يبدو أن الخلاف داخل حركة «النهضة» حول موضوع دعم رئيس الجمهورية الحالي محمد المنصف المرزوقي في الدور الثاني من سباق الرئاسة أو الالتزام بالحياد على الحياد لعدم خسارة الطرف الثاني المتمثل في شخص الباجي قائد السبسي رئيس حركة «نداء تونس»، قد بلغ ذروته هذه المرّة أكثر من أي وقت مضى، حيث صار من الصعب على الحركة أن تحجب الشرخ الذي تعاني منه وقد بدأت تباشيره تظهر للعيان في صورة استقالات وانسحابات، فضلا عن التناقض الكبير بين موقف القيادة والقواعد من المتنافسين على كرسي الرئاسة. فرغم التنافر الواضح في المواقف بين تيارات «النهضة» المختلفة أو الآراء غير المتقاربة بين قيادييها حول مجمل القضايا السياسية، لم يسبق،حسب متابعي الشأن السياسي، أن انتهى الحسم في احد المواضيع المطروحة على طاولة نقاش الحركة على كثرتها وتنوعها، بإتخاذ أمينها العام السابق قرار الانسحاب من الحركة ككل، وهو ذات الموقف الذي أعلن عنه حمادي الجبالي مؤخرا في بيان حمل بين طياته بعض الإشارات التي تدل على احتجاجه على موقف الحركة التي اختارت الحياد. كما لم يسبق أيضا،حسب متابعي الشأن السياسي، ان تمرد بعض قياديي «النهضة» على القرارات الصادرة عن مجلس الشورى الحركة الذي كان حاسما بفضل قراراته الملزمة للجميع، في إنقاذ الحركة من الانشقاقات والفصل في النزاعات الفكرية أو الرؤى السياسية لمختلف المستجدات في الكثير من المناسبات. تجاوز كل الخطوط الحمراء و مما قد ينذر بتجاوز قيادات «النهضة» كل الخطوط الحمراء الضامنة لعدم تفككها وتماسك بنيانها ،حسب المحللين، أن «راشد الغنوشي رئيس الحركة ورمزها لم يعد يتحكم بزمام الأمور كما كان في السابق حيث صار عرضة للنقد اللاذع والموجه وبات يواجه هو الآخر “أزمة حقيقية” نتيجة “ضغوطات كبيرة” يمارسها عليه بعض المحسوبين على شق «الصقور» الذين يدفعون باتجاه مشروع ديني متشدد يتناقض مع مفهوم الدولة المدنية والمجتمع التعدّدي الديمقراطي الذي عدّلت الحركة في السنوات الأخيرة ساعتها عليه». و في هذا السياق، يمكن ان يتنزل تصريح الهادي بريك عضو مجلس شوى «النهضة» ل«التونسية» (راجع عدد أمس) «بأن راشد الغنوشي لا يصلح للقيادة الحزبية والداخلية رغم نبوغه الفكري وذكائه السياسي»، على حد تعبيره، مؤكدا انه يختلف مع الغنوشي في الإدارة السياسية رغم ما يكنّه له من احترام. كما أعزى بريك ما وصلت إليه الأوضاع بوجود «مناخ استبدادي فردي ينشأ في الحركة لاول مرة في تاريخها بشكل جدي»، على حد تعبيره دائما، مخيرا بين «تدارك الوضع بمؤتمر استثنائي له جدول اعمال جديد او الخضوع للمحاسبة» حسب قوله. من جهته، قال الصادق شورو المحسوب على شق «الصقور»، في بيان توجه به أمس للرأي العام، ان «الحركة ان لم تعلن انحيازها للمشروع الذي يبشر بالمضي قدما في مشروع الحرية والكرامة والتصدي للقوى المضادة للثورة التي جمعت كل وسائلها الخبيثة للاجهاز على كل نفس ثوري في البلاد... وانحيازها الى محمد المنصف المرزوقي،الذي يرى فيه ككثيرين من غيره في الحركة مرشح هذا المشروع للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، سواء من خلال ماضيه النضالي في مجال الحقوق والحريات أو من خلال