طلبت «التونسية» منذ نحو أسبوعين عبر القنوات الرسمية لسلطة الإشراف إجراء تحقيق حول نشاط مركز التكنولوجيا النووية بمنطقة سيدي ثابت لتسليط الأضواء على مصير المشروع النووي التونسي الذي وضعت لبناته الأولى منذ نهاية تسعينات القرن الماضي. وقد تكرّم المدير العام للمركز بضبط ثلاثة مواعيد إلى حدّ الآن كان في كلّ مرّة يطلب تأجيلها عن طريق مساعدته المكلفة بالإعلام قبل أن يعلمنا يوم أمس بأنّ هذا اللقاء لن يرى النّور قبل موفّى الشهر الحالي بسبب شواغله الكثيرة واجتماعاته الماراطونية ! إنّ هذا السلوك الغريب الذي لا يخلو من تسويف ومماطلة لا يليقان بموظّف دولة يطرح نقاط استفهام كثيرة لعلّ أهمّها دوافع روح الانغلاق التي مازالت تعشّش في عقول الكثير من المسؤولين الذين يتموقعون في خط معاكس للتطوّرات الإعلامية داخليا وانتقال العالم على مدى العقدين الأخيرين من عصر المعرفة «Le Savoir faire» إلى زمن التسويق الاتصالي «Le Faire savoir». لو طلبت «التونسية» خلال ذات الفترة إجراء تحقيق عن وكالة «نازا» الأمريكية لتمكّنت من إنجازه ونشره للعموم.. أمّا في تونس فقد فرض المدير العام المذكور الانتظار مدّة شهر كامل بتعلّة «كثرة شواغله» والحال أنّنا نلتقي يوميا وزراء ومسؤولين تعادل مسؤولياتهم عشرات أضعاف مسؤوليته. إنّ هذا التصرّف يزيد في تعميق الاقتناع ب«أنّ قضايا جوهرية مثل تراجع هيبة الدولة وغرق البلاد في التجاذبات الفارغة وما آلت إليه من تهميش للجهد الوطني واتّساع رُقعة اليأس... ساهم فيها بقسط وافر الكثير من المسؤولين إن كان عن قَصْد أو، بسبب مرض «نقص الكفاءة المكتسبة»». تلك المساهمة تختزل في ممارسات تتعارض مع أبسط معايير اللياقة.. وكذلك عدم المبادرة ب«الدّفع نحو خطاب سياسي وإعلامي يطرح القضايا الحقيقية بعمق ويصنع الأمل ويُظهر الصورة الحقيقية للبلاد والطريق الملائمة لتحقيق تطلعاتها». مفاعل نووي إنّ بإمكان تسليط الأضواء على المشروع النووي التونسي أن يظهر الصورة الأخرى لتونس التي تكاد تختنق تحت وطأة العُكاظيات والتجاذبات.. فهو مشروع يُدمج تونس في القرن الواحد والعشرين ويبرز قدراتها وأحلامها في مجال التكنولوجيا المتطوّرة. لقد وُضعت اللبنات الأولى لهذا المشروع منذ نهاية تسعينات القرن الماضي وتمثل أول إنجازاته في محطة تعقيم منتوجات الصناعة الغذائية بالأشعة النووية عقب تحجير الاتحاد الأوروبي توريد المواد الغذائية والمنتوجات الجلدية المعقّمة بالمواد الكيميائية. وتتمثل الحلقة الثانية لهذا المشروع في إنشاء مفاعل صغير للتجارب يتيح تكوين المزيد من الخبراء خصوصا أنّ تونس تستعمل منذ عقود الأشعة النووية مثل «Beta» و«Gama» في عدة قطاعات مثل الفلاحة والصحّة. ويُعدّ إنتاج الكهرباء بالطاقة النووية الحلقة المفصلية لهذا المشروع لكن مَرْدُودِيّة إنجاز مفاعل تحتاج إلى مزيد توسّع الشبكة الوطنية للكهرباء علما أنّ ٪90 من كلفة مفاعل نووي لإنتاج الكهرباء توجّه لمعدات السلامة وبالتالي فإنّ المردودية تكون أعلى كلما كانت الشبكة الكهربائية أكبر. كما أنّ المخاوف من مخاطر تسرّب الأشعّة النووية زالت منذ مدّة طويلة عقب اكتشاف تكنولوجيات جديدة في مُقدّمتها التكنولوجيا الفرنسية المعروفة ب«Sécurité 0». إنّ حجب معلومات عن مثل هذه المشاريع وعلاوة على ما أسلفناه قد يدفع إلى التساؤل: هل توجد سلطة فعلية في تونس تراقب المسؤولين وتتابع ما يصدر في وسائل الإعلام بروح الحرص على إصلاح الأوضاع؟ أشكّ في ذلك!