريحات اعلامية تميزت باتهامات لاعضاء الهيئة في اشخاصهم بعدم النزاهة».