المسؤولية التي تحملها طيلة السنوات الثلاث الماضية اعلانا لا لبس فيه في هذا الظرف بالذات فانها تخطئ خطئين تاريخيين كبيرين الاول في حق البلاد ...». و أضاف شورو قائلا بالحرف الواحد انه باختيار «النهضة» للحياد فانها «ستفتح الباب لمفسدة كبرى وكارثة عظمى ستصيب البلاد حتما بفوز المشروع الأول إن هي تمادت في غموضها أو صدر عنها ما يفهم منه انحيازا للخيار الاسوأ، (مشيرا الى الباجي قائد السبسي)، لأنّ أيّ قرار تتخذه القيادة يفهم منه مساندة الخيار الاول ولو بطريقة غير مباشرة ... وقد ينتهي الامر الى ما لا تُحمد عقباه فضلا عما هو حاصل الآن من تناقض كبير بين موقف القيادة والقواعد من المرشحين للرئاسة». الخلاف يطال الشقّ الواحد و ما قد يؤكد ان اختلاف المواقف التي يصدرها قادة الحركة للرأي العام وغياب التوافق حتى في الشق الواحد داخل الحركة، ما صرح به الحبيب اللوز، في بيان توجه به للعموم مخالف لما ذهب اليه الصادق شورو،داعيا الى المحافظة على الموقف السابق لمجلس الشورى والمتمثل في دعوة ابناء الحركة وعموم الناخبين الى الانخراط في العملية الانتخابية بكثافة من اجل انتخاب من يرونه مناسبا لاستكمال المسار الديمقراطي وتحقيق اهداف الثورة في الحرية والديمقراطية والعدالة... وأضاف اللوز ان كل التصريحات الداعية الى الحياد التام السلبي أو الى عدم الاقتراع أو وضع ورقة بيضاء هي تصريحات منافية للصواب وغير منضبطة لقرار مجلس الشورى، نافيا كل التصريحات التي ظهرت في الأيام الاخيرة المعبّرة عن موقف «النهضة» بعدم انزعاجها من مد اليد الى «النداء» وعن استعدادها للتحالف أو التشارك معه، وهي تصريحات يمكن اعتبارها متجاوزة أيا كان المدلي بها باعتبارها لم تلتزم بحدود ما قرره مجلس الشورى الممثل لاعلى سلطة في الحركة،حسب قوله. وفي حين انتقد بعضهم الغنوشي،اهاب به اللوز «ان يتحمل مسؤوليته كاملة لوقف هذه التجاوزات والاحاطة الجادة بالموقف عبر الدفع من موقعه الى الانضباط التام لمؤسسات القرار الاولى وعبر منع كل اشكال التكريس والتفلت وذلك من اجل ضمان وحدة الحركة قيادة ومناضلين وأنصارا»، على حد تعبيره. تفجير عن بعد؟ وعن الأسباب التي تقف وراء وصول «النهضة» إلى ما وصلت إليه اليوم من خلاف وصراع داخلي لم تشهد له مثيلا، أكد متابعون للشأن السياسي أنّ «درجة الخلاف التي باتت عليها «النهضة» اليوم دليل على ان تكتيك الباجي قائد السبسي بتفجير الحركة ب«الريموت كونترول» أي عن بعد، بدأ يعطي أكله،على حد تعبير بعضهم، مؤكدين أن مرشح «نداء تونس» أوقع ب«النهضة» في فخ الصراع الداخلي من خلال دعوتها الى توضيح موقفها من المرشحين للرئاسة قولا وفعلا، متهما إياها بعدم الوضوح والشفافية في التعامل السياسي وبالعمل عكس الحياد الذي اقره مجلس شوراها، وهو الامر الذي تفاعل معه عدد كبير من قيادييها المعارضين للباجي وبلغ الأمر ببعضهم الى دعوة مجلس الشورى الى استئناف موقف الحياد في حين ذهب بعضهم الاخر حد الطعن فيه والتمرد عليه. كما لم يستبعد الملاحظون ان تتبع خطوة تفجير «النهضة» عن بعد خطوات اخرى تندرج ضمن مخطط كامل يهدف ل«إذابة الحركة» خلال الخمسة سنوات التي سيحكم خلالها «نداء تونس»،حسب بعضهم.