التونسية (تونس) قال امس الخبير الاقتصادي معزّ الجودي ل«التونسيّة» في تفسيره لمسألة عجز الدولة عن إيقاف مدّ ارتفاع الأسعار إنّ الاسعار في تونس لم تعد ظاهرة اقتصادية ظرفيّة بل أصبحت مشكلا هيكليّا مبيّنا ان تدهور الاقتصاد التونسي واستقراره في دورة سلبيّة تسبّب تفاقم العجز وضعف النموّ الاقتصادي في موارد الدولة وفي الاستثمار وخلق حالة من عدم التوازن في القطاعات الحيويّة مبيّنا أنّ هذا الوضع أثّر على الدولة وجعلها تفقد توازناتها بانفلات الأسعار وبتفاقم الصعوبات التي جعلت الدينار التونسي ينهار. وأوضح الجودي انّ كلفة تمويل الواردات في تونس ترتفع بانهيار قيمة الدينار وتنعكس سلبا على الأسعار بجعلها ترتفع مشيرا إلى انّ هذه الواردات تنقسم إلى مواد استهلاكية موجّهة إلى المواطن بأسعار مرتفعة وإلى مواد مصنّعة واخرى غير مصنّعة تتمثل في مواد أولية تجلبها المؤسسات من الخارج بكلفة مرتفعة تنعكس لاحقا على أسعار البيع وإلى المحروقات التي تدخل في الدورة الإنتاجيّة ولها تأثير كذلك على الأسعار. وأكّد الجودي أنّ ما ذكره من عوامل خارجيّة دعّمتها العوامل الداخليّة التي أثرت في غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار وجعلت الحكومة غير قادرة على مكافحة وردع الظاهرة مبيّنا انّ هذه العوامل تتمثل في استفحال ظاهرة الاقتصاد الموازي المتأتي من تهريب البضائع والمنتوجات والذي بات يمثل 53 بالمائة من الناتج المحليّ الخام جرّاء تسيّب الدولة وعدم وجود رقابة لعمليّة البيع. وبيّن الجودي انّ تهريب السلع جعل العرض يفوق الطلب وأدّى إلى اضطراب في مسالك التوزيع عبر ممارسات غير لائقة وغير قانونيّة تستوجب الرقابة لما لها من تأثير على الأسعار ليندّد بضعف الرقابة من طرف وزارة التجارة مبينا انّ الإجراءات المتبعة من قبلها ليست بالحجم المطلوب وساهمت في إرتفاع الظاهرة التي تفاقمت جراء ضعف العقاب المسلّط على المهرّبين والمضاربين. من جهة أخرى أكّد الجودي أنّ البنك المركزي يتحمل بدوره المسؤوليّة من خلال ضخّه لكتلة نقديّة لا تتماشى مع قدرة الاقتصاد والجهاز الإنتاجي في غياب العرض والطلب مما تسبّب في تضخّم مالي وصنع حالة من عدم التوازن كما حمّل المسؤوليّة كذلك إلى المواطن المستهلك موضّحا انّ تصرّفاته تقف وراء ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة إذ انّه يعاني من اللهفة في الظروف الأمنية غير المستقرّة ولا يتمتّع بثقافة الضغط على الأسعار من خلال مقاطعة البضائع مرتفعة السعر كالخضروات والغلال واللحوم ولا يكترث بتحذيرات منظّمة الدفاع عن المستهلك مؤكدا على ضرورة إتباع نصائحها باعتبارها منظّمة غير ربحيّة وتهدف إلى مصلحة المواطن. وأكّد الجودي أنه بإمكان الدولة مكافحة هذه العوامل الداخلية والخارجيّة عبر خطّة وطنيّة واستراتيجية تتناسق مع ماهو موجود على الساحة تحارب من خلالها الاقتصاد الموازي وتواجه «المهربين والهبّاطة» عبر مراقبتهم ومعاقبتهم وتحسين ضخّ البنك المركزي لكتلته المالية مؤكّدا انّه من الضروري بعد الخروج من الإنتخابات العمل على إنقاذ وإعادة تنشيط الاقتصاد عبر إرجاع الثقة ودعم الإستقرار وإجراء إصلاحات في الجباية وفي المنظومة البنكية والمالية وتفادي ما خلّفته الحكومات المتعاقبة منذ الثورة مشيرا إلى انّ حكومة مهدي جمعة كانت تفتقر للإرادة في معالجتها للظاهرة وإلى اتخاذ القرار رغم ما توفّر لديها من قرائن وأدلّة.