حاوره: محمد بوغلاّب ربما يخفى عن الكثيرين أن سفير تونسبباريس ليس بعيدا عن متابعة ملف الصحافيين سفيان الشورابي ونذير القطاري المختطفين في ليبيا ، بإعتبار مركزية الموقع الذي يشغله ومساهمته في تحرير الديبلوماسيَيْن العروسي القنطاسي ومحمد بالشيخ، ولذلك لم يكن مفاجئا أن يجتمع مهدي جمعة بالسفير محمد علي الشيحي في الخامسة من صباح يوم عودته إلى تونس قادما من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأن يتصل به وزير الخارجية المنجي الحامدي من نيويورك لمتابعة الملف دقائق قبل إجراء هذا الحوار (أجري الحوار أول أمس). والسيد محمد علي الشيحي حائز على ديبلوم المعهد الدولي للإدارة العمومية بباريس في مجال ديبلوماسية الأزمات وديبلوم المدرسة الوطنية للإدارة المرحلة العليا . عمل في سفارة تونس بروما ثم بطهران وخبيرا ملحقا بجامعة الدول العربية ومديرا للتفقدية العامة بوزارة الخارجية وقنصلا عاما بمرسيليا ومديرا عاما للشؤون القنصلية فكاتبا عاما لوزارة الخارجية قبل أن يعين لأول مرة في مسيرته المهنية سفيرا بالعاصمة الفرنسية في 31اكتوبر 2014، وهو متزوج وأب لطفلين. في ما يلي نص حوارنا معه: سعادة السفير، ما هي تداعيات الإعتداء الإرهابي على صحيفة Charlie Hebdo على الجالية التونسية؟ بشكل عام هناك قلق كبير وخشية من الخلط بين الإسلام والعنف وهو ما قد يدفع البعض لرد فعل غير محمود العواقب على الجالية المسلمة، لكن بالنسبة للتونسيين فالأمر مختلف لأن الفرنسيين ينظرون إلى التجربة التونسية بشكل خاص باعتبار نجاحنا في تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية وتداول الرؤساء على السلطة بشكل سلمي وديمقراطي ، ولا ننسى أن تونس كانت من أول الدول التي نددت بالاعتداء الإرهابي من خلال مواقف رئيس الدولة ورئيس الحكومة الحازمة. كما قام وزير الخارجية الدكتور المنجي الحامدي بتعزية نظيره الفرنسي وتحولت شخصيا على عين المكان إلى مقر جريدة Charlie Hebdo واتصلت بعائلات الضحايا من التونسيين لأقوم بواجب العزاء باسم تونس ويتعلق الأمر، بإلزا خياط طبيبة وكاتبة، أصيلةصفاقس وعون الأمن أحمد المرابط الذي كان أول عون أمن يحل بموقع الحادث ورسام الكاريكاتور المولود في تونس عام 1934 جورج وولينسكي. كما اتصلت بالمسؤولين الفرنسيين الذين نقدر مواقفهم إذ حذروا من الخلط بين الإسلام والمسلمين ومقترفي الإعتداء الإرهابي الغادر ، كما تحدثت مع السادة السفراء في مجلس السفراء العرب بفرنسا وأصدرنا بيانا نددنا فيه بالعملية كما عبر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية عن إدانته وكذلك مسجد باريس الكبير، وقد ساهمت هذه المواقف في إيضاح الرؤية لدى القطاع الأوسع من الرأي العام في فرنسا، ولكنّنا مدعوون إلى القيام بخطوات إضافية «ما يلزمش ننساو» إقناع الفرنسيين بأن الإسلام بريء من التطرف والتشدد والإرهاب وأننا ضحايا هذا الإرهاب في فرنسا بوفاة ثلاثة من أبنائنا. كما أننا دفعنا ضريبة غالية من دماء شهدائنا الطاهرة من سياسيين وجنود ورجال أمن لحماية تونس من مخططات تتجاوز بلادنا ، فالإرهاب لا يفرق بين الأديان والأجناس، هو إرهاب أعمى لا يفرق بين ضحاياه، عابر للبلدان ولذلك علينا ان نعمل على المواقع التي منها يمكن أن نمر إلى قلوب الفرنسيين وعقولهم. عندما كنت كاتبا عاما لوزارة الخارجية كنت أنت أول مسؤول في الخارجية إلتقى بالديبلوماسيين محمد الشيخ والعروسي القنطاسي بعد الإفراج عنهما ورافقتهما إلى تونس على متن طائرة عسكرية ، فلماذا عجزت تونس عن تحرير سفيان الشورابي ونذير القطاري؟ أولا أريد أن أؤكد لكم أننا لا نفرق بين التونسيين مهما كانت وضعياتهم أو مهنهم ونحن نبذل قصارى الجهد للوقوف مع أبنائنا حيثما كانوا ، لا اتفق معك في أننا عجزنا عن تحرير الصحافيين سفيان الشورابي ونذير القطاري ولا يجب أن ننسى أيضا السائق بالسفارة التونسية بطرابلس وليد الكسيكسي، نحن نعمل بشكل دؤوب لحل القضية، والسيد وزير الخارجية يتابع الملف بشكل مستمر حتى وهو خارج تونس وقبل أن تتصلوا بي كان معي على الهاتف من الولاياتالمتحدة. أنت في باريس، ما الذي يمكنك فعله؟ أنا تونسي أولا وإبن الخارجية ثانيا ولم أكن بعيدا عن ملف التفاوض لتحرير الديبلوماسيين القنطاسي وبالشيخ، والسيد وزير الخارجية يتشاور مع كل من يمكنه تقديم المساعدة لإيجاد حل للقضية، وإعادة البسمة إلى عائلات المختطفين. كما التقيت صباح اليوم (الجمعة) في الخامسة والربع صباحا السيد رئيس الحكومة مهدي جمعة في طريق عودته إلى تونس وتحدثنا في الموضوع وكلفني بمتابعة بعض المصادر لتوفير أقصى قدر ممكن من المعطيات لعرضها أمام خلية الأزمة التي إجتمعت برئاسته ظهر اليوم (الجمعة)... صحيح لا توجد لدينا معطيات عن مكان وجود المختطفين ولكن لا يوجد أيضا أي تأكيد لتعرضهم لأي سوء وهذا جيد في هذه المرحلة ،نحن نفكر في عائلات المختطفين ويهمنا طمأنتها على سلامة أبنائها في المقام الأول، صحيح هناك blocage لأن الغموض مازال يحيط بالجهة الخاطفة والتفاوض مع الجهات الليبية معقد وغير تقليدي وفيه عدة عناصر، لا تنسوا ان المفاوضات لتحرير الديبلوماسيين استغرقت ثلاثة أشهر وشملت عشرات المسؤولين في ليبيا، المطلوب ألاّ نستسلم لليأس ونواصل الجهد، والسيد وزير الخارجية يجري اتصالات متعددة ونأمل أن نسمع أخبارا إيجابية. يسأل البعض لماذا سافر مهدي جمعة إلى فرنسا ثم الولاياتالمتحدة وهو يستعد لمغادرة قصر الحكومة بالقصبة؟ وما الجدوى من المحطة الفرنسية؟ لم تكن الزيارة إلى فرنسا ولا إلى الولاياتالمتحدة للسياحة، هذا هو الثابت لأنه جرت العادة أن يطمئن رئيس الحكومة على الملفات المفتوحة مع شركائنا قبل أن يسلم المهمة لرئيس الحكومة الجديد، لا تنسوا ملفات ندوة 8 سبتمبر 2014 «إستثمر في تونس الديمقراطية الناشئة» التي نظمناها في تونس بشراكة فرنسية. الخطوة الضرورية الآن هي اجتماع الدول المانحة لتمويل المشاريع المقترحة من طرفنا «الكلام ما يكفيش» لذلك كان ضروريا أن يتحدث السيد رئيس الحكومة مع المانحين وقد أكد لهم ولنظيره الفرنسي مانوال فالز تواصل الدولة لأن تونس دولة حديثة قدمت المثال للعالم لا للمنطقة فقط بنقل السلطة بطريقة سلسلة دون عنف وبشكل ديمقراطي كان محل إجماع دولي ، وأفيدكم بأن مؤتمر المانحين سينعقد في باريس في الربيع القادم وستكون مناسبة للحكومة الجديدة لمواصلة العمل على الملف في مرحلة متقدمة، أي أن السيد مهدي جمعة قام بتمهيد الطريق لرئيس الحكومة القادم لمواصلة ما بدأنا. كما سعى السيد رئيس الحكومة إلى إستثمار التعاطف الدولي مع التجربة التونسية بشكل عملي ليتبلور في شكل تمويل مشاريع تنمية في عدة جهات ستغير من واقع التونسيين في المرحلة القادمة. كما طمأن السيد مهدي جمعة فرنسا على استمرار العلاقات بين البلدين وتم الاتفاق على تحويل جانب من الديون التونسية إلى استثمارات كما تم الاتفاق على تطوير العلاقات بين البلدين وتعميق الحوار السياسي والاقتصادي لا فقط من خلال اللجنة المشتركة برئاسة وزيري الخارجية بل من خلال زيارات رئيسي الدولة والحكومة في البلدين والحمد لله أن الطرف الفرنسي تفاعل إيجابيا مع مقترحات السيد رئيس الحكومة. كيف هي العلاقات مع فرنسا؟ العلاقات جيدة جدا ولكن علينا عدم الإكتفاء بهذا المستوى، علينا ان نكون خلاقين في ابتكار سبل جديدة لتطوير العلاقات، وبالمناسبة فقد عبرت فرنسا عن استعدادها لدعم بلادنا بتقديم ضمانات لقروض تونس وهو دعم هام في هذه المرحلة. هل هناك إتفاق على زيارة للباجي قائد السبسي أو الحبيب الصيد رئيس الحكومة المكلف إلى فرنسا؟ لننتظر تشكيل الحكومة أولا، ولكن الثابت ان مثل هذه الزيارات أمر عادي، ليس هناك إتفاق إلى حد الآن ولكن العلاقات التقليدية بين تونسوفرنسا تجعل هذه الزيارات طبيعية ، ونحن جميعا نعمل من اجل مصلحة تونس وشعبها. هذه أول مرة يتم تعيينك سفيرا أي أنك دخلت من الباب الكبير؟ كما تعرفون، كنت كاتبا عاما لوزارة الخارجية وتعييني في سفارة تونسبباريس كان رسالة بالأهمية التي توليها تونس للعلاقات بين البلدين لأن كاتب عام هي أعلى رتبة في الخارجية، وربما كان تعييني تأكيدا لما أنجزته حكومة السيد مهدي جمعة بتحييد الديبلوماسية وإعادة الاعتبار لأبناء الخارجية وتأكيدا لقيمة المهنية ، فأنا التقيت بمسؤولين في الدولة الفرنسية عرفتهم قبل سنوات حين كنت في سفارتنا بطهران وهو ما سهل كثيرا التواصل بيننا، والمهم أن نوفق في خدمة تونس وأبناء الجالية هنا في فرنسا. كيف تختم حوارنا؟ أشد على أياديكم بعد أن أصبحت «التونسية» توزع في أكشاك العاصمة الفرنسية ونعبر عن إستعدادنا لتقديم كل ما بوسعنا لإنجاح هذه المغامرة الصحفية الجميلة.