بقلم: أبو غسان يتأكد يوما بعد يوم أن تونس أصبحت تعاني من معضلتين أساسيتين هما العزوف عن العمل وكذلك عدم احترام القانون. ويبدو أن هذه المعاناة ستتواصل في المستقبل وقد تأخذ حجما أكبر وتخلق مصاعب إضافية للبلاد لأنه لا شيء يشير إلى أن هناك وعيا بمدى خطورة هاتين المعضلتين وبتداعياتهما. يلمس التونسيون اليوم في كل مكان تقريبا تراجع قيمة العمل وغياب سلطة القانون. فبخصوص تدني قيمة العمل وتدهور الإنتاجية أشارت دراسات حديثة الى أن الإنتاجية في تونس في تراجع وأن الأوضاع في الإدارة التونسية خاصة تزداد سوءا، وأن نسبة التغيب عن العمل بلغت درجات غير معقولة دون وجود رقابة ولا رادع.. وتحول كسل التونسيين وتحايلهم للتهرب من أداء واجبهم المهني إلى مواضيع للتندر. ومن أبرز مظاهر ذلك أن الطرقات باتت مزدحمة بالسيارات، والمقاهي والمحلات التجارية مكتظة بروادها كامل ساعات النهار في حين تكون مكاتب المصالح الإدارية الحيوية شبه فارغة. تعاني البلاد من مصاعب اقتصادية خانقة ستتطلب سنوات لتجاوز تبعاتها . ولن يكون ذلك ممكنا إلا بالعودة إلى العمل واحترام هذه القيمة الحضارية التي صنعت تقدم الشعوب ومجدها ودعمت وزنها وثقلها في محيطها الإقليمي وحتى على المستوى العالمي. ويعاني التونسيون من ارتفاع الأسعار وعدم قدرتهم على مواجهة تكاليف الحياة وهو ما يدفع العديد من الفئات إلى تنظيم التحركات الاجتماعية المطالبة والاحتجاجات للمطالبة بالزيادة في الأجور. وهذا بالطبع من حقها.. ولكن هل يحل ذلك المشكلة ..؟ ما بينته التجربة أن كل زيادة في الأجر عادة ما تصاحبها زيادات في الأسعار لتبتلعها في وقت قياسي .. ويواصل بذلك التضخم سيره التصاعدي. إن تحسن أحوال الاقتصاد التونسي لا يمكن أن يتم من خلال الاقتراض والتداين إلى ما لا نهاية له. بل عبر الاستثمار وخلق الثروات وتحسين الإنتاجية وعودة الناس إلى العمل. كما أن تحسن المقدرة الشرائية للمواطن بشكل فعلي وعلى أسس سليمة يمر حتما عبر وفرة العرض والإنتاج أكثر لا بتوريد منتجات كان من المفروض أن نكون مصدّريها. أما مظاهر عدم احترام القانون، وضعف مؤسسات الدولة عن فرض هيبتها وسلطتها فهي أيضا أصبحت ممارسة يومية وكلفت البلاد كثيرا من الخسائر على المستوى الاقتصادي بسبب تعطيل الإنتاج في بعض القطاعات الحيوية وتوسع أنشطة التهريب وغيرها وكذلك تفشي مظاهر الفوضى في العديد من المجالات الحيوية وخاصة في مجال النظافة والبيئة والوضع على الطرقات. لا أحد يرضى أن تتواصل هذه الحالة التي وصلت إليها البلاد في بعض المجالات.. ولا خلاص لتونس اليوم إلا بالعودة إلى العمل وكذلك بفرض احترام القانون على الجميع. لقد كان من المفروض أن تحتل هاتان المسألتان موقعا بارزا في برامج الأحزاب والمرشحين للانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، ولكنهما كانتا الحلقة المفقودة، وشبه غائبتين وفي أحسن الحالات حاضرتين بشكل محتشم وخجول. ربما لأنهما لا تمثلان عملة رابحة في حملة انتخابية طغت عليها الوعود ..لأن الوعود تجلب الأصوات أكثر بكثير من الحديث عن المواضيع الحساسة والحقائق المرة.