استبعد الديبلوماسي السابق والمحلل السياسي صلاح الدين الجمالي فكرة حصول استقطاب ثنائي بين أكبر حزبين في البلاد باعتبار أنّهما على طرفي نقيض لا رابط يجمع بينهما ولا نقاط استراتيجية تجعل من السهل تحالفهما. وأشار الى انه يتوقع ان تفضي الإنتخابات القادمة الى «ترويكا» جديدة اوسع من السابقة يكون فيها للأحزاب الصغرى نصيب، مؤكدا أنّ مردّ ما تشهده الساحة السياسية من تركيز على الإنتخابات الرئاسية على حساب التشريعية هو الموروث الثقافي للتونسيين الذين ظلوا على مدى عقود يرون السلطة العليا في يد حاكم قرطاج. وقال صلاح الدين الجمالي بخصوص المشهد السياسي الحالي وما يحفل به من تعدد الترشحات للإنتخابات الرئاسية: «لا شك ان تونس حققت الرقم القياسي من حيث تخمة عدد المترشحين للرئاسية وما شاب هذا الحجم من تناقضات في تكوين الأفراد وتجاربهم... كنا كتونسيين نود، وقد فتحت بلادنا باب الترشح على مصراعيه وبكل حرية للجميع، لو ان هؤلاء فهموا ان الحرية مسؤولية قبل كل شيء وشعور بالإنتماء الى مجتمع متحضر... كنا نتمنى ان تتوفر بالمترشح للرئاسية شروط محددة تخول له حسن ادارة البلاد.. وعليه فالقول عندي انه من الضروري ان يكون التعامل مع الحياة السياسية مستقبلا باكثر جدية ومسؤولية. من سيكون الفائز في الدورة الأولى من «الرئاسية» حسب توقعاتك ؟ _ الثابت أنّ الحابل قد اختلط بالنابل في هذه المرحلة...كما تبعثرت الأوراق وتداخلت في ما بينها ولا اخفيك انني اعتقد ان في كثرة الترشحات وتعدد المترشحين اشارة سلبية وعنصرا سيئا يزيد الصورة ضبابية ولا يترك سبيلا لوضوحها امام ناظرينا. صحيح ان هناك مترشحين اكفاء واصحاب تجربة من احزاب كبيرة ...كما يوجد بعض المترشحين المستقلين اصحاب خبرة وتجربة ....وهذا الخليط يجعل من الصعب التكهن بما ستؤول اليه الجولة الأولى من الرئاسية، لكنّي أتمنى أن يقع الإختيار على كفاءة وطنية تخدم البلاد بأمانة وإخلاص بعيدا عن كل الحساسيات الحزبية والفئوية لإنجاح المسار الديمقراطي. كيف تنظر الى تغليب الإهتمام العام بالإنتخابات الرئاسية على حساب التشريعية بالرغم من ان سلطة القرار وفق ما ينص عليه الدستور الجديد تتمركز في المجلس التشريعي في النظام الجديد ؟ _ هي عقلية لدى التونسي لأنه تعود ان يكون رئيس الدولة هو الحاكم في البلاد...وهي تقاليد موروثة في السياسة الثقافية العربية عامة في غياب الديمقراطية. وبالتالي أعتقد أنّ تركيز الرأي العام على «الرئاسية» يدخل في هذا الإطار. وارى ان الحملة الخاصة بالتشريعية اخذت مسارها والأحزاب السياسية بصدد التحرك اليوم ... ثم ان الطابع الفولكلوري الذي أخذته «الرئاسية» وليد اهتمام الرأي العام ووسائل الإعلام في بحثها عن التفرد... أتمنى أن تكون الحملة الانتخابية التشريعية التي ستنطلق في غضون ايام قليلة مختلفة عن «الرئاسية» وأن تكون اكثر جدية وتركز على برامج تخدم التونسيين في مختلف جهات البلاد ضمن مخططات واضحة وواقعية وليس من باب بيع الأوهام بدون أدنى مسؤولية. شخصيا أتوق الى ان يقع اجتناب الفساد السياسي لكل الحملات لأن ما سمعناه حول «السمسرة» وبيع اصوات الناخبين والمزكين لا يشرّف الثورة التونسية ولا يخدم الديمقراطية التي نرنو اليها ...والمهم حسب رايي ان تتواصل الحملات الإنتخابية للتشريعية والرئاسية على حد سواء بشفافية تعكس عراقة الشعب التونسي وتقيم الدليل على وعيه وثقافته وتحضره. هل تعتقد بأنّ نتيجة الانتخابات التشريعية ستفتح الباب أمام استقطاب ثنائي؟ _ لا اعتقد ان الإنتخابات القادمة ستفرز استقطابا ثنائيا باعتبار ان بعض الأحزاب الكبيرة التي ستكسب الإنتخابات لن تلجأ بالضرورة الى التحالف مع قوى اخرى ...وقد تخير هذه التيارات التحالف مع احزاب متوسطة الوزن او صغيرة لتمويل مشاريعها ومواصلة الحكم باكثر حرية وأريحية. اذن لا خوف حسب رايي من الإستقطاب الثنائي لأن هناك تجاذبات داخل هذه الأحزاب الكبيرة قد تمنع هيمنتها وتحول دونها ودون ما يتخوف منه البعض. هل تتوقع ان تفرز الإنتخابات الى «ترويكا» موسعة ؟ _ ربما سيكون هناك تحالف أوسع من «الترويكا» السابقة بل اعتقد انه سيتم تشكيل حكومة متعددة الأحزاب يجد كل تونسي نفسه فيها...فحتى المرجعية الفكرية والإيديولوجية للأحزاب الكبيرة هي اليوم على طرفي نقيض... بل أني أتوقع ان نشهد تحالفا بين حزب كبير وأحزاب صغيرة تتقارب ايديولوجيا....».